الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى اليسار اللبناني... إقتراحات

عبد القادر الحوت

2009 / 9 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تتخبط الحركات اليسارية في لبنان، منذ نشأتها، لا في الصراع مع النظام الطائفي و أحزابه، و لا مع صراعاتها الداخلية فحسب، بل مع تحديد برنامجها الوطني.
لا تختلف الأحزاب اليسارية عن بنات عمّها الطائفية في إنعدام أي مشروع سياسي تفصيلي و الإكتفاء بالشعارات العمومية و الصالحة لكلّ زمان و مكان!
فمحاربة الفساد مثلا، شعارٌ عالمي، عابر للحدود و الأزمنة، و يستطيع أي حزب من اليمين المتطرف إلى أكثر التكفيريين تطرفـًا، أن يرفعوا هذا الشعار و ينادوا به...

ربما ما يميّز، أو من المفترض أن يميّز، الأحزاب اليسارية اللبنانية عن غيرها، هي في رفضها للطائفية و دعوتها للعلمانية، بما أن الاشتراكية تنادي بذلك.
و لكن في بلد العجائب، يتجلّى لدينا أن حزبنا الاشتراكيّ الوحيد، هو الحزب الأكثر طائفية من بين كل الأحزاب اللبنانية (بما فيها اليمين المتطرف)!

بعد النكسات المتكررة الانتخابية للأحزاب اليسارية العلمانية، و عدم قدرتها على إيصال أي نائب من دون إسترزاق مقعد من الأحزاب الطائفية، حان الوقت الآن (في الواقع، الوقت قد حان منذ زمنٍ طويل) لليسار اللبناني أن يستعيد حيويته و نشاطاته و وحدته، لكي يشكّل طرفًا قادرًا و مؤثرًا سياسيًا من أجل إعطاء المواطنين حقوقهم. و من هذا المنطلق، أقترح بضعة نقاط على هذا اليسار و أبرزها:

1 – تحديد بشكل واضح و مفهوم رؤيتها و طروحاتها السياسية. يعني ذلك أن تطرح مشروعًا سياسيًا مفصلاً، لا يقتصر فقط على الرؤى الإستراتيجية البعيدة الأمد أو على المفاهيم الإنسانية العامة، بل يشرح بشكلٍ تفصيلي مشروعها في المسائل "الصغيرة" التي تقتصر على لبنان فحسب: الكهرباء و الطاقة، نظام السير، الضرائب، المعاشات و الحد الأدنى للأجور، التعديلات الدستورية، الخ..

2 – شرح مفهوم العلمانية و اليسارية التي تنادي بها. ماذا يعني اليسار عند الحزب الشيوعي؟ و بماذا يختلف عن حركة الشعب مثلا؟
ما المطروح؟ هل هو إشتراكية على النمط السوفياتي، أو إشتراكية تقدمية على نمط اليسار الأوروبي؟ ينبغي لليسار في لبنان أن يشرح لنا معنى اليسار، إقتصاديًا، إجتماعيًا و سياسيًا.
ماذا يعني أيضا مفهوم العلمانية عند اليسار؟ هل تقتصر على إلغاء التقسيم الطائفي لمجلس النواب كما تنادي به الأحزاب الطائفية الإسلامية؟ أو يرمي أيضًا إلى إلغائه من جميع مؤسسات الدولة و الجيش و المدارس و الإدارات الرسمية؟
و إلى أيّ مدى تصل العلمانية المطروحة؟ هل يكفي زواج مدني إختياري أو يجب مساواة جميع المواطنين بقانون موحّد؟ هل يجب على الدولة وقف توظيف و دفع مرتبات لرجال الدين أو لا؟

3 – لا يكفي فقط تحديد هذه المفاهيم في المنشورات السياسية، بل ويجب التقيّد بها في التطبيق.
مثلا، لا يجب أن يتحالف اليسار العلماني مع الأحزاب الطائفية أو اليمينية. هذا لا يعني الانعزال اليساري و قطع العلاقة تمامًا مع باقي الأحزاب و تقويض كل ما تقوم به، بل يعني أن التحالف الاستراتيجي لا يجب أن يكون إلا على مبادئ و مشروع مشترك (و أساس المشروع هو العلمانية)... و يعني أيضا العمل مع الأحزاب الطائفية في نقاط محددة و محصورة حيث التلاقي. مثلا إذا إقترح أحد الأحزاب الطائفية أن يرفع الحد الأدنى للأجور، تقتضي مصلحة الوطن و المواطن أن يتعاون اليسار العلماني في هذه النقطة.

4 – الثبات في المواقف و عدم التراجع إزاء الضغوطات و التهديدات المالية، الدينية و السياسية. أيّ، لا يكفي النضال اليساري بين الانتخابات و إنعدامه خلالها عبر التحالف مع أحزاب طائفية طمعًا بمقعد نيابي (اليسار الديمقراطي مثلاً).
إذا كان اليسار العلماني لا يستطيع أن يوصل نائبًا إلى المجلس، يجب البحث و العمل على الحصول على ثقة المواطن في المرّة التالية، لا عبر اللهث وراء السيّد و الشيخ.
ذلك ليس فقط من أجل المصداقية الذاتية، بل من أجل حفظ أصوات الناخبين و الأمانة التي أوكلت للمرشّح. فلا يستطيع أي حزب يساري علماني فاز بأصوات طائفية أن ينفّذ مشروعه الانتخابي أو يحذو من أجله، لأنّ الصوت الطائفي الذي أوصله، سيقصيه في الانتخابات التالية...

5 – أخيرا، يجب على الأحزاب المتناثرة يسارًا، أن تتحد في تحالف يساريّ علمانيً موسّع، يجمع طاقاتها جميعًا حول مشروع يساريّ موحدّ تقدّمه للمواطنين.
قد يكون الإتحاد في حزبٍّ يساريّ كبير و جديد حلاّ مثاليّا للتفتت الحالي، تكون نواته الأساسية هي الحزب الشيوعي. و لكن إذا تعذّر ذلك، فلا خيار آخر سوى التحالف المتين حول الحزب اليساري الأكبر، أيّ الحزب الشيوعي أيضًا. طبعا هذا لا يفترض الذوبان في هذا الحزب، بل العمل يسارًا، إستنادًا لهذا البناء التاريخي.

إذا ما قُدّر للأحزاب اليسارية العلمانية أن تعيد بناءها إعتمادًا على أسس ثابتة، بصدقٍ و رغبة جدّية في خدمة المواطنين و الوصول إلى السلطة للتغيير (و ليس فقط المعارضة من أجل لذّة التعارض)، فإننا _كمواطنين_ سنستعيد بعضًا من الأمل في بناء بلدٍ نظيف من الطائفية و الفساد، و في قادةٍ في خدمة شعبهم و ليس العكس!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينية تشاهد قوات الاحتلال تهدم مساكن عائلتها بوادي الخليل


.. نازحة فلسطينية تتكفل بطفل فقد والديه في قصف إسرائيلي جنوب قط




.. من زورق لخفر السواحل الجيبوتي.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع ف


.. معاناة نساء غزة بسبب الحرب




.. منديل أول اتفاق لنادي برشلونة لضم ميسي في مزاد علني بأكثر من