الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاط الضعف والقوة في الحكومة الأنتقالية القادمة

حازم الحسوني

2004 / 5 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم يبقَ على موعد تسليم السلطة للشعب العراقي من قبل سلطات الاحتلال في الثلاثين من حزيران ألا بضعة أسابيع , حيث لازالت المشاورات مستمرة بين المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي , وممثلي الشعب العراقي داخل مجلس الحكم أو خارجهِ , ويبدو أن الطبخة تهُدر على نار هادئة ما بين الإبراهيمي والإدارة الأمريكية بعلم أو غياب العراقيين , و بكلمة أصح عليهم التعامل مع أمر واقع أصبحَ مفروضاً عليهم كما هو الحال في السابق , ودليلنا على ذلك المشاورات المستمرة التي يجريها الإبراهيمي مع الإدارة الأمريكية حول شكل التمثيل العراقي أو طبيعتهِ , الأمر الذي دعى وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الى الحديث عن إعلان الحكومة العراقية خلال أسبوع أوأسبوعين على أكثر تقدير , وهو الذي أكد إتصالاتهِ المستمرة مع الإبراهيمي على شكل وطبيعة الحكومة القادمة في العراق بل وحتى التشاور على أسماء المرشحين لهذهِ الحكومة , ومن جانبهِ أكد السيد هوشيار زيباري على أن قائمة المرشحين أصبحت تقريباً جاهزة وستُعلن خلال الأيام القادمة, فالقائمة معُدة للمرشحين لتولي مناصب رئاسة الدولة ونواب الرئيس ورئاسة الوزراء , وحتى الوزراء , وإن الذي تبقى هو انتظار موعد الثلاثين من حزيران أو التفاهم على اسم هذا المرشح أو ذاك , أي بمعنى آخر لم تعد هناك حاجة الى الخوض في طبيعة , ومفردات مشروع الإبراهيمي – الأمريكي , والمشروع العراقي الذي للأسف لم يتبلور بشكل حقيقي الى حد الآن بحيث يساعد العراقيين على المناورة السياسية واستخدام أوراق الضغط التي بأيديهم , والتي لم تستنفذ لحد الآن .
ستُسلم السلطة في هذا التاريخ أذا ما لم تضع الإدارة الأمريكية العراقيل أمام ذلك , لكن لهذهِ الحكومة القادمة على الرغم من نقاط الضعف التي تعاني منها فإن لديها في الوقت نفسهِ نقاط من القوة التي تمكنها من إدارة الصراع مع المحتل لو أحسنت ذلك ففي تقديرنا أن نقاط ضعفها تكمن في التالي :
أولا ً: أن الحكومة القادمة سوف لن تكون منتخبة بشكل مباشر من الشعب العراقي أو من أي هيئة عراقية منتخبة , أي بمعنى أن شرعيتها ستتعرض الى الإهتزاز , وتعطي الأنطباع بأنها معينة من قبل سلطات الاحتلال , الأمر الذي سيُعيد تجربة بناء مجلس الحكم الذي لم يحظى بالشعبية المطلوبة رغم مشاركة العديد من القوى السياسية الحية في المجتمع العراقي فيه , تلك التي ناضلت ضد النظام المقبور طيلة عدة عقود .
ثانياً : أن الحكومة القادمة ستكون محدودة الصلاحية ومنقوصة السيادة , وهذا ما أكده كولن باول عندما صرح بأن على الحكومة القادمة أن تعطي جزأ من صلاحيات السيادة الى قوات الاحتلال الأمريكية , وقد أشار الى بعضها والمتعلقة بوزارة النفط والدفاع والداخلية , بل ذهب السيد باول أكثر عندما طالب الحكومة القادمة بتخويل أمريكا للتحرك على الصعيد الدولي نيابة عن الحكومة العراقية القادمة , أو التشاور معها في بعض الأمور لإنجاز مهامها , بغية كسب التأيد الدولي .
ثالثاً : أن الحكومة القادمة ستبُنى على صيغة من التوافق مابين السياسي والتكنوقراط , أي بمعنى أنهُ ستكون حكومة تجمع مابين السياسيين الذينَ تقف ورائهم أحزاب وقوى سياسية مناضلة ضد الدكتاتور الساقط ونظامهِ المستبد , وبين التكنوقراطين الذين يفتقد بعضهم الى الدعم السياسي المطلوب , فهنا يجب التنبيه الى القوى الصدامية التي ستحاول االنفوذ في هذهِ العملية , والإشتراك في الحكومة بحجة الدوافع الديمقراطية التي يروج لها الإبراهيمي ظاهرياً , والمحملة في باطنها للنزعة القومية والطائفية لهذا الرجل الذي يريد تسويق البعثيين بهذهِ الصيغة او تلك .
أن صيغة التوافق هذهِ ستعرقل بلاشك عمل الحكومة القادمة , وتعيقها من أداء مهامها , ونستطيع القول أنهُ لابد من الإنسجام بين أعضاء هذهِ الحكومة , والتي ضروري أن تبُنى على قواسم مشتركة منها العداء لنظام صدام , والنزاهة السياسية , والتاريخ النظيف , والمقدرة العلمية والإدارية في أداء المهمات التي تتطلبها هذهِ الوزارة أو تلك .
رابعاً : أن الحكومة القادمة ستواجه تلالاً من التركة الصدامية بدءاً بضرورة توفير الخدمات الضرورية الملحة للمواطنين وتوفير الأمن والعمل..الخ , فعلى الحكومة القادمة أن تكون صريحة و واقعية مع المواطنين , وتتحدث بكل شفافية عن حجم إمكانياتها ومدى صلاحياتها لكي لاتعطي صورة ضبابية مشوه عن مقدرتها , ولكي لاتصُاب الجماهير بالإحباط و ردة الفعل تجاهها كما حصلت مع تجربة مجلس الحكم .
أما نقاط القوة لدىالحكومة القادمة إذا ما أحسنت استخدامها , وعرفت كيفية إدارة الصراع مع قوات الاحتلال لانتزاع السيادة الكاملة وغير المنقوصة فيمكن تلخيص بعضها فيما يلي :

أولاً : في الثلاثين من حزيران وكما هو مرجو سوف تُزال صفة الاحتلال , وتنتهي سلطة الحاكم المدني , وتسلم السلطة الى العراقيين , وهذا معناه ان الحكومة القادمة ستتخلص من ربقة الاحتلال الرسمي للبلد , وسوف يتيح القانون الدولي لها إمكانية المناورة السياسية مع المُحتل , والطلب منهُ حتى بالرحيل من أرض العراق .
ثانياً : ستتمكن الحكومة القادمة من مطالبة المجتمع الدولي للتدخل , والمساعدة في السيطرة على الوضع الأمني المنفلت , والضغط على دول الجوار لمسك حدودها ومنع تسلل المجرمين الباحثين عن الجنة !!! على حساب أهل العراق , وتحد من التدخل في الشأن العراقي , وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياتهِ تجاه العراق وشعبهِ , وبهذهِ الحالة يمكن الحد من الأنفراد بالملف العراقي والتعامل معهُ كغنيمة حرب كما تفعل وتريد أمريكا وحلفائها ذلك باستمرار.
ثالثاً : ستُتاح أمام الحكومة القادمة فرصة وإمكانية تنظيم العقود والصفقات التجارية القصيرة الأمد التي لا تتجاوز فترة وجودها الى كانون الثاني 2005 , وخصوصاً فيما يتعلق بالمرافق الحيوية التي تمس حياة المواطنين , كالأتفاق على عقود توفير وإدامة شبكة المياه الصالحة للشرب , وأعادة وإدامة شبكات الكهرباء , والصرف الحصي , وشبكات الهاتف , وإعادة تأهيل المدارس والمعاهد والجامعات , وتزويدها بكل ادوات ومستلزمات التطور المعرفي والتقني , وإصلاح شبكات الطرق والجسور, والمنشأت الصناعية والزراعية , وتوفير الأسمدة والمعدات اللازمة لتطوير الزراعة , وغيرها من الخدمات والمتطلبات التي تمس حياة قطاعات الشعب المختلفة , أما القضايا التي تمس سيادة البلد وخاصة ً المتعلقة بصناعة النفط , و خصخصة قطاع الدولة ..الخ فهي من صلاحية الحكومة المنتخبة شرعياً فقط من قبل الشعب العراقي لا غير .
رابعاً : أن إزالة صفة الاحتلال في الموعد المذكور سوف تجرد دعاة مواجهتهِ , وخصوصاً من السلفيين , والصداميين , والمجرمين القامين عبر الحدود من الغطاء السياسي , وستضع هؤلاء وجهاً لوجه أمام مصالح الشعب العراقي , ومطاليبهِ في الأمن , والأستقرار , والعمل , والتسيير السلمي للعملية السياسية , الأمر الذي سيُعطي الحكومة القادمة ورقة الضغط الشعبي على هذهِ العصابات , و سيدفع الحكومة القادمة لطلب المساعدة من المجتمع الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة في العراق التي تتخذ أسماء عديدة بغية أستمرارها في الجرائم التي ترتكبها يومياً بحق العراقيات والعراقيين .
أننا بطبيعة الحال نُدرك مدى وطبيعة المفاوضات التي تجُرى حالياً مع الأخضر الإبراهيمي حول طبيعة وصلاحية الحكومة القادمة , فهيّ بلاشك معقدة وصعبة يتنازعها خياران , أولهما أمريكي يراد تنفيذه عبر الإبراهيمي الذي يحاول إستبعاد التمثيل السياسي للقوى الوطنية الحقيقة التي ناضلت ضد نظام صدام أو تحجيم دورها , وثانيهما شعبي وطني عراقي يناضل من أجل المشاركة والمساهمة في رسم المستقبل السياسي العراقي , وبنفس الوقت ندرك أيضاً حقيقة الضغوط الأمريكية التي تمُارس على المجتمع الدولي , والعراقيين لتمرير وجهة النظر الأمريكية , والقبول بها من خلال التهديد بالفلتان الأمني بعد رحيل القوات الأمريكية أو التلويح بالورقة الأقتصادية أي بمعنى أن الحكومة القادمة ستكون غير قادرة على سداد الديون والتعويضات للمتضررين من جراء حروب صدام السابقة أو النهوض بالبناء الأقتصادي دون المعونة الأمريكية .
هذهِ أمور ممكن فهمها ومناقشتها بلاشك , ولا يمكن تغافلها , و لكن من الذي أوصل الوضع العراقي الحالي الى هذا الحد ؟ غير الدعم الأمريكي لصدام أولا ً وتحديد صلاحيات مجلس الحكم , وقوى الأمن الداخلي من العمل لمواجهة الجريمة المنظمة ثانياُ .
أن على أمريكا وقوات الاحتلال التعويض للشعب العراقي عن كل الجرائم التي أرتكبها صنيعتهم صدام طيلة الخمسة وثلاثين عاماً من حكمهِ الأسود بحق شعب العراق , فاستغلال أوراق الضغط هذهِ على حكومة العراق القادمة وتكبيل أبناءهِ بجريرة دكتاتور أرعن قدم كل الخدمات لأسيادهِ في البيت الأبيض لا يمكن لأي عراقي وطني شريف أن يقبل بها , وهذهِ الحقيقة تدركها أمريكا جيداً , ولذلك لا تُريد أي حكومة عراقية مستقبلية تتمتع بأي سند شعبي ينغص عليها مشاريعها في العراق .
أن القوى السياسية الحية الفاعلة في مجلس الحكم , و خارجهِ مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى الى الأرتقاء بعملها السياسي المشترك الذي يغلب مصلحة الوطن فوق الأعتبارات الحزبية والطائفية والقومية الضيقة , وذلك في توحيد جهودها , وعملها , وخطابها السياسي المشترك , وإدراك حقيقة أن تبعية النظام الساقط لا يمكن أن يتحملها أي حزب بمفردهِ مهما أمتلك من الشعبية والجماهيرية , وبنفس الوقت أنهُ لا يمكن لأي طرف سياسي أن يدعي إمكانية تمثيل الشعب العراقي بمفردهِ أيضاً , ولذلك فلابد من العمل المشترك , والإنفتاح على الرأي الآخر , وإحترام التعددية السياسية والفكرية والطائفية والدينية والقومية في المجتمع العراقي .
الحكومة القادمة ستكون مشلولة وأسيرة المشروع الأمريكي أذا لم تحظى بالتأيد الشعبي الذي يساعدها على إنجاز مهامها في إنهاء الاحتلال وإعادة السيادة الكاملة غير المنقوصة للشعب العراقي , لهذا يتحتم على الجميع العمل المشترك , وإخراج المشروع الوطني العراقي الى النور قبل تشكيل الحكومة القادمة في الثلاثين من حزيران لكي تجد الركيزتين التي تقف عليهما لا أن تعُلق في الهواء .
السويد 24-5-2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام