الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أية قيمة للحقيقة في زمن العولمة؟

محمد العرباوي

2009 / 9 / 25
الادب والفن


ارتبطت الفلسفة في تاريخها الطويل ارتباطا كان جوهره البحث عن الحقيقة ،حتى أصبح هدا المفهوم أحد مميزاتها وخصائصها التي تًحدد به ،كما أن البحث عن الحقيقة ميزة إنسانية تحدٌِد مكانته وتاريخ تطوره، كيف لا يكون كذلك وهو الذي نصب نفسه المسؤول الأول من أجل تصحيح الخطيئة الأولى وكل الأوهام المسيطرة عليه ،فانقسم الناس إلى محب للحقيقة باعتبارها قيمة لا يجب الخوف منها، وإلى أعداء للحقيقة فرفضوا كل حقيقة تزعزع مكانتهم وسلطتهم واعتقاداتهم الراسخة في نفوسهم.
ومن خلال هذا الطرح سنحاول أن نتطرق إلى مشكلة الحقيقة متساءلين عن ماهيتها وعن قيمتها،هل قيمة الحقيقة قيمة أخلاقية أم أنها قيمة نفعية ؟

يمكن اعتبار مفهوم الحقيقة هو النواة المركزية لتقاطع مجموعة من التخصصات المعرفية والعلمية (آداب،اقتصاد،سياسة،فلسفة،...وهكذا دواليك) فكما اختلفت هذه المسالك المعرفية في تحديد دلالتها،اختلفت كذلك في تحديد معايرها وقيمتها.فمن قائل أن الحقيقة هي مطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان أي مطابقة الفكر للواقع،إلى قائل بأنها معيار ذاتها.ومع ذلك فإن بحثي عن الحقيقة يجعلني أطمح إلى أن أستمد من عمق وضعيتي الخاصة إمكانية قول شيء شامل وصالح للجميع كتعبير عن الوجود المشترك بين الذوات الإنسانية.

وإذا كان الأمر كذلك فقد اعتبرت الحقيقة عبر التاريخ قيمة عليا وغاية في ذاتها.وقول الحقيقة واجب أخلاقي مطلق،والحقيقة كانت ويجب أن تبقى قيمة معرفية وأخلاقية عليا،فهي مايقصده الإنسان في ذاته وحياته،وما يشقى ويتعب ويضحي من أجله،بعيدا عن كل منفعة أو مصلحة خاصة،كما قال الفيلسوف الكلاسيكي كانط في قوله "إن الحقيقة لمن مقتضيات العقل المقدسة والضرورية،وإذن ينبغي على الإنسان أن يكون صادقا في تصور حاله وأقواله".

وقول الحقيقة واجب على الإنسان مهما كانت الظروف على اعتبار أن الكذب مضر بالإنسانية ويجرده من الصفة الشرعية.لكن القول بأن الحقيقة قيمة عليا في ذاتها يجردها من ظروفها الإجتماعية والمؤسساتية والشخصية التي تنتجها ومن تلبسها بالوهم والخطأ،الشيء الذي يجردها من صفتها الإطلاقية."فالحقيقة كما يقول نيتشه هي أوهام نسينا أنها كذلك" إذا كانت حقيقة الحقيقة حسب هذا المنظورأوهام،فيمكن اعتبار الأخلاق السائدة مجرد أوهام مصدرها الوهم،وبالتالي سنسقط في نظرة أحادية وسنقصي موقف كانط وكل ادعاء يرد الحقيقة كقيمة أخلاقية.

إذا نظرنا للحقيقة من منظور آخر،سنجد أن سلطة الحقيقة تنتجها المؤسسات السياسية والإجتماعية والإقتصادية.والصراع الذي نأخذه حول الحقيقة هو صراع حول ميزتها ودورها الإقتصادي والسياسي الذي تلعبه. فالقول بأن الحقيقة صفة أو خاصية لبعض أفكارنا واعتقاداتنا،هو التأكيد على الآثار العملية المفيدة وما تحققه لنا من منفعة ومردودية،يقول رائد الإتجاه الباراغماتي وليم جيمس"يقوم الصحيح بكل بساطة في ما هو مفيد لفكرنا والصائب في ما هو مفيد لسلوكنا".مما يجعل الحقيقة تتغير حسب المصالح والمنافع،لا المصالح الفردية التي تهم الأفراد،بل المصالح التي ترتبط بالأنسان،فليس هناك مجال لتجاوز نطاق التجربة لنتحدث عن حقيقة مطلقة أو عن شيء في ذاته يكن وراء الظاهرة،بل الحقيقي هو ما نتحقق منه بواسطة التجربة ونثبت فائدته العلمية.

ظل مفهوم الحقيقة على مر التاريخ ذلك المفهوم السراب الذي يحاول كل واحد منا الإمساك به عبر طرحه كسؤال يهم حقيقة الوجود البشري،والسؤال عن مدلول الحقيقةوقيمتها سؤال له ميزته في المجتمع والإنسان المعاصر،وذلك عبر طرح سؤال مدلول هذا الإنسان كقيمة وكغاية في زمن القنبلة النووية وتنميط الرأي العام عبر سيطرة وسائل الإعلام والتجريب على الإنسان وانتشار الحروب وتشييء الإنسان واختزاله في البعد الإستهلاكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس