الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مذكرة المنظمات الحقوقية والمدنية حول إصلاح القضاء- بالمغرب: أي موقع للمطالب الأمازيغية؟

بن بيه رشيد

2009 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


(1)

يكتسي مطلب إصلاح القضاء أهمية كبرى لدى العديد من الفاعلين في المنتظم السياسي المغربي؛ من جمعيات وأحزاب و هيئات حقوقية ومدنية...

وكغيرها من الفعاليات المنادية بإصلاح القضاء، عملت الحركة الأمازيغية على إثارة إشكاليات العدالة بشكل عام والقضاء بشكل خاص، ليس من زاوية استقلالهما عن باقي السلط فقط، وإنما من زاوية اعتمادهما اللغة العربية وحدها وإقصاء الأمازيغية بشكل عام من قطاع العدالة ومن مختلف مؤسسات الدولة.

إن تعاطي الحركة الأمازيغية مع مسألة إصلاح القضاء يتسم بنوع من الشمولية. فبقدر ما يتفق مع مطالب الهيئات الحزبية والمدنية والحقوقية بشأن استقلالية القضاء ونزاهته ونجاعته، بقدر ما يركز أكثر على قضايا جد حساسة يصطدم بها المتقاضون المغاربة الناطقون بالأمازيغية داخل محاكم المغرب، حيث تضيع حقوق هؤلاء بسبب جهلهم للغة العربية من جهة، وعدم وجود أية إمكانية للتقاضي باللغة الأمازيغية من جهة ثانية؛ بسبب غياب مترجمين للغة الأمازيغية في جل محاكم المغرب، وجهل أغلب القضاة لهذه اللغة.

لقد دأبت الحركة الأمازيغية منذ نشأتها على المطالبة بمأسسة الأمازيغية، وبالرغم من كون هذا المطلب يعتبر مطلبا عادلا و ضروريا ومشروعا، فإن ما حققه المغرب في هذا المجال لا يستجيب لأدنى ما طالبت وتطالب به الحركة الأمازيغية.

كما أن العديد من "الفعاليات الديمقراطية والحقوقية والمدنية" فوتت العديد من الفرص التاريخية التي كان بإمكانها أن تتخذ فيها مواقف، وتطالب فيها بإجراءات متقدمة في مجال مأسسة الأمازيغية. من أمثلة ذلك، أن تلك القوى وفي إطار التشاور والتوافق حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم تعمل على تبني مطالب الحركة الأمازيغية في ما يتعلق بتدريس اللغة الأمازيغية. وهاهي الآن بعض الفعاليات المدنية تعقد الندوات وتضع التوصيات دون أن تشرك الحركة الأمازيغية في تلك الندوات ولا حتى أن تدرج مطالبها ضمن التوصيات التي تخرج بها وتطالب بتفعيلها.

مثل هذه القضايا والمسلكيات، التي تشكل ثابتا جوهريا في إستراتيجية بعض النخب الحزبية والأكاديمية والمدنية هي التي تجعلنا نتساءل عن موقع مطالب الحركة الأمازيغية ضمن النقاش الذي تخوضه تلك الفعاليات حول إصلاح القضاء.
(2)

ليس المطلوب من المنشغلين بموضوع إصلاح القضاء من الأساتذة والمحامين وباقي الفعاليات المدنية والحقوقية والحزبية التركيز فقط في معالجتهم للإشكالات التي تعوق استقلالية السلطة القضائية ونجاعتها على التشخيص الذي قدمته الحركة الأمازيعية حول ضعف نجاعة قطاع العدالة وفعاليته، ولا تبني مطالبها أو التحدث باسمها في هذا المجال، وإنما تناول موضوع القضاء تناولا شموليا ومتكاملا؛ لأن من شأن إتباع منهجية من هذا القبيل أن يؤدي إلى إشراك كل هيئات المجتمع المدني ومن ضمنها فعاليات الحركة الأمازيغية، دون إقصاء، في جميع الندوات والمنتديات التي تخصص لقضايا إصلاح القضاء ومشاكل العدالة بشكل عام. كما سيمكن إتباع نهج الشمولية في تناول هذا الموضوع من الخروج بتوصيات تستجيب للمطالب التي تنادي بها الحركة الأمازيغية في هذا المجال.

لقد توصلت تلك الفعاليات الحقوقية والمدنية إلى صياغة مذكرة حول إصلاح القضاء، تضمنت تشخيصا لوضعية العدالة بالمغرب، واقترحت الحلول التي تراها كفيلة بالوصول إلى إصلاح حقيقي و فعال للقضاء المغربي.

إلا أن ما غاب عن ذلك التشخيص هو وضعية اللغة الأمازيغية في قطاع العدالة والإشكاليات التي يطرحها ذلك بالنسبة للمتقاضين الناطقين باللغة الأمازيغية. ولعل غياب أو تغييب مثل هذا التشخيص هو الذي أفضي بشكل تلقائي إلى عدم وضع ولو توصية واحدة تتعلق بمأسسة الأمازيغية في هذا الجانب. فليس من الصعب إجراء مثل هذا التشخيص، يكفي، فقط، إشراك الحركة الأمازيغية في النقاش الدائر حول إصلاح القضاء . وحتى إن لم تقدر تلك الهيئات على ذلك، أخذا بعين الاعتبار لبعض الاكراهات التنظيمية والمالية، من المفروض على معدي المذكرة أن يقوموا بتضمينها( المذكرة) مطالب الحركة الأمازيغية التي يمكن العثور عليها بسهولة في مختلف وثائق ومذكرات الحركة الأمازيغية.

في الواقع، لم يحدث من كل تلك الاحتمالات أي شيء. وهو ما يدل على عدم استيعاب معدي المذكرة لرهانات مختلف الفاعلين الأساسيين في الحقل السياسي والمدني المغربي بشأن إصلاح القضاء.

(3)

أشارت "مذكرة المنظمات الحقوقية والمدنية حول إصلاح القضاء"، في مقدمتها إلى المنهجية التي تم اعتمادها في وضع تلك المذكرة. حيث أن المشروع الأولي للمذكرة تم إعداده على اثر ندوة عقدت بالرباط حول إصلاح القضاء( دجنبر 2007) التي نظمتها جمعية عدالة بشراكة مع جمعية ترانسبارنسي المغرب والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء. ولم تشر هذه المذكرة إلى جل الهيئات التي تم استدعاؤها لحضور تلك الندوة، وإنما اكتفت بالإشارة إلى حضور عدة هيئات دون ذكر أسمائها. وهو أمر غير مقبول في عمل مدني من المفروض فيه أن يتسم بالشفافية. كما أنها لم تشر إلى الهيئات التي أرسلت إليها تلك المذكرة قصد إبداء ملاحظات حولها.

إن غياب الإشارة إلى تلك المعطيات هي التي جعلتنا نفترض، بحسن نية، إقصاء بعض الأطراف من المساهمة في النقاش الدائر حول إصلاح القضاء. كما أننا نتساءل: ألا يمكن أن تتعرض الحركة الأمازيغية للإقصاء من هذه الاجتماعات، كما تم إقصاؤها سابقا من الإعداد للميثاق الوطني للتربية والتكوين؟!

البحث عن جواب لهذا السؤال، بناء على المعطيات المتوفرة لدينا، قادنا إلى اكتشاف إقصاء الأمازيغية من النقاش الذي خاضته تلك الهيئات حول إصلاح القضاء.

فقد نبهت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة إلى "إقصائها من اللقاءات الجمعوية والرسمية المنظمة مؤخرا في هذا المجال"، كما أكدت أن "موضوع العدالة اللغوية والثقافية يغيب بشكل مطلق في المقاربات المعلنة"، في تلك النقاشات مما دفعها( الشبكة الأمازيغية) إلى بناء مرافعة حول قطاعات العدالة بعنوان "مذكرة للشبكة الأمازيغية حول رفع كافة أشكال التمييز ضد الأمازيغ و الأمازيغية بقطاعات العدالة بالمغرب". وهي المذكرة التي تتوجه بمضامينها وتشخيصها لقطاعات العدالة، وتوصياتها إلى جميع المتدخلين والمعنيين بملف إصلاح القضاء

فقد كان من المفروض في الهيئات التي أطلقت النقاش المدني والحقوقي حول إصلاح القضاء أن تعمل على إشراك الحركة الأمازيغية في نقاشاتها لاسيما وأن قطاع العدالة مرفق حيوي بالنسبة لجل المواطنات والمواطنين المغاربة. فلا يمكن لأحد أن ينكر حجم المشاكل التي يصطدم بها الناطقون الأمازيغية في المحاكم بسبب عدم تمكنهم من اللغة العربية التي يتم بها، لوحدها، التقاضي داخل محاكم المغرب.

(4)

العودة لمضامين مذكرة المنظمات الحقوقية والمدنية حول إصلاح القضاء، سيمكننا من معرفة مدى تضمنها لبعض عناصر تشخيص الحركة الأمازيغية لوضعية اللغة الأمازيغية في قطاع العدالة من جانب، ومن جانب أخر سيسمح لنا بتحديد مدى حضور مطالب الحركة الأمازيعية في النقاش الدائر حول إصلاح القضاء ، فعبر مختلف فصول المذكرة علاوة على المقدمة والتوصيات لا نجد ولو إشارة واحدة إلى كلمة الأمازيغية ولا إلى المشاكل التي يسببها غياب التقاضي بالأمازيغية في مختلف المحاكم المغربية.
.
على الأقل، وهذا لا يعني أن تكون مطالب الأمازيغية حول العدالة قليلة، كان من الضروري أن تخصص تلك المذكرة فصلا من بين فصولها لتحليل ومناقشة وضعية الأمازيغية في النظام القضائي المغربي. يتضمن أهم عناصر التشخيص الذي قدمته الحركة الأمازيغية لوضعية اللغة الأمازيغية في مرفق العدالة. ومن أبرز تلك العناصر كون الجلسات العمومية تكون باللغة العربية، وكون التشريع المغربي " يحرم على القاضي إنجاز المحاكمات إلا باللغة العربية فقط دون غيرها" كما توضح ذلك مذكرة الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة.

إذ كان الهدف من كل ندوة أو مذكرة هو إصدار التوصيات الكفيلة بتحقيق مطالب مشروعة وملحة وذات أهمية كبيرة، وبالرغم من تنصيص "مذكرة المنظمات الحقوقية والمدنية حول إصلاح القضاء" على توصيات هامة من شأنها المساهمة في إصلاح القضاء، فإنها لم تتبن ولو توصية واحدة من بين العديد من التوصيات التي تقدمت بها الحركة الأمازيغية في مجال إصلاح القضاء. ونعتبر هذا الغياب أو التغييب من أكبر ثغرات تلك المذكرة التي تحتاج إلى المزيد من النقاش والإغناء والتطوير مع كافة الفاعلين في الحقل السياسي والمدني المغربي لأن العدالة شأن يهم كل المغاربة.

لهذا يكتسي التذكير بمطالب الحركة الأمازيغية بشأن إصلاح قطاع العدالة غاية في الأهمية. وتتجلى تلك المطالب بشكل عام في" ضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة بجعل المواطنين المغاربة يتساوون أمام القانون كما يتساوون في فهم مقتضياته وإجراءاته بلغات تواصلهم اليومية، وكذا أن يفهم ما يقولونه فيها عند الترافع أو التعبير عن الرأي، وكذا بتوفير الترجمات التحريرية والفورية واستعمال وسائل الإعلام الجماهيري بلغات المواطنين أو بأي طريقة فعالة أخرى، وهو ما لم يتم العمل به حتى الآن في المغرب حيث مازال بعض رجال السلطة والقضاء يطالبون المواطنين الأمازيغيين الذين لا يعرفون العربية أو يتقنونها بالتحدث بها داخل المؤسسات، ويحرمونهم من حقوقهم عندما كون ذلك متعذرا.."، (أحمد عصيد، سياسة تدبير الشأن الأمازيغي 2009، ص.143).

بجانب هذه المطالب العامة، عملت باقي مكونات الحركة الأمازيغية الأخرى على تدقيق وتشخيص وضعية الأمازيغية في قطاعات العدالة، و من الأمثلة البارزة في هذا المجال مرافعة الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، التي أشرنا إليها أعلاه، بعنوان" مذكرة تروم رفع كافة أشكال التمييز ضد الأمازيغ و الأمازيغية بقطاعات العدالة بالمغرب".

إن إشارتنا لهذه المذكرة وحدها لا يعني إقصاء باقي جهود مكونات الحركة الأمازيغية الأخرى في مجال المساهمة في إصلاح القضاء. وإنما لفت انتباه المساهمين في النقاش الدائر حول إصلاح القضاء على أن الإشكاليات التي تخترق العدالة بالمغرب تهم الحركة الأمازيغية وكل الفاعلين في الحقل الحقوقي والسياسي والمدني المغربي بالقدر الذي تهم كذلك واضعي "مذكرة المنظمات الحقوقية والمدنية حول إصلاح القضاء" مما يفرض العمل على إضافة عناصر تشخيص وضعية الأمازيغية بقطاع العدالة التي قامت مكونات الحركة الأمازيغية بتدقيقها إلى مضمون تلك المذكرة وتخصيص فصل خاص لها، ووضع توصيات تروم إدماج الأمازيغية في مختلف قطاعات العدالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟