الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 11 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..

حبيب هنا

2009 / 9 / 25
الادب والفن


11

نعم ، كان قوسانا مختلفين . قوسي في الحادي عشر ، فيما كان قوس " غادة " مشدود الوتر ، حتى إذا ما أطلقت سهامها وصلت إلى القلب سريعاً فأصابت مني مقتلاً ..
نظرت إلى عينيها ، فوجدت فيهما سراً موغلاً في العمق يلتمع ، ولكن صعب النفاذ إليه .
فلا أنا استطعت معرفته ، ولا هي بادرت في الحديث عنه ، وبقي الأمر معلقاً بيننا . رب صدفة تميط اللثام عنه ..
وضعت يدي فوق يدها، فسرت الرعشة في أجسادنا ، وقبل أن تتحول إلى شحنة نعجز عن مقاومتها ، أخذت أنظر إلى الكف .
فقالت وفي نبرتها رنة المزاح :
- إنها ناعمة وجميلة ! أليس كذلك ؟
- دون شك !
صمت لحظة وأنا أنظر إلى الكف ، فيما كانت هي تتابع نظري مترقبة ما سيكون بعدئذ . فقلت :
- ألم أقل لك ، قبلئذ ، إنني أقرأ العيون والكف ؟
- نعم ، لقد قلتها ، ولكن كنت أحسبك مازحاً !
- لا ، لم أكن مازحاً ..
- إذن ، ماذا وجدت في كفي ؟
- يدك مخروطية الشكل ، وما يدل عليها نعومة أصابعك ، وهذا يؤكد خيالك الخصب ، وسرعة بديهيتك . أحياناً تغرقين في أعماق اليأس ، ولكنك تتميزين بسرعة التخلص منه ..
خط القلب والرأس والحياة على صلة بخطوط زحل وأبولوّ وعطارد ، وهي واضحة بما يكفي لقراءة ما أنت فيه ، وما يمكن أن يخبئه المستقبل لك … خط القلب متصل مباشرة بخطوط العاطفة الصغيرة ، وهذا يعني أنك عشت في لحظة من اللحظات مازالت آثارها باقية ، حالة من اليأس كادت أن تودي بك إلى فقدان الاتزان ، أما وقد تغلبت عليها ، فهذا أعطى مظهرك جاذبية أكبر ، مما يفتح المجال أمامك لتكرار التجربة ، ولكن بطريقة مغايرة.
ثم إن خط الرأس يبدأ بالشوكة المتصلة عند اللقاء بخط الحياة ، وهذا يعني أنك قد تمرين بمصاعب مضاعفة عند بعض المنعطفات ، ولكنك تتخلصين منها .
على أية حال ، كفك يقول إنك ميالة للسفر والتنقل الدائم ، وهذا يضر بك عندما تكونين بحاجة إلى الاستقرار ..
صمت ، وأنا أنظر إلى يدها وأتحسس نعومة أصابعها التي تسربت إلى أوصالي فأحالتني إلى إنسان آخر ، متوتر ، لا يقوى على إبقاء يدها بين راحتيه …
نظرت إليّ وفي عينيها رجفة تنم عن لحظة هيام تسعى إلى معرفة المستقبل ، ثم قالت :
- أكمل ، لماذا توقفت ؟
ولا أعرف كيف واصلت حديثي فقلت :
- ستتزوجين رجلاً ، الآن غير موجود في الوطن ، ثم تسافرين معه إلى عدد من الدول ..
بعد ذلك تنجبين منه ابنة ، ثم تفترقان ..
وسألت فجأة :
- لماذا نفترق ؟
وقبل أن أجيبها واصلت فقالت :
- ثم كيف عرفت أن هذا الرجل خارج الوطن الآن ؟
- هذا ما يقوله كفك . وليـس واضحاً سبب الفراق . ربـما ناتج عن خلاف بينكما ، أو ربما ….
- أكمل ، لماذا صمت ؟ !!
وامتد الصمت بيننا أجيالاً .. هي في العشرين من عمرها ، وأنا في الأربعين .
وعندما أوغلت في الحكاية ، كنت قد تركت خلفي مدناً محاصرة ، تشرب مياه البحر ، وتسمع صخب شخير الموت الجماعي .. هنا كنا .. هنا سنبقى .. هنا أول الأمر وآخره !
- أكمل لماذا صمت ؟
- ربما فراقكما بسبب حادث سير مروع يودي بحياته ..
وتكورت الدمعة في العين ولم تقو على النظر إليّ ..
- عنـدها ستعودين إلى هنـا .. ستصبحين زوجة لي أرعى طفلتـك " سهام " ، وتكملين معي مشوار الحياة !
- سأكون زوجتك ؟ !
- هكذا يقول الكف .وأنا لست كاذباً ، لأنني لست منجماً ..
- أخذت تضحك من قلبها ، وعادت برأسها إلى الخلف ، فبان عنقها ، لأول مرة ، وكان غاية في الجمال ، ولم تكن الشمس قد وصلت إليه ولوحته ، فبقي على أصالته ، عمراني يستظل بجذع النخلة ..
خرجت ، من عندي ، وفي رأسها ألف سؤال ، فتحت جميعها كوة واحدة في الدماغ : هل الموجود في الكف ستراه العين ؟ !!

* * *
جبت الأرض طولاً وعرضاً ، علني أراها فلم أفلح .. بحثت عنها في كل وجوه الصبايا اللواتي صادفتهن فلم أعثر عليها .. ترددت على الأماكن التي كنا نذهب إليها سويّاً على أمل أن أقول لها كلمتي الأخيرة ، ولكن دون جدوى .. ولما عجزت ، ذهبت إلى صديقتها " إيناس" وأخذت منها موعداً ..
وحين جلست قبالتها قلت :
- لن أسألك عن " غادة " أين هي ، ولكن قولي لها يا " إيناس "
على لساني : أنت أكثر من يعرف كيف مسحت الفضاء برموش عيوني ، ومزقت شعاع الزمن بأطراف أسناني الحادة ، حتى أحافظ عليك من الإصابة بنسمة خريفية أو بنظرة حاسد ، يضع كفه في الرمل فإذا بها ملتهبة تحرق خلايا أعمارنا التي بنيناها عاماً بعد عام.
قولي لها ، حاورنا الموت معاً بما يكفي ، وغازلناه حتى استنـزفنا آخر معاني الحياة .
فهل وجدنا بعد هذا ما يستحق منا تأمل اللحظة المقبلة ؟ لنسأل أنفسنا الآن : هل نستمر في المغازلة أم نتوقف كي نرقب الآتي !
سأنتظر الإجابة يا " إيناس "، كي أقرر ، على ضوئها ، خطواتي المقبلة ، ثم إنك تعرفين أنني أكثر الموجودين في الكون عشقاً لها ، فإذا تمنعت عني ، لا تترددي في نقل الخبر إليّ على الرغم من فجاعته ، و أنا سأقوى على بتر إصبعي قبل أن يمتد التلف إلى الرسغ ، وإذا تعذر عليّ بسبب تأخر إجابتك ، وامتد التلف إلى الرسغ ، لن أتردد في بتر ذراعي قبل أن يصاب الرأس بالدمار ..
هل ستفعلين يا " إيناس" ؟ لن أنسى لك هذا الصنيع ما حييت ، فأنت أقرب الناس إليها ، وتصدقك القول فيما تتحدث .. وإلى أن تأتيني بالخبر اليقين ، سأحاول أن أقوى ، بكل السبل ، على عذاب الشكوك المخيفة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله


.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته


.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع




.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله