الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعر أدونيس.. البنية والدلالة

عبدالرحمن حلاق

2009 / 9 / 16
الادب والفن


راوية يحياوي تتناول المنتج بالدرس والتحليل
تتناول الناقدة راوية يحياوي المنتج الشعري الأدونيسي بالدرس والتحليل، وذلك من خلال الاشتغال على بنية اللغة الشعرية عبر مستويات ثلاثة، تتأطر في (لغة الغياب- الثنائيات الضدية- المعجم الشعري) وكذلك من خلال الاشتغال على بنية الصورة الشعرية عبر مستويات ثلاثة أيضاً (التكثيف- التفاعل النصي- الرمز والأسطورة) وفي الفصل الثالث تشتغل الناقدة على بنية الإيقاع الشعري (الوزن القافية التكرار والتدوير) وعلى هندسة القصيدة. وكل ذلك ضمن مشروع نقدي مهم يتناول التجربة الأدونيسية بمنهجية علمية واضحة. ولأن الكتاب يتجاوز الثلاثمئة وخمسين صفحة، فقد آثرت التوقف عند ملمح واحد من ملامح هذه المنهجية، من خلال ما تناولته في بنية اللغة الشعرية، وخصوصاً تفصيلاتها الدقيقة حول لغة الغياب.

تقرر الناقدة بداية أن أدونيس يبني تنظيراته الشعرية على حداثة اللغة الشعرية التي تنبني على أن الشعر ليس تعبيراً بل تأسيساً.
وأسس لهذا وفق فكر مغاير لشعراء الحداثة، لأن روافد ومرجعيات أدونيس مغايرة، وهي متشابكة بين الصوفية والسريالية وفكر فلسفي يعتمد النقد الدائم والبحث المستمر. واللغة عنده لاتنسخ الواقع ولا تصنف بلاغياً، إنها خالقة لممارسات نصية متنوعة، وهي لغة ابتعدت عن وعي الأشياء، ووعت الحضور الإنساني وتجربته الإنسانية، لذا استعار في أدواته الشعرية أدوات اللغة الصوفية، لأنها تحوي أبعاداً شمولية.
وتتابع الناقدة الجزائرية رؤيتها للمنجز الأدونيسي قائلة إن اعتماد اللغة الشعرية وفق هذه الرؤية يقوم على الابتكار، ويلغي تماماً نظرية الانعكاس، ومع ابتعادها عن التعبيرية ووصف الأشياء تمارس اللغة الشعرية الخفاءَ والإضمار وهذا هو سرها.
فقد تجاوزت اللغة الأدونيسية التعبير إلى الخلق. ولهذا يركز أدونيس تنظيراته في حداثة اللغة الشعرية على تفجيرها الذي يتجاوز مفهوم الانزياح، ويوضح أدونيس في «زمن الشعر» مفهومه لهذه الثورة اللغوية بالقول بأن هذه الثورة تكمن «في تهديم وظيفة اللغة القديمة، أي إفراغها من القصد العام الموروث، هكذا تصبح الكلمة فعلاً لاماضيَ لها، تصبح كتلة تشع بعلاقات غير مألوفة».
وقد ركز أدونيس على وظيفة اللغة الشعرية المتمثلة في الإيحاء، مع التميز بالغموض لخلخلة القارئ، ودفعه إلى أن يكون قارئاً من الدرجة الأولى، يتسلح بمرجعيات تقدر على وعي أدق جزئيات نسيج النص المقدم له وفق مراوغات مبتكرة. وترى الناقدة راوية يحياوي في هذه العناصر أرضية لما يسميه كمال أبو ديب «لغة الغياب» هذه اللغة التي «تمس المرئي عن بعد بلمسات رقيقة وتغيبه بطرق مختلفة «ثم تحاول الناقدة حصر عناصر لغة الغياب. فهي لغة
1- تأتي من ممارسات نصية تراوغ القارئ وتقيم معه التأثير والتأثر في تفاعل متبادل، ويكون النص هو الطرف الأقوى لأن النسق الذي يبني ذلك النص لا يمرر على القارئ مدلولات واضحة، لذا فعليه أن يتسلح بحيل القراءة كملء الفراغات الدلالية ومناقشة ما لا يقوله النص.
2- تختلف لغة الغياب عن مظاهر الانزياح لأن هذا الأخير يمثل طريقة تنتهجها لغة الغياب بين العديد من الطرق، ومن بين تجليات لغة الغياب في نسيج نصوص أدونيس نجد استبدال غير المألوف مكان المألوف، وذا مظهر من مظاهر الانزياح.
3- نزعت لغة الغياب الدلالات للكلمات وأضفت معاني جديدة عليها، وهي لا تستحضر الحدث ولا ترصده في وجوده الفعلي، بل تزيحه ثم تنتج حوله دلالات جديدة.
4- كما تمثلت لغة الغياب في ظاهرة تكثيف الأفعال في بعض المقاطع، مع أن الصورة تقوم على توظيف الوصف وتكثيف النعوت لتجسيد المعاني أكثر بتقديم التشبيه والتقريب، إلا أنها تغيب مع وظائف الفعال التي تؤدي مهام جديدة إلا تقريب الأشياء إلى الذهن.
5- وتتجلى لغة الغياب في انزياح دلالة اللون في شعر أدونيس، فاللون في شعر «الرؤيا» تخطى الدلالة اللونية المعجمية، وأعاد التشفير اللغوي عن طريق تجاوز الدلالات الحسية الأولى. انزاح من لغة الرؤية البصرية على لغة «الرؤيا» لأنه ينقل العالم الباطني بدلالاته الميتافيزيقية، وكي نصل إلى بعض معانيه علينا استقبال دلالته في تفاعلها مع التراكيب بلعبة الفروض الذهنية لأن جوهر الشعر كما يقرر صلاح فضل «قائم على عكس القيم الواقعية، إنه يبدل هرمونيا الواقع بهرمونيا إبداعية، ونجد حقيقة خاصة وراء وقائع العالم...».
6- وتتمثل لغة الغياب في البياض الدلالي الذي يسطره النص داخل جسده بتعبير بارع خاصة أنه يمارس التجلي والخفاء. ويلجأ الشاعر إلى هذا بدوافع متنوعة، ودور القارئ الفعال يكمن في استحضار المدلول الغائب عبر تنشيط ملكة ملء البياض النصي.
7- ومن الطرق الأخرى التي تبدع لغة الغياب تفجير الجملة الشعرية بتراكم مكوناتها، كأن نجد الفاعل متعدداً في أغلب الأحيان، وكذا الصفة والحال وشبه الجملة والمفعول إلخ...فمع كل تضخيم للجملة تتراكم الانزياحات، وفي ذلك التراكم يبحث القارئ عن علاقة في الصور المغيبة ويقترب من الدلالة.
إن تغييب الدلالة عند أدونيس، وتكوّن لغة الغياب تعتمد أيضاً على اصطناع دلالات جديدة لم تعهدها المفردات، وبتعبير آخر إسقاط مدلولات على دالات وشحنها بمدلولات جديدة تفاجئ القارئ وتبعثه إلى البحث بدل الكسل الإبلاغي. لقد اشتغل أدونيس في مشروعه التأسيسي لشعرية القصيدة العربية كمساهمة تثري العمل الإبداعي في اللغة الشعرية «محاولاً خلق بدائل تخرج الذوق من الاجترار والتعامل مع لغة «صمّاء» تتحرك وفق آلياتها البسيطة. وقد عمل على تغيير لغة التعبير بلغة الخلق التي تعيد خلق الأشياء وفق رؤية خاصة متشبعة بخلفيات متنوعة المشارب... وقدم خصائصها التي ترتكز على الإيحاء والإشارة والغموض».
لقد آثرت في هذا العرض
ألا أنقل أياً من النماذج التطبيقية التي اعتمدت عليها الناقدة في البرهنة على ما ذهبت إليه، محاولة مني في وضع القارئ ضمن حالة من التشوق لمطالعة هذا الكتاب الجدير بالاهتمام، ولذلك توقفت عند لغة الغياب فقط كون هذا الجزء يمثل نموذجاً تحليلياً لما اتبعته الناقدة في هذا الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل