الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غواتيمالا على خطى تشيلي

بدر عبدالملك

2009 / 9 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تستعيد أمريكا اللاتينية عافيتها السياسية وتاريخية حركتها النضالية من اجل العدالة الاجتماعية التي كانت تتوق لها منذ عهد سيمون بوليفار وهو يؤسس لتحرير القارة من سيطرة الاستعمار الاسباني والأوربي عامة . ويشد رحاله بحلمه لتوحيد القارة، التي ظلت لعقود طويلة منذ موته حتى الان، تتقاسمها شركات الموز والسلاح والقتل والنهب المتواصل حتى باتت القبائل الهندية والتعدد الاثني فيها تعيش على هامش البؤس العالمي بتدني دخل الفرد في اغلب بلدانها والذي لا يتعدى الدولارين إلى ثلاثة دولارات للفرد . ناهيك عن تتالي الأنظمة العسكرية والدكتاتوريات المتلونة التي استباحت حياة الناس وحاولت تدمير كرامتهم الإنسانية بتحويل الإنسان في تلك القارة إلى مجرد سلعة رخيصة بالإمكان رميها في الزبالة، لذا كان من السهولة على من صمموا مشروع الحرب القذرة في القارة في سبعينيات القرن المنصرم، بأن لا ترمش جفونهم ولا تدمع أعينهم برحمة عندما كانوا يقذفون بالمعارضين من الطائرات من مستويات عالية . بل وتفننت فرق الموت في بعض تلك البلدان بقسوتها في حرق المعارضين في الشوارع العامة ، وفي تعذيب وخطف المعارضين سياسيا لهم ، ودون حياء اخفت هوية المفقودين بدفنهم دون اية رموز ودلالات على قبورهم . بين أقبية الموت والتعذيب والقتل والإبادة المستمرة وبين حقيقة التاريخ الذي لا يمكن إيقافه أو منعه من المضي في اتجاه معاكس لك في يوم من الأيام تقف الأيدي القاتلة في قفص الاتهام تنشد الرأفة في الحكم. لهذا لم تكن غواتيمالا في أمريكا الوسطى إلا واحدة من تلك الدول التي سكنتها وحشية الأنظمة العسكرية والأجهزة البوليسية، في حرب أهلية مسلحة دامت 36 عاما بين الحكومة العسكرية والمعارضة التي قاد اليسار جبهتها في الغابات والجبال والمدن والأرياف ، حرب مات فيها أكثر من مائتي ألف إنسان وفقد فيها أكثر من 40 ألف شخص ما زالت السلطات الحالية تفتش عنهم نتيجة ضغط الحركة المناهضة لمرتكبي الجرائم والمدافعة عن الضحايا والانتهاكات، التي حدثت في تلك الحقبة السوداء . تلك الحيوية والنشاط المتواصل في منظمات المجتمع المدني والحقوقي دفع بعائلات المفقودين والقتلى العمل ليل نهار من اجل ملاحقة المتهمين والبحث عن ملفاتهم الخفية. هكذا نطق القاضي في محكمة غواتيمالية بسجن فيليب كوسانيرو لمدة 150عاما، أي بالحكم خمسة وعشرين عاما عن كل شخص منهم، لضلوعه تصفيته ستة أشخاص من النشطاء الفلاحين ضد النظام بعد تعذيبهم وإخفائهم بدفنهم ليلا، فلقد كان واهما كوسانيرو ، احد رجال الاستخبارات المدنيين، إن الظلام سيكون حاجبا على فعله وبأن الزمن كفيل بتدمير منطقة النسيان !! وبمثل ما الجرائم لا تتساقط بالتقادم، فان الذاكرة الإنسانية ومرارة العائلات لا يمكنها أن تنام أبدا من جراء الفجيعة. اليوم يتم في بلدان عدة من القارة المحاسبة بهدف إغلاق ملف إنساني ساهم على بناء الحقد الاجتماعي بين الناس والسلطة الحاكمة وتحول الصراع السياسي والحوار السلمي إلى صراع للقتل والعنف والموت. في " جواتالوم " تلك القرية الغواتيمالية ما بين عامي 82-84 شهدت لحظة الاختفاء والموت فكان صمت الليل يخفي أنين البشر وهم تحت التراب . ولكن لجان حقوق الإنسان بمحاكمة المنتهكين للعدالة والقانون. تواصل بإصرارها على محاكمتهم لجرائمهم في ظل القضاء والقانون العادلين، من اجل تقديم عدالة إنسانية لعائلات الضحايا. والخروج من شبح الماضي نهائيا والدخول لمستقبل أفضل وحياة جديدة تختفي فيها كل أشكال الانتهاكات الإنسانية والمجتمعية . وفي الوقت الذي نطق فيه قاضي المحكمة في غواتيمالا، كان قضاة تشيلي يستكملون ملفاتهم التي بدؤوا فيها منذ وقت طويل بتقديم رجال من الجيش والقوات الجوية ووكالة الاستخبارات السرية التشيلية ، الضالعين بتصفية وتغييب المئات وإخفاء ما يقرب من 3197 شخصا دفنوا بعد التعذيب دون معرفة مكانهم ودون شواهد على قبورهم ودون صلاة قداس على أرواحهم، مما ترك العائلات طوال الوقت تواصل البحث عن قبور وأمكنة أحبائها . وتعتبر مذكرة التوقيف الصادرة بتاريخ 3سبتمبر2009 من قبل القاضي فيكتور مونتيغليو ثاني اكبر مذكرة من حيث عدد الموقوفين ( 129 موقوفا) بتهمة تصفية المعارضة السياسية في تشيلي إذ كان عدد المذكرة الأولي (74 موقوفا ) والتي قدمها نفس القاضي سنة 2007 . ولم تترك فرق الموت في حروبها القذرة أي إنسان يعارضها سياسيا، بعد إن حولت بلدانها إلى جحيم، كما أشارت الروائية التشيلية إيزابيل الليندي في روايتها " بيت الأشباح " حيث صار البيت / الوطن الرمز المقابل للبيت مجرد مكان للكوابيس الحائمة لاختطاف أرواح الناس الأبرياء . ولم تخرج تشيلي حتى الآن من جراحها العميقة التي عاشتها لمدة طويلة منذ حكم الدكتاتور بينوشيت، المفقودون وحدهم يشكلون علامة فارقة في محطة التاريخ السياسي العدواني والوحشي عن كونهم بشر بلا هوية في مماتهم ، ولكنهم نصف موتى ونصف أحياء إلا بعد أن تتم معاينتهم كحقيقة ملموسة، لكي يتم تسجيلهم في دفتر الوفيات بعد صلاة الرحمة وشاهد رخام منقوش بتاريخ واسم الضحية .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح