الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يقع أوباما ستكثر سكاكينهم

كمال البلعاوي

2009 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في ليلة الرابع من نوفمبر من العام الماضي و في ساحة الغراند
بارك في مدينة شيكاغو ألينوي وقف شاب اسود قد غدا للتو
رئيساً لأقوى دولة في العالم أمام حشد هائل متحمس إلى ابعد
حد ليلقي خطاباً يتناسب و جلال الموقف الذي فاق أكثر أحلام
مارتن لوثر كنغ جموحاً، فقبل نصف قرن فقط من هذه الليلة
رفضت روزا باركس أن تترك مكانها في الحافلة لرجل ابيض
مطلقتاً بذلك حركة الحقوق المدنية و التي خاضت صراعاً
بطولياً و وضعت ًنصب عينيها هدف تحقيق المساواة و العدالة
لذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، و في ليلة الرابع
من نوفمبر بالذات كان الكثير ممن خاضوا هذا النضال و الكثير من السود و الليبراليين يشاهدون ما يمكن أن يعتبرونه – بحق – انتصاراً حازماً لأهدافهم .
إن هذه النضالات و هذا الحلم الذي داعب خيال الملايين من السود و الأقليات و الليبراليين كان من العوامل المهمة التي خلقت هذا الزخم الهائل الذي تقدم به باراك اوباما مكتسحاً كل منافسيه إلا أن نشوة الفوز ووقع المفاجئة غيبت حقيقة في غاية الأهمية، و هي أن العامل الأول و الأساسي في هذا النصر يعتمد على كم الأخطاء الهائلة و السلبيات و الكوارث التي أورثها جورج بوش لجون ماكين، و الذي و إن حاول جاهداً أن ينأى بنفسه عنها إلا أن هذا التراث الثقيل المكون من أزمة اقتصادية عالمية، و التورط في حربي العراق و أفغانستان، و العديد من العوامل الأخرى أفضا به في النهاية إلى الهزيمة.
و إذا دققنا أكثر في هذا النصر سنرى أن الأزمة الاقتصادية بالذات هي التي أوصلت أول رئيس اسود إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، فكما تشير استطلاعات الرأي كان تأثير موضوع الاقتصاد على عملية اتخاذ القرار عند الناخب الأمريكي يساوي 57% ، تتبعها الحرب على العراق التي احتلت نسبة 10%(1)، و هذا بالتأكيد من حسن حظ اوباما الذي تعد السياسة الخارجية كعب أخيل بالنسبة له، فهو تقريباً بدون خبرة في هذا المجال كما انه لا يمتلك ماضياً عسكرياً يستعين به، و لكن انخفاض نسبة عمليات المقاومة في العراق أدى إلى انحسار أهميتها عند الناخب الأمريكي الأمر الذي أعطى هذا الشاب الفرصة التي يحتاجها لتركيز اغلب دعايته الانتخابية على الموضوع الاقتصادي و الذي كان بدوره نقطة الضعف الأساسية عند جون ماكين و حزبه و اللذين كانت سياستهما الاقتصادية هي التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه في المقام الأول.
و في خضم تلك المعركة الهائلة طغى الحلم و طغت الكاريزما الشخصية لاوباما بالإضافة إلى
كل أخطاء الحزب الجمهوري على نقطة في غاية الأهمية و هي ليبرالية اوباما المفرطة
- و الليبرالية الأمريكية هي ليبرالية اجتماعية و كينزية اقتصادية – التي تعد متطرفة بالمعايير الأمريكية ، و مع أن هذا الأمر لم يفت الجمهوريين، بالرغم من تحمس بعض الجمهوريين لاوباما و تسمية أنفسهم "Obamacans " و هو مصطلح مركب من كلمتي اوباما و جمهوريين بل فات المستقلين الذين كانوا أكثر المتأثرين بكاريزما اوباما، فعند صناديق الاقتراع لم يصوت إلا 9 % من الجمهوريين لاوباما بينما حاز ماكين على 10 %(2) من أصوات الديمقراطيين و هذا طبيعي بالمعايير الأمريكية و مع أن اوباما كان يتمتع بتأييد 50% من الجمهوريين عند استلام مهام منصبه – متأثرين على الأغلب بالاتجاه العام للشعب الأمريكي المرحب بانتخاب اوباما – إلا أن هذا التأييد انخفض إلى 31 % بعد 100 يوم ، و مرد ذلك إلى انه و بعد 100 يوم صحا من كانوا لا يزالون منتشين بهذا الفوز، و بدء غبار المعركة بالانقشاع عن رئيس يعَد في مصاف الأغرار في السياسة الخارجية، فلغته الدبلوماسية في التعامل مع الدول هي جيدة طالما الأمور مستقرة إلا انه و عند أول مشكلة تحدث على الصعيد العالمي سيتم استعادة خطاب كلينتون و ماكين أثناء الحملة الانتخابية حول ضعف خبرة اوباما و سذاجته و عدم قدرته على إدارة الشأن الدولي، و نستطيع أن نرى إرهاصات ذلك في الموقف من الخطاب الذي ألقاه اوباما في القاهرة الموجه للعرب و المسلمين، حيث انه حتى داخل صفوف الحزب الديمقراطي وجهت انتقادات قاسية إلى هذا الخطاب ، و فيما يخص المسائل الداخلية كان قرار السماح بإجراء التجارب على الخلايا الجذعية من أوائل القرارات التي اتخذها اوباما، الأمر الذي أثار حفيظة المحافظين ، هذا بالطبع دون أن ننسى مواقف اوباما من الإجهاض، و زواج المثليين، و التعديل الثاني للدستور حول حق امتلاك السلاح، و التي تعد مسائل أساسية بالنسبة للمحافظين، و يقف اوباما من هذه المسائل عموماَ على النقيض من مواقف المحافظين كما يحسب عليه موقفه المتساهل نسبياً من الهجرة، و ترشيحه لسونيا سوتومايور لمنصب قاضية في المحكمة العليا، و قد جوبه هذا القرار برفض شديد و متعنت من المحافظين، و لكن في النهاية يبقى رأس الأمر و أساسه الموقف من السياسة الاقتصادية ، بسبب أهمية هذا الملف بشكل عام، و الأزمة المالية التي انعكست يشكل كبير على الشعب الأمريكي بشكل خاص، مما جعل الاقتصاد ميدان الحرب الرئيسية بين الجمهوريين و المحافظين من جهة، و اوباما من جهة أخرى، و اتخذت أول معركة في هذه الحرب مكانها في مجلس الكونغرس حول خطة التحفيز الاقتصادي التي طرحها اوباما كطريق للخلاص، فطلب من الكونغرس 787 مليار دولار للقيام بهذه الخطة مما أثار غضب الجمهوريين و سخطهم فلم يصوت منهم إلا 3 نواب على القانون من اصل 51 أعضاء في مجلس الشيوخ و بدون أي صوت في مجلس النواب .
كما يواجه اوباما اليوم انتقادات حادة حتى ممن يعدون في صفوف المعتدلين، بسبب التضخم الهائل لدور الحكومة في إدارة الاقتصاد، حيث تناولت صحيفة " الايكونمست " هذا الأمر و انتقدت دور الرئيس اوباما فيه، و قد وصل الحد بمجلة "النيوزويك" إلى أن تنشر على غلافها عنوانا يقول " كلنا اشتراكيون الان " مما يدلل على حجم الرفض لجهود اوباما في هذا الشأن، و قد استطاع اوباما و في وقت قياسي أن يكسب عداءا لا نظير له في صفوف المحافظين بشكل عام، ففي استطلاع الرأي على موقع conservativeHQ.COM شارك فيه أكثر من 1800 محافظ كان السؤال "كيف تصف فلسفة اوباما السياسية " حقق اوباما نسبة مذهلة بأكثر من 91% ممن اختاروا احد الأجوبة التالية اشتراكي أو شيوعي أو ماركسي أو فاشي و قد بلغت نسبة من وصفه بالفاشية 10 % .
إلا أن مواقف المحافظين هذه لم تترجم بعد في صيغة هجوم واضح من السياسيين الجمهوريين على اوباما و يرجع ذلك إلى حصانة اوباما الشخصية المستمدة من حجم التأييد الذي ما زال يتمتع به في صفوف الشعب الأمريكي، و الذي و إن انخفضت من نسبة 68% في بداية عهده إلا أنه ما زال عند 59%(3)، و هي نسبة عالية تمنح اوباما حماية مؤقتة من السياسيين الذين لا يرغبون بمواجهة هذه الشعبية الطاغية، و لكنه على الأغلب لن يستطيع الحفاظ على هذه الأرقام – التي منذ لحظة انتخابه في انخفاض تدريجي - في هذه الأجواء الاقتصادية و السياسية العاصفة لفترة طويلة ، فيمكن لأي مشكلة خارجية ذات تأثير مباشر على حياة الأمريكيين مثل فشل خطة اوباما في العراق و أفغانستان، أو استمرار الأزمة الاقتصادية و ازدياد مداها، أن تؤدي إلى انخفاض حجم التأييد الشعبي ، الأمر الذي سيؤدي إلى تكالب الجمهوريين و المحافظين عليه كما سيبدأ العديد من الديمقراطيين بالانفضاض من حوله بسبب وقوف العديد منهم على يمينه في الكثير من المسائل، و لكن في النهاية يبقى الخيار عند أوباما فإما أن يستمر في الطريق التي اختطها حتى ألان فيواجه حرباً لن يستطيع مواجهتها أو ينتهي إلى أن يخفف من غلواء مواقفه و يبدأ باتخاذ الحلول الوسط .
إن أهم ما يمكن أن يخرج به المرء من كل ما حصل و ما سيحصل – و قد بدأت إرهاصاته بالظهور واضحة جلية – أن الولايات المتحدة لم تتغير إلى الحد الذي روج له البعض، مع عدم إنكار أن هناك تغييراً مهماً تدريجياً قد حصل، و لكن محاولات الإشارة إلى أن الرئيس اوباما سيقلب السياسية الأمريكية الداخلية و الخارجية رأساً على عقب هي محض أوهام تصدر عمن لا يستطيعون أن يدركوا ماهية الأنظمة السياسية و الاجتماعية – الاقتصادية و ديناميكية حركتها، فالرئيس اوباما أو أي رئيس أمريكي أخر و بالرغم من النفوذ الهائل للرئيس في النظام السياسي الأمريكي إلا انه محكوم بالنهاية لمصالح هائلة الحجم و طريقة تفكير راسخة لا تتغير إلا ببطء شديد تحكم اوباما و غيره ، و تقيد قدرته على التغيير و تربطه ربطاً لا فصام له مع ضرورات الواقع الذي تمر به الولايات المتحدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الإيرانية: مراكز الاقتراع تفتح أبوابها و


.. مناظرة رئاسية اقتصرت على الهجوم المتبادل




.. تباين كبير بين ردود فعل مؤيدي بايدن وترامب


.. استطلاع يرجح أن دونالد ترامب هو الفائز في المناظرة الأولى




.. صدمة في أوساط الحزب الديمقراطي من أداء بايدن في المناظرة