الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«بويا عمر» مجرد سجن لا علاقة له بعلاج المرضى النفسيين والعقليين

حياة البدري

2009 / 9 / 17
مقابلات و حوارات


الدكتور عبد الله زوزيو في حوار مـــــع « حياة البدري»

الغلاء والاكتظاظ والكريدي
عوامل تؤدي إلى قلق المغاربة



لم نعد نرى الابتسامة الحقيقية كما كانت في عهد آبائنا وأجدادنا، تلك الابتسامة التي كانت لاتفارق أي ثغر وتلك الضحكة المجلجلة التي يهتز معها الجسد كله، فينفث ما بداخله من سموم وهموم، وحل محل تلك الابتسامة، القلق والحزن والغضب والتوتر وكل أنواع الانفعال.. هذه الحالات التي أصبحت معها نفس الإنسان عليلة، تتناوب عليها العديد من الحالات النفسية... فما السبب في ازدياد وتيرة هذا القلق الذي أصبح سمة عامة لمجتمعنا كله تقريبا؟ وهل هناك حلول لظاهرة العدوانية التي باتت تنخر الجسد المغربي وتجعله فضاء للجريمة والانتحار؟ هذا ماسنراه مع طبيب الأمراض العقلية والنفسية والمحلل النفسي عبد الله زوزيو.


قلق، حزن، غضب، توتر، كآبة، حالات أصبحت تطفو على السطح بشكل كبير في مجتمعنا فما القاسم المشترك بين هذه الحالات؟
القلق والكآبة «كلينيكيا» يجب اعتبارهما عمليا حالات مرضية، فالكآبة تؤدي إلى الاكتئاب، والقلق غريزة طبيعية في الإنسان، ليس ضروريا معالجته بالأدوية، ذلك أن كل شخص له قلقه الخاص به، فالمبدع عنده قلق والتلميذ الممتحن أيضا... لكن عندما تزيد حدته وقدرته وتؤدي إلى التوتر، يصبح حالة مرضية. والحزن له علاقة بالكآبة، وهو علامة من علامات مرض الاكتئاب، أما الغضب، فيمكن وصفه مثل الانفعال أو جواب من إنسان انفعالي يتوفر على درجة عالية من الانفعالية، وهو سلوك له أيضا درجات إذا ازدادت حدته أصبح عنفا.
فإذا زادت هذه الحالات عن حدودها ولم يتم تشخيصها مبكرا تؤدي إلى مرض العصر «الاكتئاب»، وقد تؤدي إلى الانتحار الذي يوجد بكثرة بمجتمعنا ولا يزال في واقعنا طابو! ولايتم الحديث عنه ويتم تغليفه بسبب آخر، فكم من شخص توفي منتحرا وتمت تغطية انتحاره على أنه سقط في بئر أوغرق .


وماهي أسبابها ودوافعها؟
فيما يخص الأسباب التي تؤدي إلى بروز هذه الحالات المرضية بشكل كبير، فتعود إلى عدة عوامل أهمها: أسباب اجتماعية، اقتصادية، نفسية، تربوية، تسويقية، فهناك من يفشل في عمله أو يفقده أو يرسب في الامتحان أو من يفشل في قصة عاطفية وعائلية، وهناك من يتعرض للإفلاس وللضغوط المادية، وهناك عوامل تربوية، حيث نجد العديد من الآباء بمجتمعنا يحذفون كلمة «لا» من أفواههم تجاه أبنائهم ويحققون لهم أشياء تكون فوق قدراتهم... ولما يصل هذا الطفل سن المراهقة لايتقبلون «لا» الخاصة به، الشيء الذي يولد له الاضطراب والغضب الذي يتحول في بعض الأحيان إلى عنف مرضي.
وهناك أيضا عامل مرتبط بالتسويق، حيث تتأخر الأدوية التي يتبعها العديد من المرضى، وهذا يسبب أيضا في ظهور هذه السلوكات التي قد تتطور نتيجة انقطاع الأدوية من الأسواق وتأخرها على المريض.


لماذا أصبحت نسبة القلق في تزايد مستمر والكل تقريبا بات يشكو من أعراضه؟
في نظري، هناك عاملان أفرزا هذا القلق المعمم، العامل الأول يكمن في التغير السريع الواقع بمجتمعنا الذي كانت نسبة سكان المدن فيه تتمثل في 18 % والآن أصبحت %60 في مايسمى بالمدن. فهذا التغير الاقتصادي، وخصوصا الاجتماعي أدى إلى العديد من هذه التغيرات الكبيرة التي عرفها المجتمع المغربي، إضافة إلى الدور الذي تساهم فيه مختبرات الأدوية. فرغم التجارة الكبيرة التي تمارسها، فهي لاتلبي حاجيات المرضى من بعض الأدوية، ولا داع لذكر هذا الدواء الذي يتناوله الناس بشكل كبير وينقطع لمدة أسبوع أو أكثر بعدما يكون المرضى قد أصبحوا مدمنين عليه، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب.


ولماذا تزداد هذه الحالات في شهر رمضان؟
الإشكال لا علاقة له بشهر رمضان، بل يرجع بالدرجة الأولى إلى عوامل كثيرة أهمها قلة النوم، والنوم وسيلة من وسائل التعذيب، فهناك من الناس من لا ينام إلا ساعات جد قليلة طيلة هذا الشهر كاملا، وهذا عامل خطير في بروزالغضب، إضافة إلى نوعية التغذية التي تكثر فيها السكريات والدهنيات، الشيء الذي يخلق عدم التوازن، إضافة إلى الاكتظاظ الناتج عن قلة التنظيم، حيث الكل يخرج دفعة واحدة، فتمتلئ الطرقات وتحدث أزمة في النقل عامة، إضافة إلى هذا، هناك المدخن الذي يصبح مدمنا طيلة اليوم، ويعد هذا الشهر كبداية لحل مشكل الإدمان، مع ضرورة الانتباه إلى تغذية الأطفال بهذا الشهر، حيث يقدم لهم فقط ماتبقى من الطعام! ويتعرضون لسوء التغذية.
وماذا عن ارتفاع الأثمنة وغلاء المعيشة ألا يعدان من بين عوامل الغضب؟
فعلا، هذه العوامل الاقتصادية تؤدي بشكل كبير إلى ظهور التوترات، لذا يجب أن تكون هناك محاسبة ومتابعة ومراقبة وديمقراطية ويجب أن تكون هناك خطة شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل شيء.


هل يمكن أن يكون الغضب عاملا في انتشار الجريمة؟
ليس الغضب العادي، بل ذلك الغضب الذي يتحول إلى عنف والذي يكون عند المنحرف أو المدمن على المخدرات، هو الذي يتحول عنده الغضب إلى جريمة. فالحدث الذي سمعنا عنه في الشهور الأخيرة كحدث الرباط، فاس... وهنا أفتح قوسا وأقول أن بعض وسائل الإعلام تنشر التفاصيل الشخصية قبل صدور الحكم في هذه الحالات، فيظهر في نهاية المطاف أن مرتكب الجريمة كان يتعالج بمصحة عقلية. وللأسف سواء بالنسبة للحادثة التي وقعت بالرباط أو فاس لم أجد ولو موضوعا تناول كم عدد الأَسِرة بمستشفيات الرباط وفاس خاصة بهؤلاء المرضى؟ وكم عدد الأطباء النفسيين والعقليين مخصصين لهم؟ فهذا هو صلب الموضوع وليس نشر التفاصيل الخاصة بهؤلاء.
من جهة أخرى، هناك خلط بين المنحرف العنيف وبين المريض العقلي، في حين تتطلب هذه الوقائع إجراء الخبرة للبث في هذه الحالات، وهنا نسقط في إشكال عميق، ولقد كان هناك نقاش طويل حول عقوبة المرض العقلي والنفسي. ففيما يخص الجريمة والمرض النفسي بالولايات المتحدة الأمريكية، ينفذ حكم الإعدام في حق المريض النفسي وإن كان أقل من 16 سنة ومريضا عقليا! تصوري، هذه البلاد التي تدعو إلى حقوق الإنسان لاتعترف بالمريض النفسي/القاصر والمريض العقلي، وتنفذ فيه عقوبة الإعدام!! و يبقى هنا النقاش مطروحا..
يجب أن نكون حريصين على عدم إعطاء التفاصيل كلها حول هذه الشخصيات، فلهم محيط وأقارب وعائلة، وأن نعمل على توفير إمكانيات العلاج والمختصين والتجهيزات والمصحات... فالرباط العاصمة لاتتوفر على مصحة للأمراض العقلية والنفسية، والمستشفى الوحيد موجود بسلا! وأن تكون هناك ميزانية مخصصة لهذا.
مرضى الكآبة النفسانيين عندما لايعالجون يقومون بهذه الجرائم البشعة، إذ لايمكن لمريض القلب أن يعالج إذا لم يرد ذلك. لكن المرض العقلي، فهناك ظهير1956يقضي بعلاجه.


مار أيكم في إمكانية «بويا عمر» التي تحافظ عليها الدولة كوسيلة للعلاج؟
«بويا عمر» ليس وسيلة لحل هذه المشاكل، بل هو مجرد سجن خاص يؤدي فيه الناس الذين لايتوفرون على إمكانيات وأَسِرة بالمستشفيات العقلية والنفسية ثمن سجن أبنائهم وأفراد عائلاتهم، إنه مجرد سجن.
كما أن هناك مرضى عقليين موجودين بالسجون! كيف يصلون إلى السجون؟ فلما يصبح المريض عنيفا يكسرالتلفزة مثلا أو يضرب، تذهب عائلته لتطلب من السلطات علاجه. العاملون «بالكومساريات» يعرفون أن هذا المريض سيعود في وجههم، لأنهم يعرفون أن جناح 36 مملوء، فيسجلون ضده محضر اعتداء على الأصول، ويزج به في السجن ويزداد مرضا، وقد يقوم بجريمة داخل السجن بدل الذهاب للعلاج، فهناك العديد من المغاربة يحرمون من حريتهم ويذهبون إلى السجون وإلى «بويا عمر» و«عين عتيق».


إذن، في نظركم هؤلاء أبرياء؟
لا يمكننا التعميم، فهناك الجريمة التي يقوم بها المنحرف المدمن متعاطي المخدرات والخمر، وهناك جرائم ترتكب من طرف مرضى عقلانيين، القضاء هو الوحيد الذي يستطيع أن يبت في كونه مجرما أو مريضا، يجب أن يذهب إلى المصحات للعلاج، ومن جهة أخرى، المريض العقلي المصاب الذي يسمع أصوات ويرتكب جريمة وهو غير واع بهذا، وهنا طبعا الخبرة هي التي تمكن القاضي من كونه واعيا بفعلته أو لا، كما لاننكر أن هناك أسر ذات إمكانيات تبرئ أبناءها المرتكبين لجرائم!
كيف تفسرون حالة الأب الذي قتل ابنتيه مؤخرا بفاس؟
وقع التركيز في هذه الحالة على مسائل ثانوية وتم تغييب كونه «حدودي» وينتابه الهذيان ... فالبرودة التي نفذ بها الجريمة توحي بأنه مريض وكان بإمكانه العلاج. ولايمكن البت في هذا إلا بالخبرة، فقد عملت(برفع العين) بحوث بباريس ومثلت نتيجة جرائم المرضى النفسانيين فقط 1من 20 % من هذه الجرائم، كما كان هناك نقاش كبير حول المعازل بكوريا... وكانت الخلاصة على أن المرض النفسي ليس جريمة والمريض النفسي ليس مجرما، يجب عدم عزله.


في نظركم، كيف يمكن علاج هذه السلوكات (غضب، قلق، كآبة...) قبل أن تتطور إلى حالات مرضية؟
الوقاية ووضع استراتيجية شاملة لعلاج الأمراض العقلية والنفسية بهذه البلاد والتركيز على التربية، تربية الطفل على احترام ما له وما عليه، احترام الآخر والإنصات وتقبل كلمة «لا» بصدر رحب، وتعويده منذ البداية على هذه الكلمة بدلا من تحقيق كل رغباته حتى ولو كانت فوق قدرة الآباء. وتعليمه التسامح والتنازل عن مكانه للشخص الكبير مثلا بالحافلة، واحترام دوره بطابورات الانتظار وتعليمه سعة الصدر... كما يجب أن يكون التشخيص المبكر الذي يحد من تطور هذه الحالات وتفاقمها مع تركيز الضوء على مراكز الاستشفاء بالمغرب وتوفر آليات العلاج، فنحن هنا لاندعو إلى حضور علاج المرض العقلي والنفسي في كل القرارات اليومية، كما هو الحال بالولايات المتحدة ، بل فقط ندعو إلى توفير الحد الأدنى من إمكانيات وفضاءات الوقاية والعلاج للأمراض العقلية والنفسية، بدل ترك المرضى بالشوارع والسجون، فكم من مريض عقلي ونفسي يوجد في السجن بدل المصحة العقلية! وكم من أسر تدفع ثمن سجن أبنائها...

والجرائم التي وقعت بفاس والرباط يجب أن تدفعنا نحو التساؤل حول ماقد هيئناه مستقبلا للتصدي لهذه الأمراض؟ والمسؤولية هنا ترجع للجميع، للحقوقيين والجمعويين والمحاميين والقضاة والدكاترة والإعلاميين... إذ يجب التطرق لهذا ودراسة هذه الحالات بدل تحويلهم إلى مجرمين، في حين هم مرضى عقليون ونفسيون، وتسليط الأضواء حول: لماذا لاتعالج هذه الأمراض؟ وماهي الفضاءات المخصصة لها؟ ولماذا لازلنا نخجل لحدود الآن من المرض النفسي؟ ولماذ لايزال العديد من المرضى النفسانيين يطلبون شهادات المرض من الطبيب العام بدل شهادة الطبيب النفساني؟ يجب العمل على تجاوز هذا الطابو.
(*) طبيب الأمراض العقلية والنفسية ومحلل نفسي












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من