الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تداعيات خلف قضبان المنفى
بدر الدين شنن
2009 / 9 / 19العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
النفي مفهوم سياسي قبل أن يكوم مفهوماً أمنياً ، وهو نوع من الظلم الذي يقع المرء ، سواء اختاره المرء طوعاً مفهوماً للتقية من أجل متابعة القضية التي يؤمن بها ، أو خوفاً مبرراً من مصير سيء ، يتراوح في الحالتين مابين السجن المديد ( المؤبد ) أو الموت . وبذا يحسب ، وينبغي أن يحسب المنفى آلية من آليات القمع الذي جاء مع الاستبداد ولايزول إلاّ بزواله . ما يعني أن المنفى والسجن ، مع اختلاف آليات التطبيق والتأثير ، هما وجهان لعقوبة واحدة ، هي عزل وإبعاد الإنسان السجين أو المنفي عن محيطه ووطنه .
أما أنا فقد شملتني العقوبتان .. عقوبة السجن وعقوبة المنفى ، اللتان تجاوزتا الربع قرن .. وتجاوزت أنا خلاله كل محطات العمر أو أكاد ، أكابد رهق المرض المديد من خلف قضبان السجن إلى خلف قضبان المنفى . وأنا أقترب ، ربما ، من المحطة الأخيرة ، غلبني الشوق بما يشبه الاحتراق .. للجذور .. للأهل .. للرفاق .. لناس سوريا الطيبين .. وشدتني الرغبة الملحة ، بعد تردد ، إلى أن أكتب تداعيات خلف قضبان المنفى ، تداعيات عبرت سوريا في الماضي أو هي تعبر الآن ، لعلها تكون ا ستكمالاً لما ورد في كتابي " الشهادة " ، وأن أبدأ هذه التداعيات .. أن أكتب أولاً .. إلى التي ليس فوقها حبيب .. إلى سوريا ..
إلى سوريا
نعم الوطن غالي .. وكل إنسان يحب وطنه . لكن من له وطن مثلك يكون هذا الحب مختلفاً .
أنا أجزم أن حبي لك يكاد يبلغ درجة العبادة .. وأجزم أني فخور لأنني ولدت من رحمك .. وأن أعيش من أجلك . فعندما لم تتجاوز سنوات عمري قبضة اليد الواحدة ، تعلمت أن أنظر شذراً لجنود المستعمر . وكنت أحمل على الأكتاف في المظاهرات وأردد مع المتظاهرين بجلاء المستعمر وبحريتك . وكنت بصحبة الكبار في حصار آخر ثكنة للمستعمر في مدينة إدلب . . وصورت عيناي الصغيرتان مشهد انسحاب فرنسا الذليل أمام الثوار .. أمام المقاومة . وتعلمت في تلك الأيام أولى آيات الوطنية ، من جارنا . لقد فقد إحدى عينيه أثناء هروبه من الثكنة . إلاّ أنه حمل رشاشه بعد يومين وعاد ليقاتل .. ليعود شهيداً .
ومع آيات الوطنية تعلمت في مهدك آيات الحرية ، وذلك عندما وجدت نفسي أجري مع زملائي الطلبة الصغار والكبار نطالب بسقوط الديتاتورية .. ومرة ثانية بعد أشهر بسقوط ديكتاتورية أخرى . وكلما كبر ت أشهراً .. أزداد انغماساً في السياسة .. في حبك الذي يكبر .. ويكبر كلما تقدم بي العمر .. وكلما كبرت همومك وازدادت جراحك نزفاً . ووجدت نفسي أنني لاشيء إن لم أعش من أجلك .. تماهيت بك .. انصهرت بأحداثك وأحزانك وانتصاراتك . حتى صارت حياتي وأنت والحرية في حالة عصية على التباعد والتفكك .
وفي غمرة العمل والرطض وراء اللقمة ، تعلمت في صفوف المناضلين الشرفاء ، حب الكادحين من أجل الرغيف وحرية الكلمة والاشتراكية
أحببتك .. أحببت فيك كل شيء .. بشراً .. حجراً .. هواء .. شجرا ..
أحبك إن تصان فيك حريتي أو أظلم .. إن أحزن فيك أو أفرح .. أن أنجح فيك أو أفشل .. ومثلما ولدت فيك أن أدفن .
أحب فيك الإنسان .. الكادح .. المنتج .. المبدع .. الذي أعطى الإنسانية الحضارة والعمارة والحرف .
أحب براعم الأجيال الجديدة ، تحوم صغارها في الرياض كالفراشات حول رموز المعرفة ، وينتشر فتيانها أسراباً ورفوفاً يقطفون ثمار العلم في رحاب الجامعات .
أحب الجندي ويده على الزناد .. ترصد عيناه كالنسر التحركات اللافتة .. من أجل أن تبقى حدودك عصية على الغزاة وحريتك عصية على الطغاة .
أحب ارضك الطيبة المنبسطة من ذرات رملك في الشرق إلى قطرات بحرك في الغرب .. من " سويدائك " في الجنوب إلى " عفرينك " في الشمال .. وكذلك مابين الذرات والقطرات جبالك الشامخة ووديانك الخصيبة .. ومابين السويداء وعفرين الحضارات ، التي جعلت من تعدديتها زخارف لتاريخها المشترك ونسغاً لجذور انتمائها الوطني الواحد .
يادرة آسيا وجوهرة العرب ..
أين الغزاة الذين تجرؤا يوماً ودنسوا أرضك .. الذين دمروا مادمروا من حضارتك .. اقتطعوا مااقتطعوا من أوصالك .. لكنهم جميعاً عبروا .. رحلوا .. خذلوا .. وانقلعوا شرقاً وغرباً .
أين الطغاة الذين كسروا حريتك .. وحرفوا مسارك الحضاري .. الذين فسدوا وأفسدوا وظلموا .. لقد تساقطوا أمام متاريس الحرية . وكلما حاول طاغ أن يحل محل طاغ لم يلق سوى المصير الذي حكمت به على الطغاة .. الانهيار والفشل .
وبقيت رغم أطماع غزاة الكون بك .. رغم انكسارات ومظالم الطغاة .. بقيت شامخة على مدار التاريخ . تسخرين من كل غاز وطاغية .
لهذا ، وليس هذا كل شيء ، فأنت أكبر من الإحاطة بك ، قلت رأي مع آلاف المناضلين المعترضين على الطغيان والاستبداد ، في السجنون والمنافي ، كيف تكونين بحريتك وبإرادة شعبك .. الأجمل والأرقى والأقوى .. وتحملت اضطهاد وغباء الاستبداد ، ودفعت الثمن سجناً ومنفى .
أريد أن أسجل الآن قبل أن تجرفني تيارات التداعيات .. أنني عشت سعيداً ، لأني عشت في بدايات عمري ، لحظة جلاء المستعمرين الفرنسيين عن أرضك المقد سة ، ولأني عشت في نهايات عمري لحظة فشل مشروع البرابرة الأميركان باجتياح وتدمير دمشق الحبيبة كما فعلوا ببغداد الحبيبة أيضاً .
أمنية الأماني في العمر المتبقي ، أن أراك قبل أن يحجب قدر النهيات الرؤية .. أن أراك تتفاخرين بحريتك وحضارتك وقوتك وعدالة الحياة بين أبنائك .
سوريتي .. لك مني السلام .. لك روحي ودمي .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط