الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرهان يبحث عن رتاَّق الفتوق

مديح الصادق

2009 / 9 / 26
كتابات ساخرة



حين يلفى المرء نفسه محاصرا بالأشرار من كل جانب بحيث يغلقون عليه المنافذ من كل اتجاه , والشر مومس لا مقاييس له , يتلفع بالدين إلى حد الإفراط المقرف , أو بالإنسانية المقيمة للحق , وأحيانا برداء المصلحة العليا للقوم , ووحدتهم , وتحل الطامة الكبرى إذ يغلب الجهل على النسبة الكبرى منهم ؛ حينذاك على الشريف أن يحسم القرار , فإما أن يستسلم - مقتنعا أو غير مقتنع - وحشر مع الإسلام عيد كما يقال , أو أن يسبح عكس التيار الجارف مهيِّئا نفسه لأقسى الاحتمالات التي قد تودي به إلى حد قصم الظهر , أو قطع اللوزتين



أما { شرهان } فقد خالف القياسين والعرف السائد : { إن لم تتحمل جارك المسيء فعليك بالرحيل من الدار } وهي ليست مشكلة لديه , ما هي إلا خيمة , ورواق , يطويها على ظهر بعيره الصابر , ومتاع الراحلين دوما خفيف , كخفة ظل الحكماء , والعيال تابعون لرأسهم

فهي سنة الحياة , والرحيل عن دار يحكمها ظالم لا يخشى الأرض ولا السماء هو خير من ربقة ذل لا تليق بالفرسان , فالكف الواحدة

لا تصفق حين يختفي أنصار الحق خلف الستار , منهم طامع بالفتات

ومنهم يؤثر الصمت للنفاذ بالجلد



تفحص كيسا يربطه على الهميان بكل اهتمام , مد يده وعدََّها واحدة واحدة فهو يعرفها باللمس , هذه { حميدية } وتلك { رشيدية } , حسنا فعلت إذ اشترطت على الصائغ أن يكون عاليا العيار , عندما يشتد عليك الخطب فالرصيد المنقذ إما كنز ثمين تعتاش منه , أو صديق صدوق تتكئ عليه , أو كلاهما وتلك أفضل الأحوال , وإن غادرت دارك - مُجبرا - فاترك نخلة أو بئرا لتستمر من بعدك الحياة

تأكد { شرهان } من أن وصايا الوالد تلك قد أحكمها بقبضتيه , ودَّع المقربين , وانسل في ظلمة الليل مهتديا بالنجم القطبي , واصل الرحلة بحثا عن { أولاد الحلال }, إن كنت هاربا من ظلم فلا تحتمي

إلا بأولاد الحلال , لأنك إن اخترت { غيرهم } فلن تأمن على

عِرض لك , أو سمعة , أو مال , وابشر حينها كما استبشر ذلك

المسكين الذي غيَّر دينه تاركا قومه المسالمين ؛ لكنه أفاق صباح

اليوم الثاني ليمسح بالحائط كفيَّه , فلا مال , ولا حلال , ولا جاه , وأحرق داره , وهام على وجهه مرددا أبياتا يحفظها كثيرون



وهل تقرأ الكف يا { شرهان } لتستدل عليهم ؟ أو مكتوب على جباههم ما تبحث عنه ؟ أظن أنك سوف تسأل الرعاة أو تصغي لموواليهم , فالرعاة لا يخافون حين يختلون , وقد تسمع منهم أسرارا , أو فضائح عقابها قطع الرؤوس , لا هذا ولا ذاك

يامرأة جفف عقلها الطبخ والنفخ فما عادت تزن الأمور بميزان

ليس سهلا أن نعثر على { ابن الحلال } في هذا الزمن الصعب , وليس صعبا أن نميز المعدن الثمين من الردئ , { حكّ المعدن يظهر

ألأصيل وغير الأصيل } لا عليك يا بنت العم , لا عليك , الشمس

اتكأت على المسند الغربي , وسوف نمر على الأحياء , حيا حيا , فهم عند الغروب يكثرون الدعاء لمسح ذنوب النهار ويبدأون المشاوير

في ارتكاب الجديد من الذنوب , { ومنهم من يتاجر بالأخلاق والمثل العليا وتحت عباءته ما قدر الله مما يزكم الأنوف } ؛ لكنني - إن شاء الله - سأهتدي إلى من غادرت أهلي لأحظى عنده بحسن الجوار



ألقِ رحلك { ياشرهان } فالحي هذا عامر بأهله , و { المضيف } يغص بالرجال , لعل نصيبنا قد ساقنا { لأولاد الحلال } الذين سنأمن عندهم على كل غال ونفيس , ألا تسمع { رنَّ الهاون } ؟ ضرب الفناجين , النار موقدة , والخدام ماثلون في حضرة { الشيخ } , انظر

كم هو تقي يُقرِّب في حضرته رجال الدين , ويأمر بالعدل والتقوى , ولا بد أنه يتفقد { الأرامل } آناء الليل ليَطمَئِن على نومهن هنيئا بعد فقد الرجال , لقد تحدث الرعاة عن أنه يحج البيت كل عام , وهو عادل مع الثلاثة , لا ضير إن كان يروم التربيع , أظن نصيبنا قد

ساقنا إلى مَن نريد , فلنبنِ هنا الدار , الدار هنا حتما ستمسي خير الديار , وننشر السعي في المراعي , ويلعب الأولاد مع الصبيان , والبنات مع البنات , وحتما سيفرد لك الشيخ موضعا ويستأنس بما أوتيت من فصاحة اللسان , فالحكمة ليست حكمة إن ألقيت على الجهلاء , وخير المحدِّثين من يفهم مقدما إلى مَن يوجه الحديث



تريثي يامراة , بالله عليك تريثي , وسوف تنجلي الأمور , فالعاقل

مَن لا يخدعه السراب , والرقص على أي طبل ضرب من الجنون , هيا احضري ابنتك الصغرى , وناوليني مقص القماش

أمسك بثوب الصبية فأحدث فيه بعض { الفتوق }, أرسلها إلى حيث اجتمع القوم , وقفت عند باب { المضيف } انتفض { الشيخ } بأعلى صوته زمجر ساخرا: ما هذا الهراء ؟ , أتلك هدية { القادم الجديد } لي , أيبعث لي ببهلوان هذا المعتوه ؟ ومن كل جوارحه استغرق في ضحك طويل , جاراه فيه كل الحاضرين , فعندما يقرع الدفَّ ربُّ البيت تجد أهل داره كلهم راقصين , وتلك سجايا المنافقين سرعان ما

يرددون الذي يردد الأسياد بوعي أو بلا وعي , وبئس القوم الذين يقهقهون ساعة يسخر منهم الزعيم , وهو لن يذرف دمعة حين عليهم تنقلب الحتوف



عادت الصبية تجرأذيال الخيبة , تجفف الدموع بأطراف ثوبها

الممزق , تستجمع قواها لتحكي لوالدها { شرهان } كل الذي دار

طوى الخيمة ناويا الرحيل , فالحي الذي { لا يرتق الفتوق }لا يستحق

أن يُستجار به , والجمع الذي يميل مع الريح تبا له من جمع , سيعثر حتما { بأولاد الحلال } والمشوار طويل ولا يزال هناك المزيد من الأحياء ؛ لكنه عاهد النفس ألا يجاور إلا { أولاد الحلال } وإن طال

المطال , فهذا مطلب عسير جدَّ جدَّه في البحث عنه , وهو ليس

كمن يطلب المال , أو الحلال , أو سلعة مما يباع ويشترى في السوق

اجتاز الأحياء كلّها , والغربال نفس الغربال , الشيخ يستهزئ والحاضرون يقلدون الفعل , وفي كل مرة لا تسلم الزوجة من نظرات العتاب على رأي تسرعت به حين حكمها على ظاهر الأمور , يطوي الخيمة والقرار الرحيل



كاد اليأس يغلب ما تبقى من فسحة للأمل في أنها لن تخلو من أهل الخير , وإلا فهي من علامات الفناء , أليس هو القائل يوما : { لا تبتئس ياشرهان إذا رأيت المراكب , كلَّها , تسير في نفس الاتجاه

واعلم حينها أن بعضا منها يناور التيار في لجَّة الإعصار } وما هذا

الشعور باليأس عند أهل العلم بغريب في حين أنهم يبددونه عند الآخرين , والله , لُهي لغز تلك الحياة , وما أتفهه من لغز



حثَّ الخطى نحو الحي القادم , تلفع بظلمة ليل البراري , استرق السمع , وأمعن النظر , هم ليسوا كغيرهم , شيخهم يصب الماء بنفسه على أيدي الضيوف , والقهوة يسقيها , وذلك عنده فضل هو أولى به

لأنه صاحب الدار , وإن بدأ الحديث حكيم أطبق الصمت على الحاضرين مستلهمين العبر والدروس , ولا استهزاء من جاهل أو معتوه , فالحي فيه العاقل , وفيه المجنون , وليس عدلا أن نختار الصالحين ونلقي الطالحين بالنار , والكلاب عندهم تجيد تمييز الخيرين بالشم , وعطايا الكرام تُمدُّ من خلف الأستار , بلا ضجيج



استبشر { شرهان } خيرا فالعلامات تلك علامات الصالحين , وإن صدق الظن فهم قوم يستحقون الجوار , والجار قبل الدار , فالشاعر قبلنا قد قال : ناري ونارُ الجارِ واحدةٌ وإليه قبلي تُنزَل القِدرُ

دفع الصبية ذات { الثوب المفتوق } حيث اجتمع القوم , اتجهت نحوها الأنظار , حكيم بجانب الشيخ نهض من مجلسه , لفَّها بعباءته , أخرج من كُمِّه { مخيطا وخيطا } وقام برتق فتوق الثوب وكسوة من جديد القماش كساها , ومسحة والد حنون مسح الرأس

والحاضرون قد باركوا الفعل النظيف



هيا اضرب خيامك ياشرهان , فالقوم أولاء هم الذين عنهم بحثت

هم أولاد الحلال , ابن الحلال هو الذي { يرتق الفتوق } , ويُكسي العراة , ويُخلي الطرقات من الأشواك , ويستبدل الخبائث بالطيبات

إن عاهد فلن يُخلف العهد , وإذا استؤمن صان الأمانات , لو اضطر للنزال لا يطعن الظهر, ولا يعطي حلاوة من طرف اللسان وزاده سمُّ زعاف , وهو أعمى حين تمر أمامه الجارات , لا يرضى الظلم ولو خُيِّر بين الموت والحياة

أنزل أحمالك , نم قرير العين , فالدار هذي دار خير وأمان ما داموا

في جيوبهم يحفظون { المخائط والخيوط } لرتق ما يستجد من فتوق



سيداتي , سادتي , لا أضيف جديدا , فربَّاط الحديث مقروء من العنوان , وأنتم تفهمون الإشارة لأنكم أحرار؛ لكنني أمارس دور القارئ إذ أقول : ستستمر الحياة رغم الذين ترفَّعنا عن ذكر الصفات فيهم والأسماء ؛ لأن في كل حي من أحيائنا أولاد حلال



مديح الصادق

25 - 9 - 2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?