الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهرة أربعاء الرماد وتوزيع العطايا!

جاسم الحلفي

2009 / 9 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سرني دعوة منظمات المجتمع المدني للتظاهر، كل أربعاء، في منطقة معينة من بغداد، وبفعالية متميزة، لا يتكرر فيها المكان، كما أنها لا تكرر نوع النشاط، بل تواظب على تأكيد هدفها الرئيسي والمباشر المتمثل باستنكار التفجيرات التي نفذها الإرهابيون، وتوجه من خلال ذلك رسالة واضحة ومحددة وبسيطة ومترابطة تتلخص في الشعار العتيد: (لا للإرهاب ... نعم للحياة). ويبدو ان هذه المنظمات وضعت أهدفا أخرى، وان بدت ثانوية لكنها تنسجم مع الهدف الرئيسي، ولا تشتت الانتباه عن الرسالة، بل تضيف إليها مضامين عميقة. فتنمية حق الإنسان في الحياة والعيش الكريم، تبدأ بترسيخ الوعي برفض الجرائم وإدانة منفذيها، وفضح كل من يعمل على استثمارها للصراع على النفوذ والجاه والسلطة. كما ان هدف مشاركة المواطن في الشأن العام وتشجيعه كي يقول كلمته بما يجري، وتدريبه على أساليب متنوعة وجذابة للتعبير، هو هدف مهم أيضا، فضلا عن التضامن مع ذوي الضحايا، والمطالبة بإنصافهم وتقديم كل العون والدعم لهم.

وجدتُ الدعوة مغرية، لذا وصلتُ الى موعد الفعالية قبل بدأ التجمع، خاصة وإنها تنطلق من ساحة الشهيد عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد العزيزة على قلبي، حيث عملت هناك، أيام صباي، شغيلا لسنوات. وبطبيعة الحال لا يمكن للفعالية ان تعرّف بنفسها منذ لحظاتها الأولى، ولكون المنطقة شعبية ومكتظة بالباعة المتجولين، والشغيلة من أبناء المناطق الفقيرة في بغداد، لذا فمن المتوقع حدوث مفارقة ما:

سألني احدهم وهو فتى: ( عمو، شراح يوزعون ؟). لم استغرب من هكذا سؤال، حتى وان جاء عند تمثال من لم يحض بقبر في العراق الذي عشقه، هذا الزعيم الذي نزف دما في هذه الساحة!. لم يكن السؤال غريبا ،اذ رحلت الدكتاتورية والحروب، لكن آثارهما ستبقى الى أمد غير قصير. انها لم تكتف بتمزيق نسيج المجتمع، بل انها أثرت سليا على قيمه، بهذا الشكل او ذاك .

لم استغرب سؤال الفتى، وفي نفس الوقت لم استغرب من جوابه عندما قال: (شأسوي باقي)، ردا على سؤالي عن أهمية الموقف في البقاء معنا؟ هذا النمط من الأسئلة والأجوبة، التي كما يبدو انها سوف لن تفارق وضعنا الحالي سريعا، لذا رجوت الفتى ان يبقى لبضع دقائق كي يرى ماذا سيوزعون. وما ان أنهيت كلامي حتى بدأت إحدى الناشطات تهتف برسالتها: ( لا للإرهاب... نعم للحياة)، فقلت للفتى: خذ ما تشاء من هذا الذي يوزعونه فرد عليّ: ( حجي! )، عندها قلت له: ( مو بس حجي)، كنت اعني انه الفعل. وفي اللحظة ذاتها وزعوا علينا صفارات، عندها رد الفتى باستهزاء: ( شنو صفارات!). قلت له: الم اقل لك ( مو بس حجي).
غادرتنا الدكتاتورية .. لكن متى تغادرنا النفعية والأنانية والفساد وشراء الذمم وبيع الضمير. بالأمس سمعت ان احد الأحزاب بدأ بتوزيع المبردات، وليس شيئا آخر، عمولة مسبقة لشراء الأصوات!.
بعد ان أطلقنا، معا، صفارات الإنذار، انطلقت المظاهرة من شارع الرشيد صوب ساحة الفردوس عبر شارع الكفاح مرورا بالصدرية. وسار الفتى معنا، الفضول وحده دفعة ليرى نهاية هذا الصفير. فلا أظن ان أجوبتي هي التي أثرت فيه، وربما سار معنا طمعا بجمع الصفارات!. دوت حناجرنا هتافا ضد الوضع المزري لمحلة الصدرية، التي ظلت محرومة من الخدمات، ولم يفكر احد بتعويض ضحاياها، حالها حال مثيلاتها من مدن العراق!.

ما ان خفت نبرة الهتاف حتى فوجئت بالفتى يصيح متأثرا، بصوت اقرب للبكاء أدهش الجميع: (شغل ماكو، ماي ماكو، كهرباء ماكو، نظافة ماكو.... شنو اكو: اعرف شنو اكو يا حكومة، اكو تفجيرات ، اكو فساد، اكو شعب ساكت عليكم).

اقتربت منه بعد انتهاء هتافاته ورددت ما قاله سابقا: ( عمو: شراح يوزعون)، ضحك الفتى وقال : (عمو... انتم تريدون الحياة، ليش اكو احسن منها!)











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال