الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 3 - -الخلوة- بسعاد

حامد مرساوي

2009 / 9 / 21
سيرة ذاتية


عندما يشتعل فتيل الحب، كما لو سينتهي إلى قنبلة تنفجر بعد هنينة. وكأنما سلوك المحبين اليافعين/المراهقين، تجاه بعضهم، ليس سوى أحد الوجهين من العملية نفسها. هم أولئك الذين ألصقوا قطع الغير لاستكمال شروط الاشتعال على مدى زمني قريب، بل داهم. وهم أولئك المستهدفين بالتفجير نفسه. لكن الدور الغريب العجيب للمحبين، كونهم بالضبط في العملية المعتدون والمستهدفون في نفس الوقت.
فكأنما جدل العمر الذي يمتد في الزمن الاجتماعي، كما لو كان عروق الجذور التي تمتد فتخترق كل بنيات ومسام التربة الاجتماعية. بما فيها حدود الوحدات الاجتماعية وما يلفها من أغلفة النفسية والذهنية والعقلية ترسمها التقاليد وتتسم بمياسم العرف وتضاريس المستحب والموتور والجائز والمكروه والممنوع، ليشكل توتر الرغبات مع السلوك الموروث ليخرج في حلل الإرادات المتنطعة للمحبين، من حيث لا تحتسب العائلات والصداقات والأبنية والجدران حتى...لتجدهما مندسّيْن داخل المنزل وحديهما. لم يفكرا قط في ممارسة الجنس مع بعضهما ولو مرة ولو في ارتداد الطرف يوما ما. لكن الإصرار على أن يضمهما مكان واحد مغلق عندما ترد الرغبة مرة، ذاك ما لم يكن في مقدور أحد أن يلغيه من إصرارهما. هو الحب. هي يافعة ليست أكثر وهو مراهق في فوهة الأسئلة الوجودية كلها. المفتوحة على كل الينابيع التشككية. ليبقى الحب القيمة الثابتة في وجه الكل. أمام النفس وأمام الغير. وما بينهما تلك الجميلة الحبيبة التي تمتد من خارج الذات والتي تخرج من الذات نفسها كل لحظة عبر الخيال.
كان مدمنا عليها بمخيلته لا تلبث تدق عليه لتدخل لحظته كما لو كانت نفسه. كما أفراد العائلة وأكثر. كانت نفسه وأكثر. تأخذ له من نفسه. وتأخذ من واجباته العائلية كأن يتأخر قليلا عما توصيه به أمه كي يتمكن من رؤيتها حتى... كما تأخذ من نفسه ذاتها عندما يمتنع النوم عن مغالبته لقوة حضورها في مخيلته قبيل النوم بدرجة اعتذار النوم ورجوعه القهقرى ريثما يستنفد الانشغال بها كما الواجب الديني مع القليل من الخشوع على ملامحها الملائكية. حاجباها، ضفيرتها، ابتسامتها، أنفها، نحافتها، دخولها إلى المنزل، خروجها منه. طرقة "سقطة" الباب المعدنية.
لم أعرف سوى بعد 37 سنة من أناملها عبر الإيمايل، أن "امي رحمة" لم تتركها تخرج من المنزل سوى بعد التأكد من ملابسها الداخلية. كتبت في الإيمايل: "إن أمي رحمة ما كانتشي كتعرف القيمة ديال ولدها واحترامه لحبيبته كيف احترامه لنفسه...."
ذات "خلوة" بين اليافعة والمراهق، كانت الأم كعادتها، ذهبت عند الأصهار، والأب كعادته رفقة السي قاسم في الدكان. دون أن ندري أصبح معاونا لصديقه الحميم في أشغال التجارة. موعد رجوع سعاد من المدرسة بعد انتهاء حصة بعد الزوال لا تزيد عن موعد الاستراحة، أي منتصف حصص المساء. أتهيأ لاستقبالها، مباشرة بعد ظهور بعض صديقاتها من وراء المنعطف. بعض المرات تكون تلك اللحظة مصدر قلق ثم يأس. بسبب اتفاق أمها الحاجة معها على المرور رأسا عند بعض الأقارب. كان يسقط في يدي، فالحقنة اليومية من النظر إليها لا أتمكن من أخذها. كنت حقا مدمن عليها، في حصص معينة من الخدمات التي تقدمها البنت الوحيدة لأمها يوميا: من الخبز إلى الفران ذهابا وإيابا، إلى المدرسة إلى الحانوت، وعبر كل ذلك، حصة الحبيب في النظرة والابتسامة والسلام باليد بين الفينة والفينة، بل افتعال الحضور خصيصا، عبر الإكثار من علامات المرور والحركة، وافتعال المبررات لتبادل المودة أو الخنج والدلال، المهم بدل الجهد/الحب، لتقوية أواصر العلاقة الخاصة، كما لو ينتهي كل واحد من الإثنين إلى قناعة وحيدة، كونه خلق لغاية واحدة كونه رهين الحياة بوجود توأم روحه.
تلك "الخلوة" في السن المبكر لم سوى تفعيل مركز في الوقت وفي المكان، لذاك الجوار في السكن، الباب في الباب، كما يقول المغاربة. وبالتالي، كان بمثابة سلوك الكائنات الحيوانية التي تسعى إلى رسم المجال الترابي لنفوذها بأبعاده المادية المرتبطة مباشرة بإنتاج وإعادة إنتاج الحياة، بتعبير مورغان وأنجلز واسبنسير، مما يفسر التلازم النفسي ما بين تذكر لحظة الخلوة بسعاد في المنزل بمفردهما وبين توارد رائحة جسدها الطفولي، كلما اشتغل الخيال على تلك "الخلوة".
جالس على السدّاري، وسعاد بدورها واقفة أمامه...قربها منه حتى جلست بجسمها النحيل على ركبتيه، ثم لم يتمالكا إلا وقد استعادت وقفتها. لذلك كان استراق رائحة جسدها عبر الأنف أبهى ما تملكته الذاكرة من تلك "الخلوة" الطفولية المبكرة. فرحان حائران بنفسيهما لا يعرفان كيف يبرمجا اللحظة الخاطفة التي لا تكاد تبتدئ حتى تنتهي. لكن تنتهي؟ الإجابة فورية وكارثية على إحساس كل واحد منهما....إحساس الحصلة النهائية وما لا يعرف من وخيم النتائج...المجهولة المصير وآثارها المدمرة لسيرة الحب الاستثنائية بملموسيتها على عكس الرومنسيات المجردة عن بعد، مما كان الزمان في المجتمع المغلق يجود به من أحلام منفصلة بين المحب والمحبوب...دون التأكد من تبادل المشاعر أو ما إذا كانت الغراميات من باب الخدمة لله آبلحمدوش؟
فالخلوة الجميلة كدقات قلب توقف فجأة. أو كلحظة وعي بكينونة خاطفة في الجنة، سرعان ما أصابتها نيران الذهول من إصرار "الدق على الباب"...رجعت الأم. تعيد طرق الباب. يسيطر الخوف على دماغي الحبيبين. يخرجان من "البيت" نحو السطح. يخفق القلبان مع ارتفاع درجة الخوف. على الدرج تفقد أعصابها وتؤكد وتردد: "نخرج بحالي، نخرج بحالي دابا، خلليني نخرج" يستعطفها لخفض الصوت وبالصبر لربح الوقت ريثما تمل الوالدة من الطرق فتبتعد عن الباب ليرى ما إذا كان في الإمكان الإفلات من "الحصلة".
تختلط اللحظة وتنقلب الخلوة إلى رجة نفسية يخنق فيها نفوذ المجتمع الأسري أنفاس الحب الثنائي العذري حتى. مع الاعتقاد أن الأم غادرت الزقاق، تبقى الأخت الكبرى فقط. إذن فتح الباب ممكن، ستخفي الأخت عن الأم. لكن، كيف حدث أن وجدت في المكان كلتاهما معا؟ كما لو أني تركت سعاد في كنف الأخت. لكنني عاينت جزءا من التوتر الأولي...في ذهني أن الأم اتجهت رأسا نحو المنزل المجاور لإخبار الأسرة الثانية بالنازلة. لكنني لم أعلم قط بالتفاصيل.
أما الكرامة الشخصية الملازمة بشرعية الحب والحق فيه، فقد كانت سببا في غضبة كردة فعل، تكون النتيجة التفكير السوداوي في المبيت خارج المنزل تحت شجر حديقة للاأمينة بالعدير. كانت المعاناة مع الخوف من الكلاب ومع طول الليل البهيم ولما انبلج الصبح كان المشي وسيلة لمغالبة ما تبقى من الزمن الممل.
والمشي ثم المشي، على الساعة الحادية عشرة صباحا، رأيت "الوالدة" ربما في الطريق إلى البحث عني في منازل أقارب محتملين. والمبيت في العراء كان جزءا من العناد من أجل قضية الحب وشرعية "الخلوة" العذرية مع سعاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟


.. مسؤولون أميركيون: إسرائيل عقبة أمام مستقبل المنطقة.. فهل تُغ




.. الردع النووي ضد روسيا والصين.. الناتو ينشر رؤوسا مدمرة | #مل


.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات وسط حر شديد | #رادار




.. شبكات | 20 لصا.. شاهد عملية سطو هوليوودية على محل مجوهرات في