الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسابقات رمضان: صياد رأسمالي وفريسة مخدرة بوهم الثراء

محمود عبد الرحيم

2009 / 9 / 14
الادب والفن



انه رمضان ، ما ان يأتي حتى تتبارى القنوات التليفزيونية الارضية والفضائية ، لاقتناص جمهور المشاهدين ، ليس حبا فيه او في افادته و امتاعه ، وانما رغبة في استغلاله الى اقصى درجة ممكنة وبكل السبل المتاحة ، وفق منطق الصياد الماهر والفريسة الساذجة التى تدخل الى الفخ بحسن نية ، ودون ادراك لما ينتظرها من مصير صادم .
واذا كانت المسلسلات بزحامها وضجيجها هى التجلى الرئيسي لهذا السلوك الاعلامي الرمضاني ، وما يرتبط بها من طوفان الاعلانات المزعج ، فان التجلى الجديد والابرز خلال السنوات الاخيرة يتمثل في المسابقات التليفزيونية التى تدغدغ مشاعر الواهمين ، وتثير لديهم شهوة الفوز السهل ، وتعد بجوائز شتى تغازل طموح كل الطبقات وكل الاعمار ، بالربح الذي يتراوح ما بين سيارة فارهة او شقة مؤثثة الى عمرة وحج شاملة كل التكاليف الى ملايين الجنيهات ، ولمزيد من اغراء المشاهدين باتت الاسئلة في غاية السذاجة وفي شتى المجالات الفنية او الرياضية او الدينية ، يقوم عليها نجوم الاعلاميين او الممثلين او تتضمن برامج رجال دين ، بل ان كثيرا من القنوات استغنت نهائيا عن مسألة الاختبارات ، وباتت تكتفي بكتابة ارقام هاتفية يتم الاتصال عليها او ارسال رسائل قصيرة للاشتراك في سحوبات دون ادنى جهد ، على غرار اليانصيب والعاب الحظ .
ومن ابرز الامثلة على هذا ما تقدمه قناة " دريم "التي تضع شريطا معظم الاوقات يدعو الناس للاتصال دون حاجة للرد على اسئلة وذلك للفوز بعمرة او سيارة او 30000 الف جنيه ، او مسابقة قناة "بانوراما دراما" التي تذكر اية قرآنية جاء فيها اسم نبي ومعجزاته ثم تطلب من المشاهد ان يذكر اسم النبي من ثلاثة اختيارات ، او مسابقة قناة " الناس" التي تسمي مسابقة الشيخ سالم التى يتم فيها ذكر اية قرآنية ويطلب اكمال بقية الآية ، علاوة على مسابقة" البيت بيتك" على القناة الثانية بالتليفزيون المصري التي يقدمها محمود سعد ويتم عرض اكثر من شخصية مشهورة في مجال معين ويتم الطلب من المشاهدين تحديد الشخصية ، او مسابقة لعبة الحظ التي تقدمها الممثلة رزان مغربي علي قناة "الحياة " والتي تشمل متسابقين داخل الاستديو ومشاركين عبر الهاتف ، ولو عددنا الامثلة وعدد القنوات فان لا احد فيها بعيد عن هذه اللعبة الجهنمية.
وللاسف ، يهرول الكثيرون نحو الاتصال لعشرات المرات ، ما ادى الى تحول الامر الى ظاهرة مزعجة تبدد طاقة واموال المشاهدين من جهة ، وترفع ارقام حسابات القنوات التليفزيونية وشركات الاتصال والاعلان بشكل مهول ، من جهة اخرى ، ما استدعى دق ناقوس الخطر.
واذا ما امعنا النظر طويلا ، سنجد ان ثمة سياقا لهذا السلوك الاعلامي المستورد من منظومة غربية يتمثل في صعود التيار الرأسمالي في الاعلام العربي بشكل عام ، وغلبة قانون السوق والنزعة الاستغلالية والاستهلاكية على اية قيمة او دور او رسالة من تلك التى يتوجب على وسائل الاعلام الجماهيرية الالتزام بها تجاه الجماهير ، فضلا عن انتهاك صريح لاخلاقيات الممارسة الاعلامية ، وللدور الاجتماعي المنوط بالاعلام.
والقضية ليست فقط في الاستيلاء على الاموال بطريق التحايل الذي يقترب من جريمة النصب ، وانما الاهم والاخطر مسألة استلاب وعى الجماهير والهائهم عن العمل والانتاج بمطاردة حلم او وهم الثراء ، وخلق اجيال من الكسالي الاتكاليين التي تنتظر ضربة حظ لتنال الملايين ، بدلا من ان تبحث عن السبب الحقيقي لحالة الافقار ، وتواجهه بالعلم والعمل او حتى بالثورة على الاوضاع الفاسدة التى اوصلت المجتمع الى هذه الدرجة من التفاوت الطبقي وزيادة طابور العاطلين والفقراء الذين يستحقون حياة كريمة في كل الاحوال.
ولعل ترحيب الحكومات بهذا النهج الاعلامي الرأسمالي ذي الصبغة الاستغلالية ، وعدم اعتراضها عليه ، يأتي انسجاما مع اهدافها في رفع يديها عن لعب دورها التنويرية والكف عن توظيف الاعلام في معارك البناء والتنمية وتعبئة الجماهير حول مشاريع قومية كبرى ، كما كان الحال في حقبة الستينيات ، على العكس تماما هي الآن ترغب في تكريس هذا النهج من " الاعلام المخدر" الذي يدمن الناس برامجه ومسلسلاته الساذجة ، ويضيعون الوقت في حياة وهمية تبدو افضل ، تبعدهم عن الواقع المعاش ومعطياته القاسية التى تسبب صداعا مزمنا ، وتنذر بانفجار لا يبقي ولا يذر ، ان حدث.
كما ان الرؤية الشمولية لهذا السلوك الاعلامي ،تكشف عن ان تحالف رجال الاعمال والسلطة موجها - في الاساس - ضد الجماهير، للسيطرة عليها بكل الوسائل ، ولعل الاعلام ساحة او آلية من آليات هذا التحالف يوظفه للقمع والاستغلال واستبدال المعارك الحقيقية ، والتحفيز على الابداع والانتاج والنهضة ، بتغيب الوعي وتخدير الناس بكل ما هو تافه وسطحي وساذج ووهمي.
ويجب الا نغفل عن حقيقة ان الرأسماليين الجدد في الاعلام لا دين لهم ، ولا ملة ، ولا وجهة ولا مبدأ سوى الربح السريع والكثيف على حساب اي قيمة ، فتراهم في القنوات الحكومية ، كما في القنوات الخاصة ، يمارسون نفس النهج ، الاخطر من ذلك انهم باتوا يرتدون لباس الدين ويرطنون بخطاب اسلامي يغازلون به مشاعر مجتمع يميل الى التدين سواء في قنوات تحمل لافتة" دينية" او في قنوات عامة اغرقوها بمثل هذه البرامج والاعلانات او بالاحرى بادوات النصب والاحتيال وبيع الاوهام للبسطاء الطامحين الى تغيير واقعهم المرير ، دون جهد ولا نضال وبشكل فجائي ، على طريقة مصباح علاء الدين و الفانوس السحري.
والدليل على هذا ان "القنوات الدينية " ، ورغم تحريم عدد من رجال الفتوى للمسابقات الوهمية هذه ، فانها تكثف منها خاصة في رمضان ، مستغلة خطابا دينيا تغلف بها مسابقاتها ، او بالاحرى عملية سرقاتها على الجمهور.
اننا ازاء هذه الظاهرة ، او بمعنى اصح جريمة النصب والتحايل واستلاب الوعي ، مطالبين برفع الصوت عاليا ، ولفت انظار الجماهير ، لسبل مواجهة افساد رسالة الاعلام ، ولعل اول خطوة تبدأ بمقاطعة مثل هذه البرامج والمسابقات والتوقف فورا عن تمويلها لتسقط من تلقاء نفسها ويسقط معها نموذج الاعلام المزيف المخدر ، مع تحول كل مشاهد واعى وذي ضميرالى قائد رأي يمارس واجبه التوعوي لمن حوله ، ويدعوهم الى سبل التحقق الحقيقية ووسائل النجاح والرفاه الحقيقي الذي ينهض على العلم والعمل والنضال من اجل التغيير للواقع الظالم الفاسد ، لا المقامرة والكسل وانتظار اوهام الثراء التى لا تأتي.
ويحضرني هنا حالة تعد نموذجا يحتذى لسيدة بريطانية اسمها آمي تعرضت لمثل هذه الخديعة ، واهدرت ميزانية بيتها على برامج المسابقات والتصويت ، لكنها بدلا من ان تستسلم للامر الواقع ، قررت ان تتحول الى مناضلة من اجل رد الاموال المنهوبة ، وفضح فساد هذه البرامج وارسال رسائل الى كل المؤسسات المسئولة عن حماية المستهلكين ، رافعة شعار " ان معركتي ليست من اجل عودة بضعة بنسات او جنيهات ، وانما هي قضية مبدأ " ، تعني - بالطبع - رفض الاستغلال والاحتيال على الجماهير ، من جانب اعلام مفترض ان يكون منحازا لهم ، لا ضدهم .
*كاتب صحفي مصري
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟