الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوضوح شديد الاعلام العربي...سلوك النعامةإإإ

احمد ثامر جهاد

2004 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن الأعلام العربي ( المرئي والمسموع والمقروء ) لا يريد أن يرى من الواقع إلا الجزء الذي يرغب هو برؤيته ، شأنه بذلك شأن أجدادنا الأوائل الذين كانوا عندما يرسمون ثورا جريحا يُعبرون من خلاله عن لذة اصطياد ثور جريح ، على نحو المطابقة مع الواقع التمثيلي للغة حسب . فجغرافيا الهزائم العربية التي تمتد من حروبنا البائسة إلى أزماتنا الخانقة مرورا بلغو انتصاراتنا الكاذبة وأوهامنا القومية عن مقارعة الأجنبي المحتل أينما وطئت قدمه ارض العرب المقدسة ، التي لم يدنسها من قبل أحد ، باتت تضغط بشدة على وجداننا العربي بحثا عن مقاومة تذكر ضد مصالح الغرب ، وان تطلب الأمر افتعالها بالصور فقط ، طالما إن واقع الحال العربي افدح انكسارا وتشتتا من أي وقت مضى .
فأي متابع لأطروحات الإعلام العربي يدرك معنى حالة الشد المتواصل بين طرفي المعادلة الأساسين : الحكومات والجماهير ، بوسعه اليوم أن يفرز دوافع الانشغال الإعلامي بهذا الحدث أو ذاك وفقا لتوتر هذه المعادلة ودلالاتها ، حيث إن التخاذل عن تحقيق الآمال والطموحات على ارض الواقع يقابله سعي مزيف لبطولات إعلامية كاذبة تصرف اهتمام الناس عن حقيقة ما يجري .
لقد كشفت الأزمة العراقية الأخيرة حقيقة أوهام السياسة العربية المصدرة عبر أوهام الأعلام العربي ، فاضحة بذلك آلياته والدوافع المتحكمة به بشكل ساطع . هكذا ببساطة شديدة تملص الإعلام العربي الصاخب ومن يقف وراءه عن إدانة جرائم نظام صدام المعروفة للجميع منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى انهياره ، وقدم رجالاته دعما مهولا بالاتجاه المعاكس لكي لا يصطدم بالمحرمات العربية التي يعدُ توجيه أصابع الاتهام لإدانة نظام عربي بعينه اشدها فاعلية . فيما كان الموضوع الأخطر متمثلا في أن الإعلام العربي الذي تدّعي بعض أطرافه الاستقلالية المهنية ، بالغ في تزييف الحقيقة المرة حينما اجتهد متطوعا لتجمّيل ابشع الدكتاتوريات مضفيا عليها ارفع صفات الشجاعة والنزاهة القومية . وكلنا يعرف كيف تفاقمت هذه الصورة المؤسية خلال حرب الخليج الثانية التي ساهمت بجدارة في تعزيز عزلة العراقيين عن جيرانهم العرب ، وأصبحت الصورة الفاسدة بحد ذاتها جزءا أساسيا من أزمة المواطن العراقي وخيباته المتواصلة في العثور على نصير صادق لمعاناته المريرة مع النظام السابق . لذلك لم يعد الإنسان العراقي مستغربا ولا متفاجئا مما يجري حوله وبأسمه ، وما عاد يعلق أية آمال مجدية في صحوة عربية قادرة على وقف نزيفه واعادة الثقة بنفسه وبالعالم من حوله .
ولنا أن نتساءل : هل يدرك الإعلاميون العرب عبر قنواتهم ومحطاتهم وفضائياتهم البراقة إن سخافات ضيوفهم من خبراء وأكاديميين هي اليوم موضع تندر لدى الشارع العراقي ومحط سخرية دائمة ؟ وهل تعلم الحكومات العربية أنها بسلوكها المخاتل هذا تتقاعس عن تأدية دورها المفترض وتتعامى عن رؤية حقيقة ما يجري على الأرض وتخسر في الوقت نفسه الوجدان العراقي الذي اصبح متذمرا وساخطا على كل من يدافع عن جلاده باسم العروبة ؟
من المؤكد أن الحكومات ليست غافلة عن ذلك ، لكن من أين تتأتى لها الجرأة على البوح أمام شعوبها بمغزى الزلزال العراقي ، خاصة وأنها النفر المعزول جماهيريا الذي يرعبه تعالى الأصوات المطالبة بتغيير الحاضرة العربية نحو حال افضل من الحرية والديمقراطية .
وحتى الساعة وبعد تشكيل حكومة عراقية انتقالية تحاول الإبحار بالملف العراقي صوب بر الأمان والاستقرار ، مازال العناد الأحمق لبعض المحللين الإعلاميين مستمرا . ففي إحدى حلقات برنامج ( نقطة حوار ) الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية BBC ويقدمه الإعلامي المصري حسام السكري الذي يحظى بشعبية واسعة ، اعتبر أحد المحللين المصريين إن عمليات تفجير أنابيب النفط وما شاكلها تعد عمليات حكيمة تعرقل استفادة الجانب الأمريكي من الثروات العراقية بطريقة قد تدفع الأمريكيين للتفكير بالرحيل مبكرا عن ارض العراق !!
ويقول أيضا إن العراقيين عندما يلعنون ماضيهم مع نظام صدام يُذكروننا بتباكي اليهود على ضحايا مجازر الهولوكوست !! . ويذهب متحدث آخر إلى التشكيك بوجود قدرات فعلية لجماعات النظام السابق باستطاعتها تفجير مبنى الأمم المتحدة ، إنما الولايات المتحدة هي من يقف وراء ذلك 100% . فيما يعتبر ضيف آخر إن هذا التفجير عملية حكيمة جدا ، لأنه سيجعل عشرات الدول تفكر مليا قبل الشروع بإرسال قوات حفظ سلام إلى العراق ، وان أمريكا هي المستفيد الوحيد من هذا الوضع منذ تفجير السفارة الأردنية حيث سحبت اغلب المنظمات الدولية أعضاءها من العراق إلى العاصمة الأردنية .
إن إعلاما من هذا النوع يعجز عن رؤية الوقائع كما هي ، لا سبيل لتسويق بضاعته من دون استخدام المنظار الأيديولوجي الذي يحبذ انتقاء ما يوافق رؤيته حسب معايير ومصالح وميول محددة ترى ما تريد أن تراه ، فيما يتناسى هو عن قصد حقيقة إن الإعلام الحر في دول العالم كلها هو الممارسة المهنية التي تتأسس على الشفافية والتعددية وتسمح بالتدفق الحر للمعلومات بعيدا عن الإثارة الرخيصة وتجيش العواطف واستفزاز الغرائز لمجرد التأثير المجاني السريع بالمتلقي .
علينا أن لا ننسى درسا فلسفيا أوليا تعلمناه ، يفيد : بأن الواقع قائم بالضرورة خارج وعينا وان تحاشينا الحديث عنه . أما النعامة فهي وحدها من يعتقد أن بوسعها تجنب الأخطار ( الواقعية ) إذا ما أحكمت دفن رأسها عميقا في التراب !!!
الآن بماذا يذكركم الإعلام العربي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -