الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقامة العمياء

محمود شاكر شبلي

2009 / 9 / 25
الادب والفن


حدثنا محمد العطوان قال ..

في أحد الأيام السود التي شهدها العراق . وما أنتشر من أخباره العجاب في الأفاق ..
حدث أن قتل لي شقيق ثان , بيد الأخوان , ممن يدّعون الجهاد , لتحرير البلاد , من شر العباد..
وفي مجلس العزاء , زارنا الأعزاء , من الغرباء والأقرباء ممن يجيدون اللطم والبكاء ..
وكان صديقنا( ناطق بن أمّونه ) كعادته , فارسا تمتلئ بالسهام كنانته ..
و حمل مهمة الحديث بالمجلس على عاتقه.. مستعينا بما حباه الله من قدرة في التعبير والإلقاء , بعد دعاء بائعة الليف العمياء ..
و أصبح وكأنه من أصحاب الدار , وصار يتدخل في الأمور ويتداول الأخبار , ولا تخفى عليه الدقائق والأسرار..
وفي المساء و بعد انصراف الناس , يحدّثنا ببراعة الخطيب ذي المراس..
و يحدد لنا ألأخيار والأشرار, ممن يجب علينا الاقتراب منهم , وممن علينا الابتعاد عنهم ..
خوفا على الباقين منّا من القتل بيد الإرهاب , الذي أخذ يستهدفنا في الذهاب والإياب..
وبعد انتهاء الأيام الثلاته المعتادة لمجلس العزاء .. أخذنا نجتمع كل خميس على العشاء ..
وبعد الطعام , نتداول الكلام , عن أخبار الأنام .. في حاضر الأوان, و سالف الأزمان ..
لأخذ العظات والعبر , وإفادة من يعتبر ..
وكان( ناطق بن أمونه ) من أبلغ الحاضرين تعبيرا , وأشدّهم وقعا و تأثيرا ..
وفي احد أيام الخميس تلك, سألني أحد الحضور , عن ما حدث لي مع ( ناطق بن أمونه) من مقالب وأمور , وكيف سلبني كيس القماش المر زوم , وأعطاه لأبن المختار المرحوم ...
وحينما هممت أن أبدأ رواية ما حدث , قاطعني ( أبن أمونه) وتحدّث ..
وقال .. إنكم رأيتم الأفعال الكريمة , ولمستم الأخلاق العظيمة .. للحاج صالح , وأخيه الحاج فالح... ولكنكم لم تسمعوا بأخبار أبوهما (الحاج أسمر) وكيف عمى , ثم كيف أبصر..
فأجبنا وهل له كما لهما أفعال عظام , تستحق البحث و الاهتمام ..
قال سأقص عليكم واحدة من أفعاله , ولكم الحكم على أعماله ..
قال .. اصطحبني أبي , حينما كنت صبي , لزيارة (الحاج أسمر) قبل أن يودع الدنيا الفانية , ويستقبل الأخرى الباقية ..
وعند العودة من الزيارة , قلت لوالدي .. لقد سمعت من أحد أقراني أن (الحاج أسمر) , قد كان أعمى ثم أبصر .. فكيف حدث ذلك ..
أجاب ابي ..
سأقص عليك القصة من أولها ..قا ل..
كان( الحاج أسمر) رجلا طيبا يحب الخير وله في ذلك قصص مشهودة , ومواقف محمودة ..
وكان يحب زوجته الجميلة حبا جما , ويداريها وكأنها كانت له زوجة وأمّا ..
وفي أحد الأيام أصابها مرض في الجلد , فامتلأ وجهها بالبقع , وتغطت يديها بالرقع.. وفقدت رونقها و جمالها , وضاع حسنها وكمالها..
وبذل (الحاج أسمر) جهده لعلاجها , وشفائها , ولكن لم يصلح العطار ما أفسد الدهر ..
وترك ذلك المرض في نفسها آثارا شديدة , وجروحا عديدة ..
و أخذت تندب حظها ليلا ونهارا , وتذرف الدمع أنهارا..
ثم بدأت تسأله بان ينفصل عنها , ويتزوج بأجمل منها ..
لأنها وجهها صار قبيح , وشكلها غير مريح ..
وحاول( الحاج أسمر) أن يعيدها إلى رشدها , ويبين أنه لم يحبها لجلدها ..
وإنما أحبها لجمال روحها ورقّة شخصها وحسن أخلاقها , وهي الآن أم لأولاده وبناته ,
وشريكة له في حياته ..
ولكنها لم تنقطع يوما عن النحيب و البكاء , وما انفكت أبدا عن اللوم والرثاء ..
وانحرفت حياتهم عن نعيم الهناء كليا, واتجهت نحو جحيم الشقاء مليا ..
وحل الجفاء والصد , بديلا , عن السعادة والود..
فأعمل (الحاج أسمر) الفكر , لتلافي هذا الأمر..
وإيجاد حل و مخرج , لهذا الوضع المحرج ..
فما كان منه ألاّ أن أدّعى أنّ عينيه قد أصابهما الضرر, وضعف فيهما البصر ..
و بعده بفترة , أدّعى العمى , فوصل عندها إلى ما رمى ..
فقد انشغلت الزوجة بما أصابه من عارض , وأهملت ما أصابها من عوارض ..
و سكّن ذلك من لوعتها , لاهتمامها بلوعته , وخفف من مصيبتها , لعظم مصيبته ..
كما انّ ما حدث له , يمنع رؤية ما حدث لها ..
فتركت نحيبها , وقبلت نصيبها ..
وأهملت محنتها , ووقفت معه في محنته..
وكان يسألها بين الحين والحين , ماتفعل لو عاد له نور العين ؟ ..
فكانت تجيبه في الحال , هو الطلاق لامحال ..
فأستمر بتمثيل العمى سنين طوال , حبا لها ,
حتى مرضت فجأة وجاء حتما أجلها ..
فذهب السبب , وبطل العجب , ذهب العمى , وعاد البصر ..
وهنا سكت ( ابن امونه ).... والتفت إلينا ....فوجدنا صامتين و فاغرين أفواهنا وكأن الطير على رؤوسنا فسأل ... مارأيكم , وما تقولون ؟
فأجبت قبل الجميع ..
التضحية أساس الحب , والحب بدون تضحية كالوردة بلا عبير..
فقال آخر..
أقول كما قال سيدنا المسيح سلام الله عليه..
طوبى للمتواضعين في الدنيا , هم أصحاب المنابر في الآخرة ..
وتنحنح والدنا فالتفتنا جميعا نحوه .. فقال..
أذا أرتفع البحر , ارتفعت جميع المراكب التي تبحر فيه ..
والأب هو البحر وولداه سفينتان عظيمتان تمخران عبابه .
ثم ّهزّ رأسه بإعجاب وأضاف ..
وربّ سكوت أبلغ من الكلام ..
فسكتنا جميعا .. والسلام .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين