الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..

حبيب هنا

2009 / 9 / 22
الادب والفن



7

دُمرت علاقتي مع " غادة " و” لينا “في آن واحد . " غادة " دخل حياتها رجل غيري استحوذ على المكان الذي كنت أشغله ، دون أن تعلن ذلك بوضوح ، ولكني عرفته على نحو يصعب معه حسم الشك باليقين ، غير أن سلوكها معي بات مختلفاَ عما ألفته من قبل . كانت تقابلني بفتور وتوجس ، وفي عيونها نظرة عتاب تغازل الأفق وبقايا مرحلة قديمة، كما لو أنها تتنصل من قصة حب عابرة تورطت فيها ، فاستنفذت كل ما يمكن أن يقال .
وحين سألتها ذات مرة عن سبب التغير ، قالت :
- ليس لدي ما أعطيه لك أكثر مما أخذت !
- والذي كان بيننا ..
- لم يكن سوى بعض قبور شهداء ، واحتضان بين الأضرحة ، هرباَ من الخوف ، وأملاً في المستقبل ..
- فقط ؟
- ليس تماماً !
و "لينا " ، تسللت إلى أعماق جرحي ونفذت إلى نقطة ضعفي في الوقت الذي كنت ما أزال أعاني من أزمة العلاقة مع " غادة " ، وكأنهما وجهان لوسادة واحدة ، تحتار أين تضع رأسك عندما تصاب بالأرق .. حاولت ابتزازي في كثير من المسائل والمواقف ، ولما كنت اصطدم معها ، كانت تنصّب عليّ بالعتاب :
- تدّعون الديمقراطية وتمارسونها مع الناس وتحرمون بيوتكم منها .. !!
- لك ما شئت !
- أنتم أيها التقدميون تعملون في كل الحقول ، أما أرضكم فلا تكلفون أنفسكم عناء توفير الأسمدة لها ، والأيدي العاملة المتمرسة . !!
- غداً يكون كل شيء على ما يرام .
- تقفون إلى جانب المرأة وتدافعون عن حقوقها أمام الرأي العام ، أما في الخفاء فتظلمون نساءكم وتحرمونهن من أبسط الحقوق .
- لك أن تسافري وأنا سأقوم برعاية الأطفال إلى أن تعودي ..
- ليس لك أن تذهب وحدك في اللقاءات التي تشارك فيها المرأة .
- وليس لي أن أتحمل كل هذا الظلم دفاعاً عن الديمقراطية ، والتقدمية ، ومساواة المرأة بالرجل ، وما إلى ذلك …
صحيح أنني ضعيف أمام النساء ، ولكن ليس إلى حد فرض آرائك عليّ،وكأنها مسلمات بديهية ينبغي عدم مناقشتها … أو لعلك اكتشفتِ تدمير علاقتي مع " غادة " فتحاولين الآن السيطرة عليّ .. تسعين إلى امتلاكي نهائياً ، لا بغية الحفاظ عليّ بقدر ما هو رغبة في بقاء رأسي مدفوناً بين ضلوعك ، حتى لا ترى وجهي أية امرأة أخرى ، و تهيم بوسامتي وحسن كلماتي ، التي أعرف كيف أنفذ من خلالها إلى القلب ، فالروح ، كي أغرس نفسي في أعماق مشاعرها ، فلا تقوى على الفكاك مني .
- ها أنت قلتها ، تغرس نفسك في أعماقها بعد أن تكون قد اقتلعت جذورك من أعماقي !
- لا تحاولي تسطيح المسألة بهذه الصورة السخيفة . فلولا " غادة " لما اشتعلت نحوك كعود ثقاب ينتصب أمام فوهة بركان ، ولما جددت نفسي وأعدت إنتاجها بما يكفل الاشتهاء الدائم ، لَـكنَّ أنتنّ الاثنتين ..
على أية حال ، لا أحد يعرف كيف تنسجن خيوطكن انتن النساء ، ولكن هاهي شباككن منصوبة ، قائمة ، تترصد الصيد . لقد أصيب جسدكن ، منذ سنوات ، بكل الأمراض بما فيها الغيرة ، وحقنتموه في نهاية المطاف بمصل يقوى المناعة ، ويعزز السيطرة على الروح التواقة للانعتاق ، ويدجنها . إنه قانون التشبث بالمصالح الذي يجفف العروق ويمنع الدماء من الوصول إليها عندما تكسر عصا الطاعة .
لم يعد بوسعكن معرفة ما ينبغي فعله . تهاوتُ حبات المسبحة ، وبات من الصعب تجميعها ، أو إعادة نظمها في خيط كما كانت عليه ، رغم المحاولات المتكررة .. َقدّمُتنَّ ، من خلال الوجه الحسن ، صورة كل الحسناوات على أجمل ما يكون ، عندما كنتن بحاجة إلى ذلك ، تحدثتن باسم المساواة عن الظلم الواقع عليكن ، و باسم الديمقراطية عن حرية المرأة ، فظلمتن الرجل ، وباسم التقدمية عن وجوب مشاركتكن في الحياة العملية أسوة بالرجل ، فأدخلتن الرجال جميعاً إلى مستشفى لم يكتشف جميع الأطباء العاملين فيه ، حتى اللحظة ، نوع المرض الذي يغزو كيانهم ، ويمنعهم من الشفاء العاجل .
هُيّئ لَكُنّ ، أن المرضى مصابون بنوع خاص من المرض ، فيما تبين لاحقاً عكس ذلك ، تبين أن الرجال أكثر ولعاً بالكذب منكن ، وبمحاكاة اللحظة والتشبث بها . !!
قلتن : كفاكم أيها الرجال ، إما أن تسيروا في المقدمة ، أو تتركونا نسير أمامكم .
قلنا : إما أن تلتزمن البيوت ، وإما أن تملأن حقائبكن بالحجارة .
قلتن : اعتقونا ، أو اجعلوا العصمة في أيدينا . !!
قلنا : أنتن ناقصات عقل ودين . !!
قلتن : تتهموننا بالنقص في العقل والدين ، وأنتم تشاهدون كل الأفلام الخليعة في ( قناة إسرائيل الثانية) .
من أنتن أيتها النساء ، تلعبن بكرة تنس بين مضربين ، فتشددن نظر الرجل إلى متابعة الكرة بعينيه أينما ذهبت ، فلا يقوى على التركيز على اليد القابضة على المضرَب ، ولا على الكرة المتطايرة في الاتجاهين .. !!
لِمَ أنتن هكذا ؟ هل لأنكن تفرعتن من أصلنا ، من ضلعنا ، تشعرن بحاجتنا إلى أعادتكن إلى أجسادنا ، إلى صورتكن الأولى ؟ أم لأنكن لم تنبثقن على صورة واحدة ، فغدوتن مختلفات ، منكن المليحات ، الجميلات ، الجذابات ، ومنكن القبيحات ، المنفرات .. ولكن حتى هذه ، فيها منا من الوصف ما يكفي ..
أما أن تهدموا حياتنا (وهذا مستحيل ) كما هدم شمشون المعبد ، أو كما يحاول البعض هدم وقار الشهيد وبيع هيبته مقابل حفنة من الوعود ، سيعمق الفجوة ، ويزيد العلاقة حقداً و كراهية بينكن وبين الرجل الذي ليس بوسعكن أن تعشن بدونه ، كما هو الحال بين من يملكون حقائب الوعود وبين من لا يملكون سوى كمشة تراب ، غير مستعدين في أية لحظة ، ذرها في الريح مهما كان الثمن . !!
احذرن اللعب على ضفاف الاشتعال ، خشية أن يصيبكن اللهب ، أو غزل الموت الذي لا يميز بين المرأة والرجل ، فتصبحن كمن أراد الهرب من المعركة خوفاً من الموت ، فأصابته الرصاصة في الظهر ومات من فوره .. !!
إذن ، دافعن عن حقوقكن ،ولكن لا تسلبن الآخرين حقوقهم .. لا توهمن أنفسكن أنكن تعرفن كل ما تقلن ، في وقت لا تعرفن فيه كل شيء عما تقلن ! لأنه ، والحالة هذه ، يغدو للمصالحة التاريخية دورها الغاشم ، مما يحمل السؤال على الانتصاب في وجه الإجابة : لماذا تحطمي العلاقة معي يـا " لينا " في الوقت الذي تحطمت فيه مع " غادة " ؟
- اعتراني شك بأن حبكما وَهُمٌ وليس حقيقة فسعيت إلى تحطيمه
- بل لأنك رأيت بعينيك كيف طوقتٌ " غادة " بهالة صوفية
وجعلتٌ منها معجزة النساء بين أضرحة القبور ، في وقت كانت فيه ما تزال صغيرة على هذا الدور !
- وبحاجة إلى الإجابة على السؤال : هل هي فعلاً هكذا ؟
أنك ألبستها ثوباً فصلته خصيصاً كي يلائم مقاسها ، فصارت من فورها كما رسمتها ، وكما رغبت أن تكون !










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال