الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تراث الراحل علي محمد الشبيبي/ في زحمة الخطوب 2

محمد علي الشبيبي

2009 / 9 / 20
الادب والفن



قصائد هذه المجموعة (في زحمة الخطوب) لا يمكن فصلها عن المجموعة السابقة (رنين على الأجداث) فهي مكملة لها وتتحدث عن معاناة الشاعر وعائلته. وتغطي هذه القصائد فترة أربعة عقود، تسلطت فيها أنظمة استبدادية على رقاب أبناء الشعب ولكنها اختلفت بشدة وقسوة وأساليب استبدادها فمن المشانق في ظل الحكم الملكي إلى المقابر الجماعية في ظل النظام الصدامي المقبور.
دشن النظام الملكي قدرته على الطغيان والترهيب من خلال أقدامه على جريمة لم يسبق لنظام عربي أو أي نظام استبدادي في المنطقة أن أقدم عليها، وذلك بإعدام قادة الحزب الشيوعي لا لجريمة سوى لأنهم يحملون فكرا وطنياً يهدد مصالح عملاء الاستعمار. فرد الشعب يوم 14 تموز 1958 بثورة جماهيرية منتفضا على استهتار وبطش أذناب الاستعمار البريطاني وعملائه. ثورة لقنت من يستهتر بمقدرات وكرامة الشعوب درسا قاسيا. لكن لم تدم فرحة الشعب طويلا بسقوط النظام الملكي، حتى انحرفت ثورة تموز عن مسارها وعادت أجهزة الأمن الجمهورية المستورثة من النظام الملكي البائد لممارسة أسلوبها في محاربة القوى الوطنية المخلصة، وبعلم وموافقة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم.
فجاء انقلاب البعث الدموي في 8 شباط 1963 وتحول العراق إلى سجن كبير. وهتكت الأعراض، وتم تصفية قادة الحزب الشيوعي والكثير من المناضلين الشجعان في أقبية التعذيب. حتى ضاقت مراكز التعذيب، فأكتشف الفاشيون أماكن جديدة لتصبح مراكز للتعذيب. وتحولت الملاعب الرياضية والمكتبات العامة وغيرها من مؤسسات ثقافية إلى مراكز يمارس فيها أبشع أنواع التعذيب الهمجي. وتمت في هذه المراكز تصفية مئات المناضلين وفي مقدمتهم الشهيد الخالد سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي ورفاقه. وعاش والدي أحداث الانقلاب الدموي أثناء اعتقاله في مركز التعذيب في كربلاء وراقب عن كثب ما يعانيه المناضلون من تعذيب وأساليب همجية في التحقيق من قبل أوباش الحرس القومي . حيث تم تحويل المكتبة المركزية في كربلاء إلى مقر للتحقيق وتصفية المناضلين بالتعذيب، كما حدث للشهيد عبد ألآله الرماحي حيث تمت تصفيته في نفس يوم اعتقاله وغيب جسده الطاهر . ومن المكتبة في آذار 1963 كتب والدي أحدى قصائده (قولي لأمك) التي تصف تعذيب المناضلين وكيف تحولت المكتبة من رمز للعلم إلى رمز للقتل والحقد والتعذيب الوحشي. للأسف لم أجد هذه القصيدة بين مخطوطات الوالد الشعرية فقد بعث بها لوالدتي من المكتبة العامة عندما أستدعي للتحقيق عدة مرات وقضى فيها أسابيع وهو يراقب ويتألم للمشاهد القاسية. وسبب ضياعها كما أعتقد إن الوالدة لم تحتفظ بها خوفا من وقوعها في أيدي الأجهزة الأمنية كما أن الوالد نسيها أو تجنب تدوينها في مخطوطاته أو أنها اختفت مثلما أختف بعض كتبه من المكتبة. وأدناه أسجل بعض ما أسعفتني به الذاكرة من أبيات متفرقة لهذه القصيدة.

قـــولي لأمك
قـولي لأمــك أنـني . . . . . . أقضي الليالي في عذاب
ويحوطني حـرس غلاظ . . . . . . في بنـادقهـم حـراب
وإذا سـجى الليل الثقيل . . . . . . كأنه يـوم الحســـاب
هوت العصي على جلود . . . . . . الأبـرياء من الشـباب
فيعلقــون ويعـذبون . . . . . . مجـردين من الثيــاب
. . . . .
أسـفاً لـدار العلم بعـد . . . . . . العـلم تغـدو للعـذاب
غرفاتها تحوي السلاسل . . . . . . لا المطــالع والكتـاب
. . . . .
نيرون عاد بك الـزمان . . . . . . لكي تشـيع بنا الخراب
. . . . .
والحـق أكبر أن يداس . . . . . . وأن يمـرغ بالتــراب


واستمرت معاناة الوالد والعائلة في العهود التالية، وسجن في أيام العهد العارفي الأول، وبقي مفصولا طوال حكم الأخوين العارفين رغم محاولاته للعودة للوظيفة. بل أن أجهزة ألأمن العارفي أتهمته اتهامات باطلة، وكانت تراقبه وتستدعيه للتحقيق وتهدده وتعتقله من حين لآخر.
وعاد النظام البعثي مجددا عام 1968 لابسا جلبابا وطنيا وتقدميا لخداع السذج من أبناء الشعب ليبدأ مرحلة جديدة.ولكن سرعان ما يكشف عن حقيقته، فالقتل والتصفيات الجسدية والتفنن بالتعذيب هي خلايا دمه التي تروي شرايين البعث العراقي وتمده بالحياة. وعاني والدي من اضطرار أبنائه وأصهاره للهرب من الإرهاب الصدامي بعد الهجمة الشرسة على الحزب الشيوعي وأنصاره عام 1979 بينما هو وبناته تعرض للاستجواب والتهديد لعدم الكشف عن بقية أبنائه الهاربين. وكتب خاطرته الشعرية (أطياف بغداد) يوم الجمعة المصادف 06/08/1982:

أطياف بغـــداد

بغــداد. أيـن أحبتي . . . . . . أشْـمَّتِ فيي عُـواذلي
شـطَّ المزارُ فليتَ لي . . . . . . بغـداد جنحَيْ أجـدَلِ
أطوي بها تلك المسافا . . . . . . تِ البعيـدةَ ليـتَ لي
لا تعذلوني وافهمـوا . . . . . . أينَ الشجيَّ من الخلي
* * *
أينَ الليـالي الزاهراتُ . . . . . . وأين زهـو المحفـل
نتناوب السمـرَ اللذيذَ . . . . . . مع الحديث المرسَـلِ
ما بين (فاروق) الوفي . . . . . . وبينَ لطف (أبي علي) (1)
قلب الزمــانُ مِجنهُ . . . . . . وعدا عليَّ بمعــولِ
وآهارَ آمالي العـذابَ . . . . . . وصفـو عيشي الأولِ
والليـل طــال مقامه . . . . . . فمتى بصبـحٍ ينجلـي



وعاني من الوحدة بسبب شراسة النظام الصدامي، وقضى أيام حياته الأخيرة محتجبا في داره احتجاجا على شراسة النظام وأساليبه المخابراتية. فيكتب خاطرة شعرية في 01/05/1986 لأبنته الكبرى يبثها ألم الفراق والوحدة ويوصيها فيكتب:

إليك يا أم علي(2)

تجاوزتهـا سـبعين كل سهــامها . . . نفذن الى صـدري فادمين لي قلبي
ولم أجـد الآسي ولم أجـد الــذي . . . يواسي إذا اصبحت في مأزق صعب
عديني يا أحـلام إن حان موعـدي . . . بأن تجلسي يا لـُب قلبي إلى جنبي
ولا تتـركيني بـين أيـدٍ غــريبة . . . فقـد عافني من قـد حببت بلا ذنبي
وقــد أنكـروا حبي وكل متاعبي . . . . فصرت غريب الدار والأهل والصحب
أنا الوالـد المحـروم من كل متعةٍ . . . . بابنائه في حـالة الجـدب والخصب
بنية اني عـشت العمــر معـذبا . . . . وصبري أراني المـر كالمنهل العذب

ورغم كل هذه المعاناة نجد أن والدي يتحدى وسائل النظام الصدامي وإرهابه فيرفض الخنوع والأسلوب الصدامي في أخذ صك الإذلال والطاعة من الشرفاء ويؤكد إصراره على الحفاظ على كرامته مهما كان الثمن، ويتحمل كل هذه الضغوط بالرغم من شيخوخته وما جلبته له من أمراض. ويدون في مخطوطاته مجموعة رباعيات عبارة عن خواطر شعرية تلخص تجربته ومواقفه ومعاناته أختار منها ما يناسب لهذه المقدمة. فيكتب في 09/05/1987:
ما كنت بالخـانع يـوما إلى ...... من يُقسِرُ الناس على طاعته
كرامتي أفضل من عيشـتي ...... لـذاك لم ارجُ نـدى راحَتهِ

أو يتحدى الدهر وهو يرمز بذلك إلى سطوة النظام الصدامي، فيكتب في يوم الثلاثاء 19/11/1988:
أنا أقوى يا دهـر منك لأني ...... لست أخش ما قد لقيت وألقى
قد تجرعت مُرّ صبري مرارا ...... حين هـاجمتني بعنف لأشقى

ويعود مجددا ليؤكد إصراره وقناعاته بالمثل والأفكار التي آمن بها، فينشد مخاطبا الدهر الذي سلط طاغية على رقاب الشعب، فيدون في يوم الأربعاء 18/12/1988:

حاربتني يا دهر حتى لقد ...... أبعـدت عني كل أحبابي
فلم أقل رفقا وما هالني ...... إن استبدتْ بي أوصابي


ألناشر
محمد علي الشبيبي
ألسويد 2009-09-15

الهوامش
1- فاروق هو فاروق العزاوي زوج شقيقتي نوال، أضطر إلى مغادرة العراق بعد أن نقل من التدريس في ثنويات بغداد إلى أحد معامل الطابوق في نواحي العمارة لرفضه التعهد خلال حملة تبعيث التعليم السيئة الصيت.
أبو علي هو المهندس حسين عبود زوج شقيقتي الكبرى أحلام، وقد أضطر لترك عمله وأشغاله في الوطن بسبب مضايقات أجهزة السلطة الصدامية.
2- أم علي هي شقيقتي الكبرى أحلام وكانت مقيمة مع زوجها في الكويت وتتردد من حين لآخر لزيارة والديها وشقيقاتها، وتميزت بحنانها وعطفها منذ الصغر.
* * * * * * * * * *

إلى أبي صبيح (جعفر الشبيبي)*

إليك عمّ شكاتي فاسـتمـع وأجب . . . . . . ولا تكن معرضا عني وكن سـندي
وان تقـل جئتموا ما ليس يعجبنـا . . . . . . فالحــر لابـد أن يشـقى بمعتقد
(وان سـر الحيـاة المسـتكن بنا . . . . . . صفية من صفـايا الواحد الأحد)(1)
(فمن جـدودي لآبـائي الألى لأبي . . . . . . اليّ ذاهـبة مني إلـى ولــدي)
إن لم تكن لعظيمـات بنـا نـزلت . . . . . . فذلكم لم يكن في مسـتطاع يـدِ(2)
أراد فرعون والخـلاق ســاعده . . . . . . كيما يرى صبر موسى وهو ذو جلد
فكان ما كان مما لســت اذكـره . . . . . . إلا لظى حـرق تـزداد في كبـدي

29/12/1949
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- في 29/12/1949 هيأت أبياتا ضمنتها رسالة إليه عن أمر يخصني. ولكني تذكرت كم كان يلوّح لي بما يدور من إشاعات حول نهجنا السياسي، ويبدي شيئا من اللوم والتذمر. فعدلت عن تقديم الرسالة.
1- الابيات المقوسة للشيخ محمد رضا الشبيبي
2- إشارة الى حادث إعدام شقيقي حسين وعدم تدخلهم في أمر إعدامه!

* * * * * * * * * *

خاتم الذكرى*
يا طلعة البــدر . . . . . . وبسـمة الفجـر
يا نغم الشـادي . . . . . . وسـجعة القمري
يا بهجة العمـر . . . . . . يا أرج الزهــر
يا حلم العـذراء . . . . . . وحبها العـذري
و قيت من شـر . . . . . . نعمت في خيـر
وعشـت في أمن . . . . . . من كل ذي غدر
للحسـن الزاكي . . . . . . والأنجم الزهري
قلوبهـا حـامت . . . . . . ترف كالطيــر
عليك يا عنـوان . . . . . . آمالهـا الغــر
* * *
خذ خاتم الذكرى . . . . . . يا طيب الذكــر
قد صيغ من شعر . . . . . . وليس من تبـر
تـزري معـانيه . . . . . . بالمـاس والـدر
وكلمـا أرجــو . . . . . . أن تقبلوا عذري
فأن تقصيــري . . . . . . من نكـد الدهـر
أني في دنيــاي . . . . . . يا عم لو تـدري
أنـوء من حملي . . . . . . بوطـأة العسـر
مجتمــع الالام . . . . . . مشـتت الفكـر
الشوك في دربي . . . . . . والهم في صدري
أن أوهنت جسمي . . . . . . قاصمة الظهــر
وأوجعـت قلبي . . . . . . حـوادث الغـدر
فسوف لن أغفو . . . . . . يوما عن الثـأر
09/01/1950
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- بمناسبة عيد ميلاد الطفل (الطبيب اليوم) علي حسن الحيدري. وقد كنت جارا له في الناصرية أنذاك
* * * * * * * * * *

حســرات
إلى آي أحيـاني يـلاحقني دهــري . . . . فيدفع في صـدري ويطعن في ظهري
تـقـاذفني أمواجـه دون رحـمــة . . . . ولكنهـا ما أوهنت قـط من صبـري
فـوا حسـرتي ولى شـبابي ولم أنل . . . . من العيش إلا ما يضاعف في عسـري
ولسـت الذي يـشكـو إذا مـسه أذىً . . . . ولست الذي يبكي من البؤس والفقـر
ولسـت الذي يخشى الحيـاة لما بهـا . . . . من الموجعات القلب أو قاصم الظهـر
ولسـت الذي لم يـدري ماذا يحـوطه . . . . من الناس ممن فاق ذا الناب والظفـر
ولسـت الذي لم يـدري إن مصـابه . . . . مصاب ملايين تلـوى على جمــر(1)
مشـــاكلهــا بعض ببعض تداخلت . . . . وضاعفهـا أهـل المطـامع والغـدر
وطبقت الآفـاق ســـود غيـومهم . . . . ومنهـا هـزيم الرعـد ينذر بالشـر
أجـل لسـت من هذا فأني على هدىً . . . . بان مصيـر العـالميـن إلى خيـر(2)
وان أخا الاطمــــاع أقلــق باله . . . . تيقظ هذي الناس من مطلـع الفجــر
فهــاج هيـاج الــوحش أدرك أنه . . . . سيسحب رغمــا من نواصيه للثـأر
ويتلى عليه ما احتــــواه كتــابه . . . . من الموبقـات المخـزيات ومن نكـر
وتحصــى له آثــامه وذنــوبـه . . . . فيفهم ما يــوم القيــامة والحشـر
ويعـرف أن الأرض يورثهـــا الذي . . . . يراها لمن ذاقوا أذى الظلم والضـرِّ(3)
وداعا شـبابي فيـك لم ألــق راحة . . . . عسى أن أراها في الذي ظل من عمري

14/01/1951
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تتلوى حذفت منها التاء الاولى وهذا جائز.
2- هذه عقيدتي في مسيرة الحياة. وهي ليست عقيدتي وحدي إنها عقيدة كل الذين يدركون إن الحياة في حركة دائبة وتغير مستمر وتبدل دائم من حسن إلى أحسن أو من سيء إلى حسن. ومخدوع غبي من اعتقد إن دولاب الحياة يمكن يوقفه جبار مثل فرعون أو نيرون أو هتلر، أو أي حقير تأخذه نشوة الحكم فيحيد عن جادة لصواب ليسير بالناس وفق أطماعه وشهواته.
لقد تحقق شطر ما توقعت وهوى عرش فيصل وعبد الإله ونوري السعيد ومثل خدم الاستعمار أمام محكمة الشعب للحساب وهم أذلاء واعترفوا بما ارتكبوا وطلبوا العفو صاغرين فهل يتعظ الباقون!؟.
3- إشارة إلى مضمون الآية الكريمة : (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في لأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). سورة القصص آية5.

* * * * * * * * * *
ألناشر
محمد علي الشبيبي
ألسويد 2009-09-20
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو


.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال




.. الفنان محمد الجراح: قمت بالكثير من الأدوار القوية لكنها لم ت


.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ




.. باراك أوباما يمسك بيد جو بايدن ويقوده خارج المسرح