الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 1- السفر الحزين

حامد مرساوي

2009 / 9 / 19
سيرة ذاتية


إذا كان الراحل أحمد الغرباوي قد اشتهر برائعته أغنية ملهمتي، فأنت تعلمي أن تحملك متاعب اقتفاء أثر هذا المتعب الذي لم يخجل يوما من كتابة الحرف الأول من اسمك من خلال قشرة البرتقال كما يعلم الكثير من الأصدقاء والصديقات. تعلمين أنك ملهمتي في تجميع هذه الشذرات النفسية الحزينة. والتي أصبحت جميلة بفضل مسعاك الحنون وقد كنت ساعتها أمام الجدار. بسبب أولتيماطوم حمله إلي الهاتف النقال في نفس الأسبوع.
أنحب بعضنا؟ رغم 34 عام من الغياب؟ هل نتحمل بعضنا؟ هل يقرّب بيننا الحب أم يبعد بيننا الزمن؟ من منهما ينتصر لنا أو علينا؟
عندما كنت أشكل قشرة البرتقال لأرسم الحرف الأول من اسمك، كنت أتخطى العراقيل التي راكمها الزمن. لكن لمَ كنت أستطيع ذلك؟ لأن كل حكاية عن حب أول في حد ذاتها جميلة. لها ما يقابلها نسخة عند كل شخص بين البشر. ولأنها تحمل في نفسها قيمة الإخلاص الأصلي. الإخلاص في البشر بمثابة الجذور العميقة في النبات. فلا أمل في النبات ليكبر وينتج ما ينتظر منه إذا لم تكن له جذور. ولا أمل في بشر لا يخلص للأشياء الأولى. هذا أولا. أما ثانيا: فقد كان لي ذوق كما تخيلت دائما بأنانية أوبدونها. وبواسطة الذوق الأصلي تذوقت عدة كائنات. وأسمى الكائنات الإنسان. وأول إنسان بلعت ريقي مراهقا، تذوقا لملامحه الجميلة ببراءة الأطفال أنت. بقدر جمالك الذي تراءى لي بقدر ذكائك الذي حدست نوره من خفة حركاتك ومن ابتسامتك التي كنت أغار عليها ممن يقتربون من عمري ويشتركون معي مجاورتك. كنت أتمنى ألا أشعر أن آخر من نفس الحي يصر على الانتباه إليك. كان صلاح قد انتبه إلي. كان بعض أفراد عائلتي انتبهوا إلي. كان أفراد عائلتي كلهم يعلمون. كنت تخيلت أن الحاجة تعلم. أما رحمة فكنت أجدها، بدل أن أعثر عليك، في السطح. ذات يوم اعتبرت أنك تتجاهلين قوة حبي عندما أبلغتني بعبارة منك حول رغبة شخص آخر في الارتباط بي فعبرت لك عن غضب مخفف. كان شكلا من أشكال الغيرة التي تنتابني بسببك. خضت "معركة" في حق من توهمت أنه كان يحاول منافستي فيك. كان حبي لك يقهرني فكنت أمطرك رسائل فوق السطح. ثم كنت أعمل على رمي بعضها قبل أن تصل خطواتك إلى الورقة المرمية. من جانبك، كنت شحيحة في التعبير. كنت أخفف عن نفسي وأعتبر ذاك من صغرك. سفرك الحزين: اعتبرت نفسي مسؤولا عنه. تتذكرين كيف نسجت لك وضعا في مخيلتي بناء على السن المتأخر لوالديك المتبنين لك. فكأنني كنت أشعر بالآتي الكامن في بطن الغيب. ومن ثم، اخترت لنفسي عبر جنين الغرام الذي حبلت به مخيلتي تجاه، اخترت وضعية الوصي. فكأنما لو أن القاضي، قاضي التوثيق، دون علم منه، حملني مسؤولية السهر على محبتك، وبسبب إسرافي في الحنو عليك، فقد وفرتُ الذريعة لمن جدّد زواجه ليغلق الباب حوله دونكما، وما كان عليه أن ينسى أنه بدأ مسؤولية لم يكن من حقه التوقف عن التبني قبل سن ما... كنت أعرف أن الحاجّة التي لم تجد وسيلة للدفاع عن الوضع المكتسب، ستسحبك معها إلى أي مكان بالضرورة يكون متواضعا في الظروف المرافقة لدراستك. كان الحلم المزعج الذي بقي في أعماقي مترددا هو الخوف من توقفك عن الدراسة. وهو ما دفعني لطرق باب منزلكم بعد تأكدي من سفرك المؤسف الحزين، فخرج أبوك ليهدنني أن يسحبني في الفرصة المقبلة إلى مركز الشرطة إذا كررت طرق الباب، وذلك بعد أن أجبته عما أريد، كوني أرغب في الحصول عن عنوانك. لم أكن أدر أنني سأحتاج لتفاصيل عنوانك في زعير. لكنني وأنا أبحث عن طريق للوصول إلى مراسلتك، تذكرتك يوم رافقتك في زنقة العدوة من مسيد السي عبد السلام السعدي إلى جوار دار اب سلام والحاج علي. هناك بل تحت السور الخلفي لمنزل مهيرز أتذكر أنني كنت أحفر في ذاكرتي معلوماتك الشخصية المكتوبة في ورقة التعريف القديمة ذات اللون الرمادي، قبل استعمال بطاقة التعريف الوطنية. عندما سقط في يدي ولم أحصل منه على عنوان إقامتك حيث هاجرت رفقة الحاجة، قررت أن أكتب رسالة في اسم الحاجة، يكون مبررها والقضية المحورية فيها الحديث والحث عن ضرورة إبقائك في المدرسة وعدم إهمال ذلك. لم أكن في عمر من يستحق أن ينصح الحاجة. كان حدسي أنها ذهبت مكرهة. وأن رسالتي ستصبح آخر علامة على حضور المكان الذي غادرته. لذلك، قبل سن أو في سن 18، سمحت لنفسي أن أدبج المقترح بالسماح لك بالبقاء تلميذة بدل غير ذلك.
من النتائج المباشرة لسفرك المفاجئ الحزين، أن انخرطت في السياسة بشكل القطيعة مع السياسة الرتيبة البطيئة في الأحزاب التي كانت موجودة آنئذ. فانخرطت في حركة الشباب الراديكالية التي نبتت مع حركة الإضرابات، بل التي عبأت لتلك الإضرابات، فكانت السنة البيضاء، باستثناء هناك، حيث كان المدير من مدينة سلا من العائلات المتجدرة الانتماء للحركة الوطنية. فأراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد. فلم نكرر القسم. وقد أتت الباكالوريا في السنة الموالية، نجحت بين سبعة في الدورة الأولى، فجرى أن اجتزت 12 سنة من الدراسة ولا تكرار واحد لأية سنة. خصوصا عندما كان الفرنسيون يساهمون في تدريس جيلنان لكل المواد، باستثناء العربية من النكتة كنا نحكي أن المغاربة هم الذين يدرسونها لنا. أما العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والرياضيات، بل التاريخ والجغرافيا والفلسفة، ناهيكم عن مواد متفرعة عن الفرنسية، مثل الحضارة وتلخيص النصوص.
عندما توصلت بجواب الحاجة، ولو أنني لا أتذكر منه اليوم أية فقرة، اعتبرت نفسي قد نجحت في فكرة عادلة بالتعبير عنها بوسيلة ناجعة. خصوصا وقد اضررت أن أطلب من صالح أن يعيرني عنوانه المنزلي. فلم يتردد في مساعدتي. وكانت فرحتي كبيرة عندما أتاني يوما ما بعد حوالي ثلاث أشهر من بعث أول رسالة، بجواب الحاجة. كانت قد أحاتني على عنوان ببوقرون في الرباط. ولما حللت بالرباط بكلية الحقوق، كان النضال السري في الجامعة هو النشاط الرئيسي. وكان إخراج علاقتي بك إلى العلنية هو الهدف الثاني. نجحت في المحاور الثلاث: نجحت في السنة الأولى، ونجحت في إعادة الاتصال بك وكان مبيتي معكم ليلة السبت واجبي العائلي وأمنيتي العاطفية لطالب مهاجر في كلية الحقوق، وقد كانت الصدفة التي ذهبت بك إلى الرباط وليس إلى مكان آخر، كأنما تساعدنا على بناء هذا الرصيد الغرامي الحالي الصامد ثلث قرن من الزمن. كما نجحت في الارتباط بالحركة السياسية الشبابية.
لم أكن أتذكر أني رأيت تاريخ 13 مارس موعدا لميلادك سنة ستين. لكن الأشخاص الثلاث الذين أحاطوا بي في فياط 1000 الزرقاء إلى مركز الشرطة، ارتكبوا ذلك في حق علاقتنا يوم 13 مارس 1975. فعندما سجل الفيتناميون نصرهم النهائي على الأمريكان يوم 30 أبريل من نفس السنة كنت في مركز الشرطة بجامع الفنا بمراكش، رفقة وزير التعليم الحالي أحمد اخشيشن وطالع السعود الأطلسي أحد مسؤولي الهيئة العليا للسمعي البصري....أما عندما أغمض الدكتاتور فرانكو عينيه إلى الأبد في نوفمبر من نفس السنة فقد كنا في سجن اغبيلة قبل اغتيال عمر بنجلون بشهر إلا يومين. وفي نفس المدة سمعنا عن اغتيال الملك فيصل في السعوديو وسمعنا عن الانقلاب في التشاد والإطاحة بطومبالباي. كانت أيضا سنة تصفية الاستعمار "البرتقالي" (بصيغة المؤرخ خالد الناصري) من افريقيا.
تربيت تربية ثانية خلال الاعتقال. كان بمثابة "البوزطاج" الذي أعاد تشكيل عجينتي، تعلمت بعض دروس التواضع الحتمي في الحياة عبر النسبية في كل شيء. وتكسرت في نفسيتي قشة النموذج المقولب الجاهز.
كان درسك الأول. وكان السجن الدرس الثاني. أما وفاة الأم فكان بمثابة الذبحة بالسكين القاطع الذي يترك المذبوح في دهشة لا تنتهي. أو لنركب بين الثلاثة أحداث: كان حبك في نفسيتي تلك الأسطوانة الجميلة التي تدور فوق صندوق الذاكرة التي ترسخت لوالبها الرئيسية في سنتي السجن تلك. وكان موت الأم بمثابة رأس الشوكة الذي ينقل الشحنة المغناطيسية الحنون المفقودة التي تتجدد في أمل إعادة الارتباط بك مرة ثالثة.
(يتبع)
19/9/2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم