الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلل في الأنانية الفلسطينية وليس الورقة المصرية

أحمد أبو مطر

2009 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يكاد من الصعب إحصاء عدد جولات الحوار الفلسطيني التي رعتها مصر بإشراف الفريق عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري و مساعديه ، وتتابع هذه الجولات رغم فشلها الواحدة تلو الأخرى ، يدلّ على رغبة وإصرار مصريين في أن لا تترك الساحة الفلسطينية مهددة باستمرار الانقسام والتحارب ، اللذين أوقعا من الخسائر الفلسطينية ليس أقل من الخسائر على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي . كما أن الإصرار مرده إلى أن مصر وجهاز مخابراتها أدرى من كافة الدول والأجهزة العربية بنسيج المجتمع الفلسطيني في القطاع ، لكون القطاع كان يدار من قبل الإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 1967 ، وغالبية التنظيمات الفلسطينية التي نمت في القطاع بدأت بذورها الفكرية والتنظيمية في تلك المرحلة . انطلاقا من هذا الإصرار جاءت الورقة المصرية الأخيرة التي قدمت للتنظيمات الفلسطينية ، كإطار جديد للتفاوض حولها وصولا للمصالحة الفلسطينية المنشودة من الشعب الفلسطيني . وقد بدأت تتوالى ردود فعل هذه الفصائل على الورقة المصرية هذه ، دون أية إشارات إيجابية من هذه الفصائل توحي أن المصالحة ستتم والإنقسام سينتهي ، بينما أجلت حماس ردها النهائي لما بعد عطلة عيد الفطر.

بنود هذه الورقة

الملاحظ أن هذه الورقة قد حاولت تقديم إطار جمعي عام لا يعبر عن مخططات أي تنظيم فلسطيني ، بقدر ما إنها تهدف إلى أن يكون هذا الإطار مدخلا توافقيا عاما من منطلق عدم منطقية الانقسام والتقاتل في أي مجتمع ودولة ، لمجرد الخلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل الداخلية ذات الطابع الإجرائي التي لا قيمة لها ، مقابل وحدة شعب وسعيه لتحقيق طموحات وطنية يعمل من أجلها منذ ستين عاما .

الانتخابات التشريعية والرئاسية
اقترحت الورقة المصرية أن " تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في النصف الأول من العام المقبل ( 2010 ) ، على أن تكون انتخابات المجلس الوطني بالنظام النسبي الكامل ، وتكون انتخابات التشريعي بالنظام المختلط 25 في المائة نسبي ، وأن يجري تقسيم الوطن إلى 16 دائرة انتخابية 11 في الضفة و 5 في القطاع " .

ولأن كافة المنظمات الفلسطينية تنظر لما ستحققه كتنظيمات من هذه الانتخابات بما يعني مصلحتها التنظيمية أولا ، فقد توالت ردود الفعل على هذا البند من الورقة المصرية من منطلقات غير وطنية عامة في الغالب ، بقدر ما هي تنظيمية مصلحية ضيقة ، يعتقد كل تنظيم أنها ستحقق له الفوز في تلك الانتخابات . فلمجرد تسجيل موقف ولو لا معنى له ، أعلن عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح " فيما يتعلق بالانتخابات نوافق أن تجري الانتخابات كما يقول الإخوة المصريون ، ولكن بما لا يتجاوز النصف الأول من العام القادم ) . ماذا أضاف من جديد تصريح عباس زكي ، عندما تنصّ الورقة المصرية على إجراء الانتخابات ( في النصف الأول من العام المقبل ) ؟.أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فترى " في مقترح النظام الانتخابي المختلط ( 25 % دوائر و 75 % نسبي خروجا عما تم التوافق الجماعي عليه في حوار القاهرة في مارس 2009 ، وترفض عدم تحديد موعد دقيق لعقد الانتخابات ، وترى في ذلك سببا لاستمرار الانقسام ). وما يثير الغرابة والدهشة أن حركة الجهاد الإسلامي ( المنشقة سابقا عن حركة حماس ) تطالب أيضا بتحديد موعد للانتخابات رغم أنها لم تشارك في انتخابات سابقة كان متفقا عليها بين فتح وأمها الشرعية ( حماس ) .
وموقف حماس أكثر غرابة فهي ترفض الدخول في أية تفاهمات قبل إنهاء ملف معتقليها في سجون السلطة الفلسطينية ، بينما لا يهمها موضوع معتقلي فتح في سجونها أو عودة كوادر فتح الهاربين من قمعها ومطارداتها . وهكذا فكل تنظيم له أجندته المصلحية الخاصة الضيقة التي لن تؤدي لتوافق أو تفاهم على موضوع الانتخابات التسريعية والرئاسية ، لأن هناك تنظيمات مثل حماس يوافق مصلحتها مسألة تأجيل الانتخابات إذ ربما تتمكن من التمديد للمجلس التشريعي الحالي الذي لها فيه الأغلبية لمدة سنتين جديدتين ، بينما حركة فتح غير متأكدة من امكانية فوزها بأغلبية تمكنها من دحر حماس دستوريا ، وباقي الفصائل مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد ، فلا يتوفر لها قاعدة جماهيرية تمكنها من الفوز بالعدد الذي يؤهلها لأن تكون رقما داخل المجلس التشريعي ، بدليل أن الحوار الفلسطيني يجري منذ سنوات بين حركتي فتح وحماس فقط ، وباقي المنظمات والفصائل التي يزيد عددها على عشرة مجرد بيانات صحفية في المناسبات التي لا تنتهي . والأهم هو هل ستقبل حركتا فتح وحماس بنتائج الانتخابات إن كانت دحرر واحدة منهما مما يعني انهاء سيطرتها المطلقة في القطاع أو الضفة؟.
اللجنة الأمنية العليا
تنص الورقة المصرية على ( تشكيل لجنة أمنية عليا بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس ، ويجرى الاتفاق على ضباط مهنيين بالتوافق يخضعون لإشراف مصري ، وتتولى هذه اللجنة مهمة إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساس مهني بمساعدة وإشراف مصري ). وهذا البند رغم وضوحه في الورقة المصرية ، فتنفيذه مرهون بالنوايا الفلسطينية ، فهل تقبل حماس بلجنة أمنية تتشكل بناء على مرسوم رئاسي من الرئيس عباس الذي تعتبره غير شرعي ولا تعترف برئاسته ، الذي هو بدوره لا يعترف بحكومة حماس الحالية في القطاع ، لأنه سبق أن أصدر مرسوما بإقالتها وتشكيل حكومة بديلة برئاسة سلام فياض . كما أن تشكيل هذه اللجنة الأمنية العليا يعني عمليا إنهاء وتفكيك القوة التنفيذية التابعة لحماس ، وكافة أجهزتها الأمنية ، وإن تمّ استيعاب بعضهم أو كلهم في التشكيل الجديد الذي نصّت الورقة المصرية على استيعاب ثلاثة ألاف عنصر من الشرطة والدفاع المدني والأمن الوطني فيه ، على ( أن يكون هناك ضمان وظيفي لكل الموظفين العموميين ) ، مما يعني ضمان رواتب من لا تستوعبهم التشكيلات الجديدة . وهكذا فالكرة أيضا فيما يتعلق بهذا البند في الملعب الفلسطيني ، فهل تقبل حركتا فتح وحماس بهذا التشكيل الجماعي المشترك لأجهزة الأمن ، أم تريد حماس استمرار قوتها التنفيذية في القطاع ، وترغب فتح في سيطرة أمنها الوقائي في الضفة ؟.
المعتقلون لدى كل طرف
لم تتجاهل الورقة المصرية موضوع المعتقلين الفتحاويين والحماسيين لدى الطرف الآخر ، ونصّت على ( تحديد قوائم المعتقلين فور توقيع الاتفاق وفق الوضع الحالي ، وتسليم القوائم لمصر ومؤسسات حقوقية وقانونية ، ويقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين المتواجدين لديه ، على أن يسلّم كل طرف قائمة بالأسماء التي يتعذر الافراج عنها ) . ورغم هذا الوضوح الملازم لرفض عمليات الاعتقال الانتقامية المتبادلة بين الحركتين ، إلا أنّ حماس تشترط الإفراج أولا عن معتقليها قبل توقيع الاتفاق ، وهو شرط تعجيزي في سياق عدم ذكرها لمعتقلي فتح لديها.
أما رد منظمة التحرير الفلسطينية فهو مجرد روتيني لا قيمة له ، لأن منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي غير ممثلة في المنظمة ، وتعتبرها مجرد ملحق من ملاحق السلطة الفلسطينية خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين قيادات فتح ، التي نجم عنها تجميد الدائرة السياسية للمنطمة التي يرأسها فاروق القدومي ، وإحالة الموظفين فيها للسفارة الفلسطينية في تونس . لذلك فإن الخلل ليس في الورقة المصرية ، بل في الأنانية الفلسطينية التي ينجم عنها تغليب كل تنظيم لمصلحته الخاصة على المصلحة الوطنية لشعب بكامله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24