الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذئاب بلا أنياب

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2009 / 9 / 19
الادب والفن


في إحدى الغابات التي لم يصلها الإنسان بعد، ثمة مجتمعات حيوانية من جميع الأجناس ولا يفصل فيما بينها سوى أسوار مصطنعة لمنع تأثير كل منها على الآخر. من بين هذه المجتمعات كان مجتمع الذئاب على أطراف الغابة، كانت له عاداته وتقاليده الخاصة رغم أن جميع يشتركون في طبيعة حيوانية واحدة . وثمة اتفاقات خرقاء عقدت ما بين الذئاب وغيرهم من المجتمعات المجاورة . وكان يترأس قطيع الذئاب سلطان مهيب اتسم بالصرامة ، كانت قراراته تدل على دكتاتوريته المطلقة . وفي كل مرة يتخذ قراراً معيناً ، يبرره بأن الظروف الخارجية والمؤثرات المحيطة بالوطن لا تفسح المجال للديمقراطية.
ولكن القرار الأخير لم يكن بسيطاً ، بل كان من الجدية ما جعل سلطان الذئاب يستشير الحاشية ويأخذ برأي الجميع ، لأن القرار يناقش الحريات الشخصية وتأثيرها على العرش . وبعد دراسة مستفيضة عرض أحد الوزراء رأيه بتجريد مجتمع الذئاب من أنيابها ، وبذلك يؤمن السلطات على عرشه ولا يكون هناك أي خطر من تمرد المواطنين في المستقبل . لكن يجب وضع مبرر لهذا القرار ليقنع عامة الشعب بأن ما تقرره السلطة هو من مصلحة الشعب . وفي مجمل النقاش عرض وزير الصحة تبريره ، وهو بأن الأنياب الأمامية لا تسبب إلا الأمراض وقد تسبب خطراً على سلامة المواطنين في حالات الشجار .
وكان سرور السلطان واضحاً ، لذكاء حاشيته التي لا تضع أمراً إلا وترفقه بمبرر ، وعندما عرض القرار على مجلس الشعب ، نظر فيه الأعضاء متسائلين فيما إذا كان القرار يشملهم .لكن طمأن السلطان هؤلاء المتسائلين بأن القرار لا يشمل سوى المواطنين .
وفتحت المؤسسات والمصحات لتنفيذ ذلك القرار .توافد الكثيرون من أجل قلع أنيابهم ، ولم ينظر أي منهم لخطورة ما يجب النظر فيه ، أما الملك ، فقد كان تلك الاستجابة بارتياح داخلي .
وبعد إحصاء عدد المواطنين الذين اقتلعت أنيابهم ، وجد أن ما يقارب العشرة بالمئة لم يأتوا إلى المصحات. وكان هذا كافياً ليزعج السلطان ويجعله يأمر بإلقاء القبض عليهم .وانتشرت أجهزة الأمن باحثه عن أولئك اللاوطنيِّن .وبعد جهد شاق عثر على نصف المتمردين حيث بقي خمسة بالمئة غير خاضعين للقرار .لكن طمأنينة السلطان ذهبت حين سمع بأن المتمردين شكلوا تنظيماً يدعى "جبهة المعارضة"،وتزعم هذا التيار أحد السياسيين المعروفين في البلدة .فهو من الذين حاول السلطان الإيقاع بهم في الماضي عندما تزعم فئة من الذئاب تحت اسم "حقوق الحيوان" .
ووصل آخر خبر للسلطان بأن المعارضين لجؤا لمملكة الأفيال طلباً للحماية .وأزعج هذا الخبر صاحب الجلالة ووضعه في حيرة تامة .وأخذت آراء الحاشية تستقر على الحرب ضد مملكة الأفيال ، لكن كيف يحارب الذئاب دون أنياب ؟عدل عن هذا القرار .ثم بدأت المبادلات ما بين المقاطعين ، وعقدت الاتفاقات الورقية ، لكن لم يتوصل الطرفان إلى الحل المطلوب.
وعقدت الاجتماعات اليومية ما بين السلطان والحاشية، حيث اتفق الجميع بأن يلقي السلطان خطاباً يدين فيه المتمردين ضد الوطن .إلا أن السلطان لم يقتنع بذلك :
_ ماذا ستفعل خطبتي ..لقد عرف المواطنون سر اللعبة ، وصاح رئيس الوزراء:
_ لقد تمت اللعبة بنجاح ، أما الذي نريده الآن هو إقناع المواطنين بأن المتمردين أعداء الله والوطن . وأشار السلطان بأصبعه على المتكلم :
_ ماذا سينفع كل ذلك يا سيادة الوزير ؟
_ على الأقل نضع حداً لتأثير المتمردين على أبناء الوطن .
وأُغلقت الجلسة بالموافقة على خطاب السلطان .وفي اليوم الموعود تجمهرت الذئاب في الساحة العامة تنتظر خطاب السلطان وبرز صاحب الجلالة من شرفة المبنى الملكي ينظر إلى الحشود المتلهفة ومعه رئيس الوزراء ذو النظارة الغليظة والحاشية .وأخذت الحشود تصفق لجلالته ،وأتبع الصخب صوت السلطان أبنائي ،تعرفون كم أني أحرص على مصلحتكم ومصلحة الوطن وتأكدوا لو أن القرار يضر بكم لما سمحت له بالتنفيذ .وأوقف السلطان تصفيق الجماهير ، فاستغل ذلك بحك أرنبة أنفه ، ثم تابع قائلاً :
_ إن المتمردين لا يضرون سوى أنفسهم ، بل إني أدرك والله يعرف أن مصلحة الوطن فوق كل شيء ...تصفيق .وانحنى الوزير هامساً بأذن الملك .
_ يبدو أن كل شيء على ما يرام .وتابع متحدياً.
_ نحن ندرك أن مملكة الأفيال أقوى منا حربياً ، ولكن هذا لا يعني أنهم سيستعملون المتمردين ضد وطننا .سنعمل ما بوسعنا للسلام ، لكن إذا أراد الأعداء حرباً !فلتكن حرباً .وعندما انتهى من خطابه التاريخي رفعه يده اليمنى إلى الأعلى مودعاً الحشود المتجمهرة ،ثم اتجه نحو الداخل تاركاً الصخب الذي ما زال ينبعث من المواطنين تأكيداً على دعم سياسته .وانحنى السلطان نحو الوزير صاحب النظارة الغليظة يسأله فيما إذا كان خطابه مناسباً .فأجابه الوزير :
_ طالما أن الحشود تصفق ، كل شيء سيكون على ما يرام .
وهكذا أدرك السلطان أن الحرب شيء شبه مستح لايل .إلا أن فكرة لمعت في رأسه ، وهي أن الخيار الوحيد بالنسبة له هو توقيع معاهدة مع مملكة الأسود .فهم معروفون بقوتهم وشراستهم .وبعد مناقشة الأمر مع الوزراء ، قرر الجميع أن المعاهدة شيء ضروري ، وخاصة في أزمة كهذه .وعندما وصل الوفد إلى أرض الأسود يشرح مطالبه بالتفصيل :
_ نظراً لتأزم الوضع في المنطقة ، خاصة بينكم وبين الأفيال ، فإننا نود مساعدة شعبكم ضدهم ، لكن هل أنتم مستعدون لتقبل شروطنا ؟
أجاب رئيس الوفد :
_ إذا كان باستطاعتنا يا صاحب الجلالة .وبعد النظر لجميع الشروط ، كان هناك شرط لم يعجب الوفد ، وهو إعطاء خمسين بالمئة من المنتوج الوطني للأسود .وبعد أخذ ورد بين الطرفين كان جواب الوفد لملك الأسود بعدم القدرة على اتخاذ أي قرار من دون استشارة ملكهم .
وعندما عاد الوفد إلى الوطن ، قص وبالتفصيل ما حصل في الاجتماع .وكانت دهشة السلطان واضحة ، فهو يستورد أكثر من ستين في المئة من المحاصيل الكلية من بلدان أجنبية ، ثم إن هناك ديوناً لمملكة الأفيال ما زال يماطل في دفعها لسوء المحصول .
ورمت الأيام دون وضع الحلول اللازمة .ولم يكن هناك أي قرار بالإجماع بين السلطان ووزرائه لكن ما وحد قرارهم حول توقيع المعاهدة بسرعة مع الأسود هو تهديد الأفيال بالهجوم إذا لم تدفع مملكة الذئاب القروض المطلوبة في آخر العام .وحصل كل ذلك في سرية تامة .
وتسلل بعض المعارضين إلى العاصمة يوزعون منشوراتهم ويؤلبون الشعب ضد السلطة .حيث كانت حجتهم أن لو كان اقتلاع الأسنان صحياً ، فلماذا لم يقتلع السلطان وحاشيته أسنانهم !وتطرقوا أيضاً في منشوراتهم السرية إلى المعاهدة السرية التي عقدت مع الأسود لحماية السلطان وعرشه ونتائجها على أرض الوطن .
تتالت الأيام ، وأخذ الأفيال يتحرشون بالذئاب ، لكن ثقة السلطان في أن أصدقائه الأسود سيدافعون عنه في اللحظة المناسبة .في صباح أحد الأيام بدأ الأفيال زحفهم نحو الذئاب.
وأخذت الاتصالات الهاتفية بين الذئاب والأسود ، وأظهرت الأسود مماطلتها في إرسال جيوش لإنقاذ جيرانهم .ولم يصمد الذئاب طويلاً ، بل دخلت الأفيال تدمِّر وتقتل .وفرَّ السلطان إلى أصدقائه الذين كان من المفروض أن يساعدوه في محنته لكنهم لم يستقبلوه قائلين :
"تم الاتفاق بينك وبين الأفيال على تسليمك لهم حال وصولك ، ونحن سنعمل بهذا الاتفاق" . وتذكر السلطان الاتفاق السابق مع الأسود وعدم اكتراثهم به ،ثم أدرك في قرارة نفسه أنه أضعف بلاده باقتلاع أسنان شعبه .وشعر بذلك العار الذي ارتكبه ضد وطنه ، فقد خان شعبه مرتين، مرة باقتلاع أسنانهم ،ثم بتوقيع معاهدة سرية مع الأسود ، وهو الآن يدفع الثمن .ولمعت في رأسه كلمات من المنشورات السرية التي كان المعارضون يوزعونها على الناس .فهو الآن يدرك صحتها :"لقد سحب السلطان من تحته القاعدة التي يقف عليها ، وهكذا فهو بالتأكيد سيفقد رأسه









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ