الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينوغرافيا ، محطات أوروبية ، تاريخ

مشعل الموسى

2004 / 5 / 26
الادب والفن


شهـد عام 476 م ، سقـوط روما وسقوط إمبراطوريتها الغربية، لكن الكنيسة بقيت لتصبح قوة كبرى تسيطر على الحياة في أوربا لتظل ذات تأثير جوهري في هداية الناس وقيادتهم خلال الألف سنة التالية ، ولم يخرج عنها علم أو فن أو جمال إلا ومصدره الكنيسة ، " وتأثيرالكنيسة من وجهة نظر أخرى ، لم يكن دائمـًا على قدر من التوفيق ، فهناك كثير من مواقف الكنيسة وتعاليمها حينذاك لم تخرج مباشرة عن سنـّة المسيح وتعاليمه بقدر ما خرجت عن الرّغبة في مقاومة كل ما هـو إغريقي أو رّوماني"، والواقع أن الكتابة المسرحية ، ظلت منذ وفاة سينيكا حتـى بداية العصور بالوسطى غير موجودة نسبيًا ، ولا بد أن يكون لمثل هذا الحكـم العام بعض الشـذوذ . فنحن نعـرف مثلا ً أن عروض الرقص الصامت ، وفرق الممثلن المتجوليـن ، لم تختـف تمامـًا في أي وقـت من الأوقـات ، " ففي القرن العاشر الميلادي ، راهبة من ساكسونيا تدعى - روزفيتا Roswitha- كتبت عدّة كوميديات على نمط كوميديات - ترنس- " ، مع ذلك فليس من الخطأ أن نقول أن العصور المظلمة كانت مظلمة حقـًا بالنسبة لتاريخ الكتابة المسرحية ؛ ظهرت مناظر مسرحية تتلاءم مع ما تتناوله المسرحية من أمور تفوق مدركات الفرد أو المشاهد حينها ، مناظر وحيل مسرحية تصوِّر وتجسِّد مسرحية الأسرار ، التي تعالج الموضوعات الإنجيلية ، فيصوِّر بعضها مناظر مثيرة من مناظر التعذيب والاستشهـاد .

- المســرح الفرنسـي .
أدت الحروب الإيطالية على فتح الأبواب أمام الفنانين الإيطاليين للهجرة والانتقال إلى فرنسا بشكل خاص ، وعمل - ليوناردو دافنشي- في بلاط الملك فرانس الأول ، كما خطط لعديد من الاحتفالات للأعياد حتى توفى عام 1519م ، كما انتقل الإيطالي المعماري المسرحي- سيريليو- إلى قصر ( النافورة الزرقاء Fontain Bleau ) ما بين عامي 1541/1547 م ، ثم عمل ما بين عامي 1547/1553 م في مدينة - ليـون- الفرنسية عند الكاردينال - Ippolito Deste - ، وغيرهمـا من الفنانيـن.

القرن 16 الميلادي ، لم يكن في فرنسا مسرح مُـعلن غير مسرح واحد وهو مسـرح - هوتيل دي بورجوني Hotel De Borgogne- والذي أفتتح عام 1548 م ، لكن لـم تمضي ثلاثة شهور من افتتاحه حتى أغلقه البرلمان في نفس السنة تحـت شرط بإعـادة افتتاحه إذا ابتعـد عن تقديـم دراما تحمل إشارات دينية ، وهذا الإجراء أدى إلى نقص عدد الجماهير ، مما أضطر المسرح لاستضافة الفرق الريفية لعدة ليالي لاستمرارية المسرح ، لكن قرار إلغاء العروض المسرحية صدر عام 1588 م ، وظل ممتـدًا حتى عام 1595 م ، تحت تأثيـر ومناداة الجماعة الكاثوليكية الفرنسية .

دخلت الدرامات الفرنسية ( تراجيديـة و كوميديـة ) إلى برنامج وريبرتوار المسارح الريفية بأدوار قليلة من الممثليـن ، وديكورات خفيفة غير مكلفة تتغيـر وتنتقل ببساطة ، أما ستار المقدمة كان يفصل عـن الجماهير في المسارح العامة ، وذلك الستار لم يكن موجود أو مستخدمـًا في عروض الفرق المسرحية الجوالة .

في القرن 17 الميلادي ، كانت خشبة المسرح الفرنسي وفن المناظر ، يتسمان بخصائص المسرح الإيطالي ، ويتمثـل هذا بزحمة المناظر في بحث عن تشكيل فضائي سينوغـرافي تلائم عروض القصور والبلاطات ، وتوافـق متطلبات ظهـور فـن الأوبـرا المتعـددة المناظـر ، " بدأ التأثيـر التقني الإيطالي والمناظر عام 1645 م ، مع ميلاد الكلاسيكيات الفرنسية ( دراما بييـر كورنيه Pierre Corneille ) ، وظهـرت على الخشبـة رسومات توضيحية لمغـزى الدراما بجهـود الفرنسـي - لوران ماهيلو Laurent Mahelot - و - مايكـل لـوران Michel Laurent- ".

وفي القرن 18 الميلادي ، تولى الملك لويـس الخامس عشـر الحكم في فرنسا عام 1723 م ، حيث كان المسرح آنذاك يعيش في حالة من التسلية وعدم الجدية ، ففي هذا الصدد قال الشاعر الدرامي الشهير عن تلك الفترة - فولتير Voltaire - : " بدأت الثقافة الفرنسية من الفضلة " ، وبـدأ الملك بوضع التدابيـر لوقف الحالة المزرية التي وصلت إليهـا المسارح والتي قد تجاوزت الحدود ، وبتشجيع من الكنيسة الفرنسية ( كتربية ثقافية ) كوّن اليسوعيون فرقــًا مسرحية وعـرضوا درامات دينية فيها دعائية تتخللها شعارات تربوية ، ساهم الجانب النظري في الإعداد لهذه العروض اليسوعية كتاب للمؤلف - باتر جوزيف جوفانسي Pater Joseph Jouvancy- والذي أتى تحت عنوان - العرض المسرحي والنظم التعليمية- واحترس من الديكورات والمناظـر التي غالبـًا ما تكون فخمة ومبالغ والإسراف فيهـا ، ومن الطبيعي أن هذا الاحتراس لم ينل على إعجاب الجماهير التي اعتادت واستحسنت الأزياء الفاخرة والديكورات الضخمة الرائعـة والمكيـاج .

وفي القرن 19 الميلادي ، دخلت التقنيات الميكانيكية مما عمل على تطوير في الحياة العامة ، وجاءت حكومات جديدة ساعدت على نمو التقنية ونمو شعوبها ، وهذا النمو والتقدّم ( الصناعة والتجارة والمواصلات ) أظهرت المسارح التي تهتم بالمال والمردود المادي ؛ ولعل عملية بناء بعض المسارح ، لم تكن تتلقى الدعـم المالي من الحكومة الفرنسية ، مما أدى بالمسارح بالجوء لعملية التمويل الذاتي ، وحينها كان لابد من شق طريـق جديدة على خشبة هـذا النوع من المسارح ، ليتوافق مع نوعية هـذه الدراما ، خاصة بعـد أن غاب نجـم الديكورات الكلاسيكية ، وتم هجـر الوحدات الثلاث في مسرح الكلاسيكية الفرنسية الجديـدة ، فأصبح الوقـت مناسب ، وكذلك مـزاج الجمهـور ساعـد على تلقي تلك التغييـرات .

في عام 1817 م ، استعمل الغاز لأول مرّة في إنجلترا ، وبعـد إنارة شوارع لندن بسنة واحدة فقـط ، وصلت الإضاءة بالغاز لمسرح - دوريري ليـن- عام 1818 م ، وفي باريس دخل الغاز عام 1821 م لمسرح الأوبرا ، مكـّن استعمال الإضاءات التي تعمل على الغـاز في المسرح الفرنسي من إضافة وخلق جو الخيال ( مع ما يتناسب من الدراما آنذاك ) ، وقـد لعبت السينوغـرافيا دورًا هامـًا خاصة في إضاءة خلفية الخشبة ( بانوراما Panorama ) وقد أتت هـذه البانوراما على شكل نصف دائـرة في بعض المسارح والتي قام بتصميمها الفرنسـي - لويس جاك مانـدي دوجرLouis Jacques Mande Daguerre 1787/1851 م- ،هـذه السينوغـرافيا ساعـدت على خلـق أجـواء جديـدة غيـر متعـارف عليها أو مألوفة ، مثـل ضياء القمر في السماء ، الرياح المتحرّكة ، النجـوم ...الخ ، حتى أصبح عقـل الجمهـور يجمح نحـو المشهديـات وتقـبـّـل الخيـال .

كانت الإكسسوارات الفرنسية والديكورات من الأولويات الأولى للعرض المسرحي ، ووصلت حالة الخشبة المسرحية الفرنسية إلى ما يشبه الدقـة التاريخية ، الملابس والأزياء العصرية تصنع من القطيفة الخالصة ، فالأزياء تعبّـر عن مستوى الشخصيات في المجتمع الفرنسي التي تواجدت على خشبات المسرح .

اتبع الطبيعـيّـون مقولة - إميل زولا- التي تناولها في كتابه الطبيعية في المسرح عام 1881م : " أن يكون كل شيء على الخشبة كما هو في الحياة العامة " ، وفي مسرحية - القصّابون- يُـظهر المخرج الطبيعي - أندريا أنطوان- اللحم مُعلقــًا في دكان القصّـاب وهذا اللحم يقطر دمـًا ، أي أن هذا اللـّحم طـازج ، وقبل كـل عـرض يجـب أن تذبـح ذبيحة جديدة لتظهـر طبيعية أما الجمهور ؛ إن خشبة المسرح الطبيعية قد عايشها المتلقي الفرنسي ، فالإكسسوارات حقيقيـة ، فاللحم لحـم ، ومائدة الطعام كلاسيكية من الخشب الثقيل ، والشراب حقيقي ، والبناء كان يتـم بناءه من الطـوب ، والممثلون يتحركون و يؤدّون أدوارهم كأنهم في الحياة ، وكأنهم ليسوا في حضرة جماهير الصالة ، فكانت السينوغرافيا حينها من الدعائم الأساسية لعملية التأكيد لعنصر الطبيعية ، فالسينوغرافيا أتت مماثلة لما هـو خارج الإطار المعماري المسرحي ، أتت كي تستنسخ وتتشابه مع ما هو خارج المسرح ، لتجسده بأمانة شديدة على خشبة المسرح ، كما أن السينوغـرافيا أتت كي تسلب عقـل المتفرّج الفرنسي لتضعه في دائرة الاندماج مع العرض المسرحي المعـروض .

- المسـرح الإنجليـزي .
في القرون الوسطى ، جاءت خشبة المسرح ( Stage ) على متوسط ارتفاع إنسان ( 180 سـم ) ، ولم يقتصـر التمثيـل علـى الخشبـة المسرحيـة فحسب ، إنما خـرج عـن إطـار فتحـة المسـرح ( البريسينيـوم ) والمقصود بذلك هي تلك الخشبة الممتدة لخارج فتحة إطار المسرح ؛ وفي خلفية الخشبة تقع حجرات لتغيير الملابس ، واستخدم اللون الأسود لطلاء الخشبة ( منطقة التمثيـل ) للمسرحيات التراجيدية ، أما في المسرحيات الكوميدية ، فقد تم فرش سجادة ذات ألوان عديدة ، وليس بالضرورة أن تكون كل المسرحيات قد خضعت لهذا التشكيل البروتوكولي ، لكن هذا كان يجري على أغلبها ، ولم تستعمل الديكورات حينها إلا نادرًا ، فالديكورات كانت فقط للدلالة على المكان ، لأن الكلمة في الدراما هي الأساس .

وفي عام 1567 م ، يقام في العاصمة لندن في فندق - Red Lion- تمثيل عروض مسرحية يومية في إحدى قاعاته ، ثم ارتفعت مثـل هـذه الأماكن في عـام 1574 م إلى ثمان قاعات للتمثيل المسرحي في فنادق عدّة ، على الرّغم من العروض المسرحية الإنجليزية لم تكن جميعها تستخدم للمناظر والديكورات إلا أن أمرًا واحد لا مفر منه ، وهو اهتمام المسرح الإنجليزي بالأزياء التي طابقت الأزياء في الطبيعة ( حتى ولو كانت الخشبة صلعاء من الديكورات ) ، ولم يكن مسموحـًا إظهار شخصية الملك في الدراما بـدون أن يعتليه التاج رأسه ، لإضافة إلى استخدام الأقنعة التي أستعملها المسرح الإنجليزي ، على سبيل المثـل / شخصية اليهـودي بأنفه الطويلة وشاربه الأسود الداكـن الأسـود .

في القرن 17 الميلادي ، أتسعت رقعة السينوغـرافيا في المسارح الأوروبية ، وسادت الخشبات منظـريات تتوافق وتلائم مع تقـدّم العصر نفسه ، قد تماثـلت مع خشبات مسارح العصور الوسطـى ، لكن مع شيء من التقنية العصرية والتي كانت تعتبـر تقنية متقدمـة آنذاك ، وقد أتت حركة تقنية المناظر على الخشبة في عصر الملكة - إليزابيث- ، مصففة خلف بعضها البعض ، وكانت تدلى من الأعلى لتسهيل سرعة تغييـر المناظر ، ولازال هـذا الأسلوب في التقنية متبعـًا إلى مقتنـا الحالي في بعض من المسرحيات .

- المسـرح الألمانـي .
في القرن 18 الميلادي ، استطاعت سحابة الحركة المسرحية في أن تغطي الكثير من المناطق الألمانية وأمطرتها بوابل من العروض المسرحية ، فكان لكل دوق أو نبيل مسرح يحتضنه ويدافع عنه ويرعاه ، ورحلت الفرق المسرحية الإيطالية والفرنسية إلى ألمانيا والبلاد الأخرى الناطقة بالألمانية في أوربا ( النمسا على سبيل المثـل ) في النصف الأول من القرن 18 الميلادي ، وذلك لتقديم العروض المسرحيـة .

نشطت مقاطعة - لوفيـرتمبـرج Ludwigsbur- مسرحيـًا ، بفضل استضافة الفرق المسرحية الفرنسية بيـن عامي 1714 و1723 م ، كما تطـوّر فن الأوبـرا فـي عهـد الحاكـم - كـارل يوجيـن Karl Uugen- عام 1744 م ، وفي برليـن كان مسـرح البلاط يقـدّم عروضه بازدهـار ونشـاط ونجـاح كبيـر منـذ عـام 1742 م ، وبمساعـدة البـلاط تكـوّنت فرقـة مسرحيـة وبمساعـدة مـن ـ فولتير- ، الأمر الـذي سـاعد على تقـدّم في الفـن المسرحي الألماني واللغـة الألمانيـة فـي المسرحيات ، وكـان يعـزى الفضل الأكبـر إلى الدرامي النظـري والمؤلف الألماني - أفرايـم ليسنـج Lessing - .

مسـرح - مايننجـن- في القـرن 19 الميـلادي ؛ أنشئ الدوق - جورج الثاني 1826 / 1914 م- مسرحه بدوقية مايننجن ، وساهم في ترقية المسرح الألماني بالقواعد العلمية الأولى في تاريخ الإخراج المسرحي ، بدءًا من بروفـات القـراءة وحتى نسخة الإخـراج في النهاية ، مرورًا بالدقة التاريخية في المنظر والأزيـاء ورعاية الأدوار في المسرحيـة وأصغـر إكسسـوار في يد الممثـل ( كالخاتـم ) ، فكان مسرحه مدرسة لفن التمثيل وفن الإخراج لفنانين عصـره .

- المسـرح النمســاوي .
المسرح الشعبي في فيينا ؛ لم يختلف المسرح النمساوي عن قرينه المسـرح الألماني ، لأن المسرح الشعبي النمساوي أو الفييني ( نسبة إلى فيينا ) ، تكوّن من خلال الجهود الألمانية وذلك للعناية بالبلاد الناطقـة بالألمانيـة ؛ إن ميلاد هـذا النوع من المسارح أتى بسبب انتشار واتساع رقعة التمثيـل الشعبي البسيط والغير معقـّد ، وانتشر بعد ذلك فن الارتجال انتشارًا واسعـًا ، حتى تم إصدار من الأرشدوقة - ماريا تريزا Maria Tereza- أرشدوقة النمسا ، أمرًا بمنع الارتجال في المسرح ، أتى بعد ذلك النمساوي - فيليب هافنر 1731 /1764 م- وهو ممثـل مرتجل ، ليطوّر من الكلمة والديالوج والالتزام بالحوار المسـرحي .

مسرح بورج ( Burg Theateالمسرح القومي النمساوي ، فيينا ) ، وهو من أشهر المسارح النمساوية في فيينا ، والذي تم الإعلان عنه في 17 فبرايـر 1776 م ، واندرج تحت شعـار خدمة اللغـة والثقافـة الألمانيـة وإشعاع التنوير للجماهير عن طريق تمثيل الدرامات وترجمة ما يتناسب مع حركة التنوير ، فكان قيصر النمسا بنفسه هو المدير لهذا المسرح ؛ فالمسرح النمساوي في تلك الحقبة قـد تتبع الخط الألماني وحتى من خلال التقنيات ، وتعـد ألمانيا من أصحاب التقنيات العالية ومتقدمة آنـذاك .

تم في عام 1902 م ، استخدام الستارة النصف الدائرية ( السيكلوراما Cyclorama ) في مسرحية - سالومي- وتلك الستارة التي كانت تأخذ شكل حرف U ، وقام على هذا التصميم المهندسان - ليفيـس كورنث - و - ماكس كروز- .

اسـتطاع المخرج النمساوي - ماكس راينهاردت Max Rienhardt 1873 /1943 م- ، من خلال مسرحية - حلم ليلة صيف- 1905 م لشكسبير التي تم تقديمها على خشبة المسرح الـدوّار والتي استخدم فيها سينوغرافيا متقـدِّمة ، وكان قد توصل إلى هذا النوع مـن الخشبات الألماني - كارل لوتنشلاجـرLautenschlager Karl- في ميونـخ عـام 1896 م ، وهذا النوع من الخشبات قد ساعد على سرعة تغيير المناظر أو الديكورات سواء كان المشهد مظلم أو مُـنار ؛ يذكر تاريخ المسرح العالمـي بـأن الفنـان الإيطالـي - ليوناردو دافنشي Leonardo Da Vinci- قـد صمـم خشبة للمسرح الدوار وذلك في ميلانو عام 1490 م ، ويحتمل بأن التقنية لم تسعفه حينها لتطبيق ما قـد صممه .

وينتقـل بنا - راينهارت- في عام 1910 م مـن خلال مسرحية - أوديبوس ملكـًا- لسوفوكـل إلى قاعة للسيرك ( سيرك رنز RENZ ) في فيينا ، ثـم ينتقـل بالعـرض هـذا إلى برلين على سيـرك - شومان- ، حيث أنها تعتبر السابقة الأولى من نوعها والتي يتم تقديم مسرحية من المسرح العالمي على خشبات السيرك ، وقـد استساغ راينهاردت تلك السينوغرافيا الجديدة كي نجده في عام 1911 م ، يقدّم المسرحية - الأرستورية- لـ آيسخيلوس في ميـونخ على خشبة للسيرك أيضـًا والتي كانت مخصصة لسيـرك مدينة ميونخ ، وفي عام 1917 م يقوم ببناء مسـرح بعـد الحرب العالمية الأولى ، والذي لجأ إلى عملية خلق فضاء مسرحي لم يكن متعارف عليه فـي السابق حينها ، وهـو :
- عملية امـتداد لخشبة المسرح إلى الصالة ، لترتبط بالجمهور، وهـذا الامتداد آخذ لشكل حدوة الحصان مع امتداد كلتا طرفي هـذا التصميـم إلى الجمهـور .
- ليس للمسرح هذا أماكن جانبية ظاهرة للأعين لاستخدام وتعليق الإضاءات عليه ( الأنوار والإضاءات الجانبيـة ) .
- لا وجود لإطار فتحة المسرح ، لكن المسرح لا يعبّر عنه أي إطار يحدد المشهد ، كي يتم من خلال ذلك ارتباط منطقة التمثيل بالجمهور ، وانصهارهما بالفضاء المسرحي ، كي يتم خلق سينوغـرافيا أكثر مرونـة وحريـة .
- الممثـلون يـؤدون أدوارهـم وسـط حشـود الجمهـور ، فالبتالي ومـن خلال مرونة هذا المعمار والتشكيلات السينوغــرافية تكون ذات تأثيـر فني أعمق وأوضح من نظيرتها المعمارية للمسـارح المعمـول بهـا حينهـا .

ففي ألمانيا ، ساعد مخرجـو الواقعية على تأكيد موقفهم من مختلف الاختراعات الجديدة ، التي أسهمت في تسهيـل تغيير المناظر الواقعية ذات الإبهار الشديد ، فتوفرت للمسارح المنصات المتحركة ذات الأجنحة والمنصاب الصاعدة والهابطة بفعل الحركة الهيدرولوكية ، ثم كان اختراع السيكلوراما الثابتة ( القبة السماوية ) والتي ضاهت بتكوينها المؤثر المسرحي الحقيقي للقبة السماوية ، وأول المجددين المبدعين في مجال الواقعية التي اعتمدت على الحرفية الميكانيكية الجديدة كان المخرج الممثل - ماكس راينهارت- .

- المسـرح الإيطالـي .
أتت إيطاليا بمسارح ثابتة مخصصة للعملية المسرحية ، وقد سبقت إيطاليا نظيراتها من الدول الأوروبية في هذا المجال بل وبرعت فيه ، وكما قدمت إيطاليا علـى إيجاد نوع جديد من المسارح آنـذاك ، وهـو إيجـاد مكان مخصص للتمثيل ( مسرح ) ، كما أقدمت الحركـة المسرحية الإيطالية على فصل الخشبة ، لكي تتحـقق الغاية والهدف في الثقافة المسرحية ، وأن يظل المتفرجون ثابتــون على مقاعدهم أثناء العرض المسرحي بعكس ما كان في السابق ، حيث كان الجمهور يجرون ويلهثون خلف الخشبات المسرحية التي كانت تتنقـل من مكان لآخر ( كوميديا دي لارتي ) ، فالجمهور هنا ثابت وأمام الخشبـة ، مما عمل على إيجاد علاقة من نوع آخر بين المؤدي والمتلقي ، وتلك العلاقة ظهرت من خلالها الشعـور والحس الجمالي لما كان يتـم تقديمه على الخشبة ، وبالتالي ولد عن هذه علاقـة الشعـور بالنقـد ، لذلك كان من وراء هـذا الترتيب الفضائي إيجاد علاقة جديدة اختلفـت جذريـًا عن الأشكال المسرحية السابقة ، فالشكل الجديد لهذا الفضاء المسرحي أصبح أكثـر واقعيـة ، وهـو ما عمل على سرعـة انتشـار هـذا الشكل فـي أوربـا والعـالم ككـل .

ظهـر - ليـون دي سومـاي Leon di Somay- وهـو مـن المخرجيـن الأوائـل فـي عصــر اختراع المناظر وولع سوماي بإمكانيات مسرح الإطار فقد قـدّم الممثل والديكور على ما عداهما من معطيات العرض المسرحي ، بمعنى أن النص جاء في مرتبة تالية بعد المثـل والديكور ، لقد ساهـم وساعـد عدد ليس بقليـل من الفنانين التشكيلييـن والمهندسون المعماريون على تأكيد هذه الرّوح الجديـدة ، وهذا طبعـًا كان من خلال الديكور والمناظر المسرحية والتي كانت تعبـّر عــن روح عصـر النهضة ، ومنهـم :

1- جيــرولامـو جنجــا Girolamo Genga .
2- بالــدازار كاستيجـليــوني Baldassare Castiglione .
3- جاكوبي بــارّوزي Jacopo Barrozi 1507 /1573 م ، وهو معماري إيطالي ، صاحب كتاب ( نظاما المنظـور ) .
4- دانييل برباروDaniele Barbaro ، معماري إيطالي ، الذي أصدر في عام 1568م كتاب بعنوان - تدريب المنظور- ، وهذا الكتاب أفاد الجوانب العملية لهندسة الديكـور على خشبـات المسارح .
5- سبستيانو سيـريليـو Sebastiano Serlio 1475 /1554 م ، معماري إيطالي كتب عــن أهمية الدراما لصالة العـرض ، وأشار إلى انقسام الجمهور إلى مستويات اجتماعية ، فخصص الطبقات العليا من المجتمع في مكان الأوركسترا الأمامي ، وجلسن سيدات الطبقة الراقية ، وبعد ذلك خصص أماكن خـلف السيدات للطبقات الوسطى ثم التجَّار والصنـَّاع ، وأخيرًا في نهايـة الصالة تتواجـد جماهيـر الطبقـة الدنيا من المجتمـع .
6- جـودو أوبالـدوس Guido Ubaldus 1545/1607 م ، ففـي عـام 1600 م أصدر كتاب تحـت عنـوان - ستـة فـي المنظـور Libri Sex Perspectivae - يعالـج في هـذا الكتاب علاقة علم المنظور بوضوح وسلامة وجـودة الرؤيـة للمتفـرِّج .
7- أندريـا باللاديـو Andrea Palladio 1508/1580 م ، وهـو صاحـب التطبيقــات الهندسيـة فـي المسـارح الإيطاليـة .

إلا أن المهم الذي سعى إليه هؤلاء في عصر النهضة الإيطالي هـو اشتراكهـم في هدف واحـد ، وهـو أن يكون للمناظر هدف درامي يؤكد على حوار المسرحية ووجهة نظـر الكاتب ، ويحقـق خيال وفكـّر المخرج المسرحي ، ولكي تنقـل الديكورات الصورة الدقيقة لحياة الدراما الخاصة بهم آنذاك من غيـر إهمال لتأثيـرات الألـوان في المناظـر .

القرن 17 الميلادي ، كانت الأوبرا هي الأفضـل من ناحية حركة بناء دور المسارح بإيطاليا ، وينتقـل لفينيسيـا هـواة الموسيقى لمشاهـدة العـروض المقدمة هناك ، وسرعان ما تعاقـدت دور الأوبرا الباريسية و فيينا مع الفنانيـن الإيطاليين ، مُـثـّلت الأوبرات على خشبة مسرحية ( كالدراما ) ، كما وأنها سيطرت على خشبة المسرح الأوبرالي مسرحان رئيسيان في بادئ الأمر ، الأولى خشبة المسرح التي صممها - سبستيانـو سيرليـو- ، وخشبة مسرح التي صممها - Palladio- .

ولم يكن القرن السابع عشر في إيطاليا مرحلة منفصلة عن كل ما سبقتها على صعيد تطورات مكان العرض المسرحي من حيث المعمار والديكـور والتقنيـات وعلاقتهـا بما كان يقدم على المسارح في تلك الفترة وبطبيعة العصر والجمهور وغيرها من العناصر التي أضفت على مكان العرض الإيطالي خصوصية ميزته عما كان يحدث في باقي أنحاء أوروبا على صعيد المعمار المسرحي ، حيث أصبح النموذج المتألق الذي تتبعه وتحتذى به معظم البلدان الأوروبية .

في القرن 18 الميلادي ، تقلـّصت حركة بناء دور العرض ، وهذا لا يعني بأن المسارح لم تبنى حينها ، فقد بنى ملك نابولي - بربون شارل Bourbon Charlies- تياترو - سان كارلTeatro San Carlos- والذي فتح أبوابه للجماهير ليلة 4 نوفمبر عام 1737 م ، يتكون من مقصورة ملكية مزيّنة وفخمة ، إضافة إلى 184 مقصورة أخرى تم تخصيصها لجلوس عليه القـوم .

وفي القرن 19 الميلادي ، تم الاستغناء عن مساعدة الفنانين التشكليين ورجاله السينوغرافيا الإيطاليين في فرنسا ، هذا كان بسبب الثورة الفرنسية ، ومن ممارسات الفنية لهؤلاء الفنانين في المسارح الإيطالية ، انبثق عن تلك الممارسات ثلاثة مدارس سينوغرافية إيطالية ، هـي :
-1 المدرسة الأولى وفي ميلانو ، وشددت على استخدام المنظور في رسم المناظر ، على أن يكون معمار خشبة المسرح متوازنـًا مع خشبة المسرح المقفلة ، وتم تحجيم السينوغرافيا من خلال أن لا تطغي الديكورات على حساب الشخصية المسرحية ولا تتجاوزها ، وأتت هذه المدرسة بزعامة - باولو لاندريلن Paolo Landriani 1838/1770 م - .
2- المدرسة الثانية ، مع احتراق مسـرح - سان كارلو Di San Carlo- عام 1816م ، تم إسناد بناء المسرح إلى المهندس المعماري - أنطونيو نيكوليني Antonio Niccolini- لإعادة بناءه وإنشاء مدرسـة للسينوغرافيـا - Scuola Di Scenografia- ، فجهـز نيكوليني 146 ديكـورًا للأوبـرا و115 للباليه .
-3 المدرسة الثالثة ، رائدها - فرانسيسكو باجنارا Francaesco Bagnara 1784/1866م- مصمم ديكور ، أنجز عدد من الأوبرات للموسيقييـن من أمثال - روسّينـي Rossini ، بالليني Bellini ، دونيزيتي Donizetti- ، كي تكون حصيلته من أعمال 1100 ديكور لمجموعة مسرحيات وأوبرات ، والذي يعتمد بأسلوبه على الانسجام والتوازن مع موضوعات الدراما والأوبرا ، والتركيز على التاريخية الرومانتيكية* ، والإضاءة القوية المتضادة والمنسجمة في الوقت نفسه من ألوان والمناظر مع اللجوء إلى الخيال الثري .

وفي القرن 20 الميلادي ، تركزت السينوغـرافيا الحديثة على مسارح ودور الأوبرا ، حيث قام بعض رجال السينوغرافيا بتغييـر خططهم نتيجة لتقديم الأوبرات في الحدائق الكبيرة ، الأمر الذي جنح بالسينوغـرافييـن للتعامل مع فضاء ومحيط مغاير عن ما كان بالسابق ، " وبرع السينوغرافييـن الإيطالييـن - ماريو سيروني Sironi Mario- الذي تخصص في سينوغرافيات الأوبرا ، والمخـرج والسينمائي - لوتشينـو فيسكونتـي Luchino Visconti- الذي عمل كسينوغـراف ، هـو المصمم لكل أعماله الإخراجية في المسرح ليحقق درامية النص المسرحي وسط ديكورات تلائم وتتوّحـد مع الجماليات السينوغـرافية العصرية في القـرن 20 الميلادي " .

لقد خضع مكان العرض في إيطاليا منذ عـصر النهضة والحركة الإنسانية لعدد كبيـر من الأبحاث والتجارب والدراسات المرتبطة بالرياضيـات من جهـة ، وبفـن الرّسـم من جهة أخـرى ، هـذا بالإضافة إلى طبيعة ما كان يقدم في تلك الفترة على خشبات المسارح ، حيث أدت الحركة الإنسانية في عصر النهضة إلى العودة إلى النصوص اللاتينية القديمة ، مما أدى إلى الرّغبة في إحياء نموذج المسرح اللاتيني القديم ، ثم بدأت هذه النزعة الكلاسيكية بالتحوّل على الرّغم من بقاء شعرية عصـر النهضة الزائـدة .

- المســرح الأسباني .
القرن 15 و 16 ميلاديين ، إن نشـوء المسرح في أسبانيا ، كان شأنه كشأن باقي المسـارح الأوروبية ، والحركة المسرحيـة الأسبانية تركـزت على إحياء التراث الأدبي الأسبانـي ، وقـليلة هـي النتاجات المسرحية هـذا إذا ما قسناها بالنسبة إلى نتاجات الدول الأوروبية .

جاءت الخشبة المسرحية الدينية والمسرحيات الإنسانيـة في مسارح البلاطات على نمط بسيط وغيـر معقــّد ، وهي قريبة من شكل المسرح في مسرحيات كوميديا الفن الإيطالية ، خشبـة المسرحية مربعة الشكل ، عليها أربعة مرتفعـات ( على غرار المصطبة ) ، وستارة عجوز تـُـشد بواسطة الحبال ، ومكان خلفي أستخدم لتغييـر الملابس وخلفه وقـف الموسيقـيـون والمغنـون .

أما مسارح البلاط والقصور ، فقد تواجدت خشبات المسارح هـذه في بعض الصلات الواسعة والتي أعدت لغرض التمثيل ، وعند علية القوم كان التمثيل يقام في حدائق القصور وسط ديكورات فخمة وجذابة ؛ لم يكن هناك ستار للمقدمة في مسارح البلاط والقصور ( كالمسرح الإنجليزي في عصر النهضة ) ، وفي هذا النوع من الخشبات تواجد فيها أبواب لخدمة الديكورات ، وفي النهاية في اتجاه العمق للخشبة توجد ستارة ( في المؤخرة ) ، وبدءًا من القرن 17 الميلادي تم استخـدام ستائر جانبية على غرار الكواليس الجانبية ، وفي أوقات قد رسم عليها أشجار أو أي منظر كتعبيـر عن امتداد المنظر ومحاولة ملأ فضاء الخشبـة ؛ وتشابـهَ المسـرح الأسباني بالمسرح الإنجليزي في كثـرة المشاهد الدرامية التي تـُمثــَّـل من الأعلى ومن برج أو أعلى القلعة أو حتى جبل أو شرفة منزل ...إلـخ ، ولكي يستوعـب المتفـرِّج تلك المشاهد تـم تسهيلها من خلال الإشارة بالكلمة و التمثيل من على جسر مرتفع موجود على الخشبة ، وهو ذات الأسلوب الذي كان متـّبع في المسرحيات الإنجليـزية لـ - وليــام شكسبيــر- .

القرن 17 الميلادي ؛ فتذكر الدراسات بأن المسرح الأسباني قام على جهود الدرامي الأسباني - كالدرون دي لاباركا De Labarca Calderon- الذي تم إعطاء أسم لمسرحه وهــو ( مسـرح العالـَم ) ، وهو المسرح الذي مثـّـل المسرح الباروكي ، وقد حُدد المسرح الباروكي ثلاثة تيارات وهــي :

1- المســرح الشعبي Corral ، ويقع هــذا النوع في ساحـات قريبة من المنازل والأحياء البسيطة .
2- مسرح البلاط ، عمل هذا المسرح في عهد الملك - فيليب الثانـيII. Fulop- في القصـر الملكي بمدريـد في قاعة للمسـرح أطلـق عليهـا - صالـون الكـوميـديا Salon De Comedias- ، ومـع اعتلاء الملك الأسباني - فيليب الرابع 1626م- تم التعمـق والاهتمام بالمناظر والديكورات المسرحية ، وعرفت خشبة المسرح الأسباني بالتنوع الشديد من الجماليات الطبيعية كمناظر وزخارف ، مع استخدام الوسائل الفنية والتقنية آنذاك والتي سُخـِّرت للخدع والحيل المسرحية .
3- مسرح السادة ، وجرت عروض هذا النوع من المسارح عادة في الحدائق واتخذت أيضـًا الميادين العامة والشوارع الواسعة مكانـًا لتقديم عروضها ، ويبدأ هذا العرض بالدوران حول الميادين متخذا شكـل المهرجان ، كحركات للراقصين وموسيقى العازفين وأداء الممثلين وكلٍ في ملابسه وأزيائه المسرحية ، ثم يتم دخول الملك والملكة ( عملية تجسيدية ، تمثيلية ) ويتبعانهما الحاشية من الخلف ، ويجري هـذا المشهد في الصباح ؛ وفي فترة الظهيرة تصف السيارات في الهواء الطلق وفق ترتيب معيـّن كي تمارس عملية التمثيل بعـد ذلك .

القرن 19 الميلادي ؛ السينوغرافيا في المسرح الأسباني ليست معـدومة لكنها فقيرة ، خاصة في القرن التاسع عشر ميلادي ، ويعزى السبب وبشكل رئيسي إلى انتشار بما يسمى بمسرح الصفقة ، الذي يهتم بالخط والمسلك المادي ( إيراد شباك التذاكر ) ؛ ولم تحقق أسبانيا إنجازات تذكر بالسينوغرافيا إلا حوالي 1850 م ، ولعل أسباب هذا التأخر لأن المسرح الأسباني لم يعرف مهنة المخرج المسرحي حينها كاختصاص مستقل ، فكان الممثل البطل هو الذي يوجه الممثلين والحركة والمؤثرات ، وكانت تـلك الممارسات تنصب بالأخير على شخصية الممثل البطل كي تخدم عملية إبراز الشخصية الذاتية ( النجومية الشخصية ) ، وهذا لا يصادر على بعض من نبذ هذا الإسلوب المسرحي ، وقليل منهـم من خرج عن هـذا الخط ، ونذكر أبـرزهـم - أميليـو ماريـو Emilio Mario 1838/1899 م ، جوزيه فاليرو Jose Valero 1808 /1899 م ، رفائيل كالفو Rafael Calvo 1842/1888 م- ؛ لقد حاولت السينوغـرافيا الأسبانية الاقتراب والدنو من مستـوى السينوغرافيا الأوروبية ، فأصدر ملك مدريد حينها مرسومـًا ملكيًا بإنشاء أكاديمية الفنون التطبيقية والتي تضم قسمـًا علميـًا للمنظور ، وفي عام 1850 م تـم افتتاح مسرح ( ريل Real ) لتقديم شيئ جديد مـن السينوغرافيا وتم هذا بالفعل ، لكن النجاح الذي تم تحقيقه كان ينسب لمهندسي الديكور الإيطاليين ومن هؤلاء السينوغـرافييـن - أوجستـو فـاري Augusto Ferri ، برنـاردو بونـاردي Bernardo Bonard، جورجيـو بوساتـو Giorgio Busato ، أماليو فرناندز Amalio Fernandez - ، ومـع مرور الوقت استطاعت أسبانيا اللحاق بركب المسارح الأوروبية في مجال التقنية ، وعملت أسبانيا أيضـًا على ارتقـاء السينوغـرافيا في المسـارحها .

- المســرح الأميركـي .
تأثـرت الثقافة المسرحية الأميركية بالثقافتين الفرنسية والأسبانية ، وظهـرت بعـض العـروض المسرحية البدائية على عربة في المكسيك في عام 1538 م ، وكما يعرّفنا تاريخ المسرح على عـرض مسرحي قـُـدّم كذلك في عام 1598 م بالمكسيك ، إلا أن أول ظاهـرة مسرحية تامة هـي التي قدّمت في عام 1607 م في ولاية فرجينيا ، وكانت مسرحية إنجليزية بحته ، وبعد ذلك ضاقت نفوس الأميركيين من جراء تحكـم وهيمنـة الإنجليــز وريادتهـم بناصيـة الحركـة المسرحيـة ، ممـا أضطـر الأميركيـون إلـى نقــل المسـرح جامعة - هـارفارد Harvard- ليُجـرّب بيـن طـلاب الجامعـة .

وعند اقتفاء نشأة الدراما في أميركـا يحق للأسبان أن يشيروا بفخر إلى أن عاصمة المكسيـك كانت تشهـد العـروض المسرحية اليومية في وقت مبكـر يمتد إلى عام 1603 م (47).

لم يكن موقف الحكومة الأميركية آنذاك مشجعــًا لحركة المسرح ، بل كانت الحكومة تتعامل مع الحركات المسرحية بالعدائية ، حتى استطاع الأميركـي - ريتشـارد هانتـر Richard Hunter- وفي صعوبة بالغة من الحصول على تصريح حكومي لإقامة عرض مسـرحي في نيويورك عام 1702 م ، وتوالت بناء دور المسرحيات بعـد ذلك ومنهــا :

1- مسرح فلاديلفيــا عام 1682 م .
-2 على حدود مدينة نيويـورك عام 1724 م .
3- في داخل نيويـورك عام 1732 م ، يتسـع لـ 8622 متفـرّج .
4- ويقـوم الثري الهولندي - ريب فان دام Rip Van Dam- بعـرض مسرحية - الشرطي المجنــد The Recruiting Officier- فـي قصـره الخـاص ، تشجيعــًا منه للحركـة المسرحيـة فـي أميركــا .

تماثلت السينوغرافيا المسرحية الأميركية وتناسخت من قريناتها المسارح الأوروبية وعلى وجه الخصوص من السينوغـرافيا الإنجليزية ،إلا أنها كانت أكثـر حظـًا بسبـب تغذية وتدعيم السينوغرافيا الأميركيـة بجرعات مـن التطـوّر التقني الذي خـدم هـذا المجـال ، فكـان - استيـل ماكـّاي Mackaye Steele 1842/1894 م- من كبار الأعلام الأميركييـن المسرحييـن ، والذي لقــب بأسـم ليوناردو المسرح نسبة إلى الفنان ليوناردو دافنشي ، وكان - أستيل- من المهتمين بالسينوغرافيا وبالتقنيـة التي تخـدم هـذا المجال ، فقـد قام بتصميـم مسـرح - Madison Square- والذي أفتتـح في 1879 م ، وهذا المسرح تم إلغاء مقدمة خشبة المسرح الأمامية ، مع إلغاء أبواب الجانبين التي كانت على المقدمــة ، فكـان التمثيل يجـري وسـط المتفرجيـن ، مما حقـق تناغمـًا مـع الجماهيـر الحاضـرة للعرض ، والمسرح المشيّـد هذا كان يتـّسع لـ 700 متفرّج لتتم عملية التأثير الواسع من خلال تلك العروض المقدمة ، كما قـام المخترع الشهير - أديسون Edison- في التخطيط لإضاءات خشبة المســرح .

وفـي القرن العشريـن ، أصبحت الولايات المتحـدة واحـدة من أكبــر الدول المتقدمة تقنيـًا وصناعيـًا ، سابقـة بذلك الدول الأوروبية في العديــد من المجالات ، ورغـم ذلك إلا أن المسـرح الأوروبي لا يزال محافظـًا على المستـوى العالي في الفنون المسرحية ؛ فبعد الحـرب العالمية الأولى توجه الكثير من الفنانين المسرحيين الأوروبييـن للولايـات المتحـدة ، وتلـك الهجـرة عملت على رقــي وسمو الحركـة المسرحيـة فيهـا ، مع هذا التقدّم ، قام البروفيسور- جورج بيكر G. p. Baker- من جامعة هارفرد ليكوّن فرقة مسرحية تحت أسم -English 47- ، والذي أفسح المجال لعدد غير قليل من المؤلفيـن الدرامييـن الأميركيـن للكتابة ومهنم - يوجين أونيل ، روبـرت شروود ، سيدني هوارد ، توماس وولـف ، فيليـب بـارّي- ، فتـابع جـورج بيكـر جهـودهُ ليفتتـح مركـز مسرحـي أتـى تحـت أسـم -Work Shop 47- كي يتخصـص هـذا المركـز لدراسة السينوغـرافيـا المسرحيـة ، وقـد تخـرّج مـن هذا المركز عـدد مـن السينوغرافييـن منهـم - دونالــد أونـزليجــر Oenslager Donald 1902 /1975 م ، لـي سمنســون Lee Simonson 1888/1967 م- ، ثم ينتقـل جورج بيكر لجامعـة - ييل Yale- منشئــًا أول قسم للفنون المسرحية ، وتسلـّحت المسارح هناك بإشراقـة جديدة في السينـوغـرافيـا ، وإلـى جانـب كـل مـن - سمنسـون و دونالد أونزليجـر- برز كل من السينوغـرافييـن - دافيـد بيلاسكـو David Belasco / روبـرت إدمونـد جونـز Robert Edmond Jones / نورمـن بـل جدّيـز Norman Bel Geddes / كليـون ثوركمورتون Cleon Throckmorton / بوريـس أرونســون Boris Aronson / مورديكـاي جورليـك Mordecai Gorelik- وغيـرهـم .

فجميعهم خلـّـفوا أبحاثـًا تبحث في فلسلفة التفسير السينوغرافي على خشبة المسرح ، وحثــّت أبحاثهـم ودراساتهـم بالتمرّد على الواقعية في المناظر المسرحية ، والتي تحرّك شهية المتلقي للتفسيـر السينوغـرافي ، والمشاركة الحسية والوجدانية مـع العـرض من خـلال السينوغـرافيا .

لم تكن السينوغـرافيا الجديدة تنطلق من فـراغ ، فقـد عكف السينوغـرافيـون على دراسة تاريخ المسرح وتاريخ الخشبة والأزياء المسرحية بجانب تدعيم ذلك بالتكنولوجيا ( الإضاءة على سبيل المثـل ) ، وساعد على تحقيق منهج السينوغرافيا الجديدة مخرجون أميركيون آمنوا بحجم الديكورات ( دراميـًا ) على خشبـة المسـرح ، منهم - لي استراسبورج Lee Strasberg / شيريـل كرافـورد Cheryl Crawford / استـلا أدلـر Stella Adler / موريـس كارنوفسكـي Morris Carnovsky / جـون جارفيلـد John Garfield / إليـا كـازان Elia Kazan - وغيرهـم .

وتبقـى اليوم أمامنا أكثر من 300 جامعـة في الولايات المتحـدة ومدرسـة عـُـليا ، تحتوي على أقسـام للفنـون المسرحية ، تعطي الشهادة الجامعيـة العليا في هـذا التخصص النادر والجميـل .

- المســرح الرّوسـي .
لا نصادر على الإيطاليين ريادتهم في تطـوّر السينوغـرافيا ، حيث أستعان المسرح الرّوسي بهم ، ففي عام 1789 م يستدعي سفير روسيا - يوسوبوف Juszupov- بميلانو السينوغرافي الإيطالي - بيوترو جونزاجا- للسفـر إلى روسيا ذلك للعمل بما يسمــى بمسـرح العبيـد .

كمـا تـم التعـاون مـع السينـوغـرافي النمسـاوي - أندريـاس ليونهـارد رولــد ، Andreas
Leonhard Roller 1805 /1891 م كأستاذ جامعي في الفنون ، والذي درس في كل من النمسا وألمانيا و فرنسا ثم إنجلترا- ظل أستاذا في روسيا بين عامي 1834 و1879 م ، لكن السينوغرافيا الروسية باتت محجّمة ، بسـبب واقعية المسرح الرّوسي آنذاك وواقعية دراميته قد عملت على تقليل المفعول السينوغرافي وتأثيره ، لأن خشبات المسرح الرّوسي أتت تحت حتمية المسرح المغلق ، والمنظر في أغلب الدرامات الرّوسية الواقعية يُمثـل حجرة ، إضافة إلى الكم الضخم من الأثاث والإكسسوارات والمرايا والساعات المعلقة على الجدران وصور الأسـرة ...إلخ ، فكان تحـرّك السينوغرافيا لا بد لها أن تخضع لتلك الضرورة الواقعية في المسرح الرّوسي ، لكن السينوغرافيا أخذت تتحرّك بشكل أكبـر في مسـارح الأوبـرا .

ومع ما سبق ذكره ، فالمسارح الرّوسية أتت بأبناء سينوغـرافييـن مسرحييـن منهــم - ميهائيـل إليتـش بوتشــاروف M. I. Botcharov 1831 /1895 م / ماتفـاي أندريفتـش سيسكـوف M. A. Siskov 1832 /1897 م / سافـا إيفانوفتـش مامنتـوف S. I. Mamontov 1841 /1918 م- فالأخيـر كان أكثـر السينوغرافييـن تطلعًا إلى الطليعية ، ذو إطار شعبي بسيط بعيـد على التعقيـدات ، مناظر لا تأخـذ الأعماق الفلسفية ، كي تستوعبه وتهضمه الجماهيـر سينوغرافياته .

أعتبر المخرجـون على ما يبـدو المسـرح البـرجـوازي القديم ضربـًا من الألاعيـب الضخمـة ( بعـد الحرب العالميـة الأولى خاصة في روسيـا وألمانيـا ) ونـدّدوا بوسائـل الخداع والتدليس والتحايـل التي لجـأ إليها المخرجـون فسعـوا إلى التغريـر بالنظارة الذين يشهدون أعمالهم حتى يعتقـدوا أنهم يـرون صورًا حيّـة حقيقية تعرض أمامهم على المسرح ، ولم يعد النظـارة يخدعـون لينسـوا أن ما يشاهـدونه هـو أي شيء غيـر عرض مسرحـي ، وأعلن المخرج الــرّوسي – فسفـولد ماير هولــد Mierhold Vsevelod- : " إن الواجب المفروض على المخرجيـن هـو أن يزيلـوا وهـم الواقعيـة ، إن العالـم الواقعي الخارجـي موجود ، لكن هذه المسرحية وهذا المسرح ليسا هذا العالـم بمعنى أن المسرح عالـم من نوع آخر لـه واقعيته ومن ثم ألغيت المناظر وأصبح المسـرح منصة خاليـة من أي إكسسـوار ، وقـد يضاف إليها منصة أو منصتان وبضع درجات ، وأصبح الجدار الخلفي للمسرح مكشوفـًا مجردًا من أي ديكـور ، لأن المخرجيـن الثورييـن كانوا فخوريـن بـأن يمنحوا الطـوب المجرّد مرتبة جليلـة رفض المسرح الواقعـي على الـدّوام أن يمنحهـا لـه " .

وفي المسرح الروسي في الوقت الذي أشـرف فيه العالم على الثلاثينيـات تخلى عن الأشكـال المتطرفـة للأسلوبيـة ، وقـد جاء التغييـر على أيدي المخرجيـن الذين أثـروا بوضوح تلك المسارح التي يكون فيهـا التمثيـل مبهجــًا والأدوار الإنسانية ، وقد أصرّوا أيضـًا أن تعـرض المسرحيـات التي يشاهـدونها بشىء من المواجهة للواقعية على الأقـل بدلا ً من الأسلوب المضـاد للواقعيـة الذي ينتجـه المخرجـون الثوريـون بعزيمة ماضيـة ، وقـد رفـض كل ذلك – مايـر هولد- ، رفض أن يخضع لأذواق الجمهور واستمر في إخراج مسرحيات يصفهـا - أندريه فان جيـزجهم- في كتابـه عن المسرح السوفيتي بأنها " طنافس نسجتها عرائس حية على أجهزة خيالية ، طنافس مسرحية ولا تتألف من ألوان وجمال فحسـب ، بل من زخارف هندسية تفتن العقـل ، ولكنها لا تمس قـط الانفعالات " .

- المسـرح النرويجــي .
أشـارت الدراسـات إلى أن المسـرح النـرويجـي مـن المسـارح المتواضعـة ، نتيجـة الظـروف السياسية التي تتعلق بالنظام الحكم فيـه ، فقد تبعت النرويج دولة الدانمارك حتى عام 1814 م ، لذلك لم تكن هناك مسارح تابعة للبلاط الملكي النرويجي ، إذ كان مقر الحكم الملكي في استوكهـولم ، بهذا لم تعرف النرويج المسرح إلا نهايات القرن 19 الميلادي ، أو في منتصفه تحديدًا ، وكان ذلك في مدينتيـن هما - كريستينيا Christinia / برجـن Bergen- فالحركـة المسرحية النرويجيـة لم تنهـض إلا بعـد معاهدة الاتحاد مع السويد عام 1905 م ، مع تلك المعاهدة أصبحت الثـقافة النرويجية أكثر استقلاليـة .

تعدد إنشاء المسارح التجريبية في النرويج بعـد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، في أوسلـو كمسـرح - مايول Mayol / مسـرح إنتيمــا Intima / مسـرح برث ريستادس Berth Raestads / مسـرح فـري Frie / مسـرح بالكونجـن Balkongen / ثم مسـرح سويلـن Soilen- .

انطلق التجديـد في عالـم السينوغـرافيا من المسـرح القومـي النرويجـي في أوسلـو ، بجهـود من السينوغرافي النرويجي - بجـرن بجرنسون- ثـم تابعيه - جينز فانج Jens Wang / أوليفـر نيرلانـد Oliver Neerland- ، وقــد عمل هـؤلاء الثلاثة على تحقيــق تصوّر ذي عناصـر درامية ، حتى إنهـم اقتربوا نحـو أفكار الإنجليزي المخرج الرسّـام - جـوردون كريـك- بسينوغـرافيته الطليعية في المسـرح الحديـث .
* * *
( المصادر )
- دوان لوز ،3ds max 4 - Workshop ، الدار العربية للعلوم ، ط1 ، بيروت ، 2002م .
- فرانك م. هوايتنج ، المدخل إلى الفنون المسرحية ، دار المعرفة للنشر ، القاهرة .
- د. كمـال عيـد ، سينوغرافيا عبر العصور ، الدار الثقافية للنشر ، القاهــرة ، 1998 م.
- محمد إدريس ، مدخل لمفهوم السينوغرافيا ، ورقة عمل ضمن فعاليات مهرجان المسرحي الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي ، البحرين ، 1995 .
- أحمد زكي ، عبقريـة الإخــراج المسـرحي ( المدارس والمناهج ) ، الهيئـة المصرية العامـة للكتــاب ، القاهــرة ، 1989 م .
- جمانة الياسري ، مجلة الحياة المسرحية ، وزراة الثقافة ، عدد51 ، 2002 م ، سوريا .
- نهى حنـّا و يوسف طنوس ، الفنـــون (الموسوعة الثقافية العامة) ، دار الأجيل ، بيروت 1999 .
أعد مادتها /
أ.مشعل الموسى
المعهد العالي للفنون المسرحية
الكويت
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا