الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يَعني أن تكون مختلفاً؟

أدونيس

2009 / 9 / 24
الادب والفن




(حوار مع صديقٍ روائي)

- 1 -

- دائماً، تثير الخلاف؟

- لكن، ما يكون الفكر الذي لا يُثير خلافاً؟ ما يكون فكرٌ لا يُنتج إلا الإجماع؟ أَلَن يكون نوعاً من التسوية أو المصالحة - في «تمذهُبٍ» آخر؟

الفكر، إن كان جديداً وخلاّقاً، ينتج بالضرورة اختلافاً، وينتج من يخالفونه.

المشكلة في الثقافة العربية لا تنحصر، مع ذلك، في مجرد الخلاف. المشكلة هي أن الإنتاج باللغة يُنظر إليه، عندنا، كما لو أنه إنتاج باليد، كما لو أنه «عمل». إن كان عملاً تُقرّه «الجماعة» فهو «صالح»، ولو كان «فاسداً» - شكلاً، ومضموناً. وإن كان عملاً لا تقرّه «الجماعة»، فهو «شرٌ»، ويُنظر إليه كأنه عملٌ «جُرمي»، ولو كان «صالحاً» - شكلاً، ومضموناً. وفي هذا لا تميز الجماعة بين شخص القائل وقوله. فإذا رفضت قوله، رفضت شخصه.

هنا، في الجماعة، في بنيتها، يكمن العنف. وهنا يكمن سِتر النزوع الى «الإرهاب» - إرهاب «المخالف»، «المُضاد».

وعلينا، إذاً، أن نسأل أولاً: ما «الجماعة»؟ ما «حقائقها»؟ وما «معاييرها»؟ وهو سؤالٌ يكشف لنا أن «الجماعة» تُخطئ، وأنها لا يمكن أن تكون معياراً معرفياً.

العقل هو، وحده، المعيار المعرفيّ.

وليس هناك عقلٌ «جماعيٌّ» أو «جَمْعي». وإنما هناك «اتفاق» بين الجماعة، أو «تواطؤٌ» أو مُعتقدٌ». وهذه كلها لا يُعتدُّ بها، ولا يُعتمد عليها، في كل ما يتعلق بالحقيقة والمعرفة. الجماعة هي، تحديداً، مسألة سياسية وسلطة، وليست مسألة حقيقة أو معرفة.

- وما يكون هنا شأن الآداب والفنون والعلوم؟

- هو أن النضال من أجل حرية الإبداع والكتابة جزء لا يتجزّأ من النضال لتحقيق الفصل الكامل بين الكتابة وإنتاج المعرفة من جهة، والسياسة والسلطة من جهة ثانية.

- في هذا الإطار تصف الثقافة العربية السائدة بأنها ثقافة «جماعة»، يرث فيها «الإبنُ» «الأب»، بحيث «يُولَد الابن أباً»، كما تقول. هل يمكن أن نُفصّل قليلاً، من الناحية الثقافية، هذين المفهومين: «الأب» و «الإبن»؟

- في نظام القيم العربية الموروثة ما يُمكِّن الأب من أن ينكر ابنه، إذا لم يكن مثله: يُكمِله، يتابع مسيرته، فيما يرثه - مادياً، ومعنوياً. كأن الإبن لا يوجد إلا بوصفه أباً. أو كأنه غير موجود ثقافياً إلا بوصفه «كلمة»، أو «فكرة». وفي ذلك سرُّ الإعلاء من شأن الذكورة، مقابل الأنوثة.

عنما نقارن، من هذه الزاوية، بين الموروث اليوناني - الغربي، والموروث العربي - الإسلامي، نجد أن الإبن في الأول هو «القاتل»، باللغة النفسية الفرويدية، بينما نجد أن الأب في الثاني هو، على العكس، «القاتل».

ولئن كان «القتل» في الموروث الأول عملاً مقصوداً للتوكيد على الإبداع والتجدد، فإن القتل في الموروث الثاني عملٌ مقصود للتوكيد على الاتّباع والتقليد.

هكذا نرى أن الأب العربيّ قاتلٌ لابنه على مستويين:

1 - مستوى التمسّك بسلطته قوية مستمرة منبعثة حتى بعد موته في ابنه الذي يتماهى معه،

2 - مستوى الحرب «القاتلة» ضد من يناوئ هذه السلطة، أياً كان، ولو أنه «الأم» ذاتها.

- كأنك تؤكد على أن الإبداع، بوصفه إعادة بناء للعالم، قائمٌ أساسياً على إلغاء التماهي بين الإبن والأب، أو على «قتل» الأب، باللغة الفرويدية.

- دون ذلك، لا تكون الثقافة إلا تنويعاً على ثقافة الأب، إذا لم تكـــن تكراراً. ولا يكون الحاضــر إلا شكلاً آخر للماضي. وفي ما يتعلق تحديداً بالثقافة العربية، يتواصل كما نرى اليوم تقديم «الوظيفة» على «المعنى»، و«المنفعة» أو «الفائدة» على «الجمال»، و«المسبّق الجاهز» على المُبتكَر الغريب.

- هل نجد في هذا الحرص على المماهاة بين الأب والإبن سر الحرب على «قصيدة النثر»، مثلاً، من حيث أنها ليست «إبناً» لقصيدة الوزن، ولا تتماهى معها؟

- طبعاً. ولهذا يسمّيها بعضهم «دخيلة» أو «لقيطة» أو «أجنبية»... الخ. وهي، إذاً، في رأي هؤلاء، نوعٌ من الفساد والإفساد، أو نوعٌ من «تخريب» التراث.

لكن يجب هنا أن نُشير الى أن ثقافة «الأب»، شعرياً، عند العرب، أعمق وأوسع من أن تنحصر أو تنحدّ في الوزن والقافية. يمكن الشاعر أن يتخلى عن عمودية الشعر العربي القديم، وأن يكتب «قصيدة النثر»، ويبقى، مع ذلك «قديماً» - غارقاً في العالم الثقافي الذي تنتمي إليه القافية والوزن.

التخلي عن «عمودية» القديم، يفترض رؤية عمودية جديدة وخاصة للإنسان والحياة والعالم. وهو ما نفتقده عند معظم الذين يكتبون، اليوم، «قصيدة النثر». يفترض، بعبارة ثانية، انقلاباً معرفياً عالياً لا يتحقق إلا بمعرفة عالية، جذرية وشاملة لتراث اللغة العربية - وهو كذلك ما نفتقده عند هؤلاء.

مُجرَّد الخروج على الوزن والقافية لا قيمة له. بحدّ ذاته. القيمة هي في العالم الشعري الذي يبنيه هذا الخروج.

أن تختلف «قصيدة النثر»، شكلياً، عن «قصيدة الوزن»، لا يعني، بالضرورة، أنها تختلف عنها، شعرياً.

وفي هذا ما يشير الى قضية بالغة الأهمية في الكتابة العربية الراهنة هي قضية الاختلاف. فما يعني، مثلاً، أن يكون الشاعر مُختلفاً؟

هذا، في كل حال، موضوعٌ شديد التعقيد، خصوصاً أنه مرتبط بالأبوة والبنوّة، وأن الابن لا يستطيع أن يقتل أباً يجهله أو لا يعرف مَنْ هو. (كيف لمن يكتب «قصيدة النثر»، اليوم أن يقتل أباه الشعري، وهو لا يعرفه، ولا يعرف لغته، ولم يقرأه؟). مَحوٌ الماضي هنا، جهلاً، لا يعني إلا شيئاً واحداً: محوَ الحاضر. خصوصاً أن الشعر فَنٌّ وصناعةٌ، واحترافٌ، ورؤيةٌ، ورؤيا، وهُيامٌ، ولعبُ، وبحثٌ، ولغةُ - لغاتٌ، ومعرفة - معارف، إضافة الى كونه طريقة حياة.

- 2 -

خواطر مؤتلفة مختلفة

- 1 -

ببساطة شديدة، نعرف الاختلاف بين الماء والتراب،

غير أننا نحتاج الى تعقيد شديد.

لكي نعرف الاختلاف بين الماء والماء.

- 2 -

قنديلُ البيت،

وقنديلُ البحر:

أيُّ اختلاف؟

الاختلاف معنى لا لفظ.

- 3 -

شبيهان متناقضان:

كلاهما إثباتٌ للآخر.

نقيضان متشابهان:

كلاهما نفيٌ للآخر.

- 4 -

المختلِف لا يحتجب:

حياته هي نفسها حجاب.

- 5 -

اختَلِفْ،

إن شئت أن تكتشف.

- 6 -

كيف يختلفُ مَن لا هوية له؟

- 7 -

كيف يختلفُ مَن لا يُشبه شيئاً؟

- 8 -

لا يختلف إلا المؤتلف،

لا يأتلِفُ إلا المختلف.

- 9 -

لا هوية للرّمل،

لكنه، مع ذلك، المختلف عن كل شيء.

- 10 -

كلّما ازددت تشبّهاً بالشمس،

ازددت اختلافاً عنها.

الاربعاء, 23 سبتمبر 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
د.لمى محمد ( 2009 / 9 / 24 - 18:30 )
الاختلاف هو: الصفة الوحيدة التي لا تحسدك الأعراب عليها..الخطوة الأولى في طريق الإبداع .. الحدث الوحيد الذي يتكرر في كل صحواتك و تدفع ثمنه مع كل مرور للتيار...تحياتي حضرة المبدع أدونيس


2 - الشبيه المختلف
واصف صافي ( 2009 / 9 / 24 - 21:33 )
يزداد اختلاف المتشابهات حين تزداد حركتها او تحافظ على ثباتها , فالمياه الجاريه تحدث اختلافا في حركتها والمياه الراكدة تزداد اختلافا بمواصفاتها كلما طال امد ركودها , حينما نعرف وندرك الاختلاف في الطبيعة ندرك وقتها ونقدر اختلافنا كبشر


3 - وجهة
عبدالله الداخل ( 2009 / 9 / 25 - 00:45 )
ما يبدو أنه سوف يحدث حتى قبل نهاية النهايات من تأريخ البشرية هو لقاء الحقيقة المطلقة بالعدالة المطلقة، وقد يتحقق هذا خلال فترة اقصر مما نتصور
ربما كان كلام أدونيس هنا في هذا الاتجاه، لكني غير متأكد من أنه يتقدم على الأولويات السياسية والاقتصادية


4 - رأي
أحـمـد بـسـمـار ( 2009 / 9 / 25 - 07:46 )
عندما نقبل اختلافنا مع الآخـر, دون أن نكفره ونحاكمه, ونعتبره لا وجود له في الحقيقة, نتلاقى مع بداية الحضارة والإنسانية, ولكن طالما ما نزال نعتبر أننا أفضل أمة في الأرض, لن نصل إلى بداية هذا الجسر نحو الآخر.. ولن نفهم ولن نقبل ما يقوله اليوم أدونيس.
يجب أن نعود فرديا وجماعيا إلى تحليل علاقتنا مع أبينا, وأكثر مع أمهاتنا, وما حفظناه منذ الطفولة من غيبيات, حتى نفهم ما يقوله اليوم أدونيس... اسعفينا يا دكتورة لمى محمد... مع تحياتي الصباحية للإثنين.


5 - لـنـبـقـى أحــيــاء
غـسـان صـابـور ( 2009 / 9 / 25 - 08:07 )
كلما قرأت أدونيس, أشعر أننا لم نمت نهائيا! لأننا أن هناك قلائل ما زالوا يفكرون. صحيح أن الفكر أصبح لدى الأنتليجنسيا العربية, مهنة, وظيفة.. وأحيانا متوارثة عائليا. ولكن من وقت لآخر, نرى أمرأة أو رجلا يخرجان من الخطوط المرسومة من قرون, ليقلقا سباتنا, ويصرخان أن نومنا الأبدي سيقودنا إلى الموت.. عادة من يقول الحقيقة نسحله.. ولكنها اليوم آخر فرصة لنا.. حتى نستيقظ أخيرا.. ونختار الحقيقة.. لنبقى أحـيـاء...


6 - رجاء التصحيح.. مع الشكر
غـسـان صـابـور ( 2009 / 9 / 25 - 08:24 )
كلما قرأت أدونيس, أشعر أننا لم نمت نهائيا! لأن هناك قلائل ما زالوا يفكرون. صحيح أن الفكر أصبح لدى الأنتليجنسيا العربية, مهنة, وظيفة.. وأحيانا متوارثة عائليا. ولكن من وقت لآخر, نرى أمرأة أو رجلا يخرجان من الخطوط المرسومة من قرون, ليقلقا سباتنا, ويصرخان أن نومنا الأبدي سيقودنا إلى الموت.. عادة من يقول الحقيقة نسحله.. ولكنها اليوم آخر فرصة لنا.. حتى نستيقظ أخيرا.. ونختار الحقيقة.. لنبقى أحـيـاء...


7 - تعديل
عبدالله الداخل ( 2009 / 9 / 25 - 18:27 )
ليُسمح لي هنا ثانية ًبتطوير الفكرة التي وضعتـُها أعلاه والتي كررتـُها في مكان آخر

ما يبدو أنه سوف يحدث في مرحلةٍ ما من تأريخ البشرية هو لقاء الحقيقة المطلقة بالعدالة المطلقة، متمثلة بالمساواة المطلقة، وقد يتحقق هذا في فترة أقصر مما نتصور، حيث يبدأ التأريخ الحقيقي؛

إذا كان كلام أدونيس في هذا الاتجاه فلستُ متاكداً أن ما يقوله يمكن أن يتقدم على الأولويات السياسية والاقتصادية
sociopolitical priorities


8 - أدونيس- المُختلِف المُـنصِف
رياض الحبيّب ( 2009 / 9 / 26 - 10:18 )
لقد أنصفتَ باختلافك عسى أنْ يُنصفك المختلف
ليت المُـنصِفين بعـدد المختلفين

شكراً للمختلف-المُـنصِف أدونيس


9 - الآخر
منتظر ( 2009 / 9 / 26 - 18:00 )
منذ الازل هنالك شخص واخر مختلف ولكن المشكلة هي في كيفية تعامل الشخص مع المختلف فالكل يعلم ان قضية الاختلاف بدات منذ احس قابيل انه مختلف عن هابيل فقتله...قتله عندما لم يجد هناك شيئا يعبر به عن ذاته غير القتل فما كان قابيل يجيد لغة الحوار اذا ما اردنا الاستفادة من هذه القصة فعلينا ان نتفهم امور منها كيفية الاستفادة من الاخر وبالتاكيد الاستفادة من الاخر ليس بابعاده او قتله بل هو ان نقترب اكثر فاكثر ممن يختلفون عنا على مستوى الفكر او العقيدة او اي شيء اخر يوجب الاختلاف للاستفادة من تجاربهم .انا اشكر المبدع ادونيس على هذا المقال وهذه الالتفاتة الرائعة وارجو منه ان يمدنا بالكثير

اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو