الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريشت رائد المسرح الالماني المعاصر

محيي المسعودي

2009 / 9 / 26
الادب والفن



سخر من العقائد وعد التوراة أدبا بسبب نشأته العقائدية وانتمائه الاشتراكي

برتوليد بريشت واحد من المسرحين العالمين الذين اسسوا للمسرح الحديث وصار اليوم بما يعرف بمدرسة بريشت المسرحية –اذ وضع هذا العبقري الالماني قواعد المسرح التي اخذها من وحي حياته وافكاره وممتلكاته الذاتية وثقافته المكتسبة من قراءاته وتعليمه وتجاربه –ودخل بريشت عالم المسرح ومازال يمثل احدى المدرستين المسرحيتين الاهم في العالم اجمع .
يُعد بريشت رائد المسرح الالماني الحديث بلا منازع خاصة في الفترة التي اعقبت الحرب النازية.. ولد في مدينة اجسبورج في بافاريا عام 1998 بعد 27 عاماً من توحيد السياسي الكبير بسمارك لالمانيا , هذا التوحيد الذي جعل من المانيا بلدا صناعيا متقدما بعد ان كان مجتمعا زراعيا فتقدمت المانيا وعدت حينها اقوى دولة صناعية في غرب اوربا وصحب هذا التغيير يقظة في كافة الميادين, وشكل هذا التقدم وهذه اليقظة في المانيا مادة حيوية لنتاج بريشت الفني –وعلى خلفية النزعة العمياء التي سادت انذاك مجتمعه نحو الحرب والتعصب الوطني على ايدي رأسمالين جشعين .قساة, مما قاد المانيا الى خوض الحرب العالمية الاولى هذه الحال الالمانية دفعت ببريشت الى النزوع نحو شيوعية الفتية –وبدأ بغضه يظهر لواقع مجتمعه وما آلت اليه الحال بشكل عام مدونا هذا البغض بذكريات ونصوص مسرحية خالدة واتخذ بريشت نموذجا لذلك المجتمع متمثلا بسفاك من مدينة أجسبورج جسد به ومن خلاله تلك النزعة الالمانية ..العدوانية .
وقد كان لاسرة بريشت ونشأته العقائدية أثرا كبيرا في حياته فهو مولود نتيجة زواج غير موحد فأبوه كان كاثولويكيا وامه بروتستانتية مما ادى به الى التمرد والخروج عن الديانة المسيحية ومن ثم استهزاءه وسخريته من الديانات عامة واليهودية خاصة –كعقيدة – وقد سؤل ذات مرة عن الادب الذي اثرفيه اكثر من غيره فقال لسائله :"لاتسخر مني ,انها التوراة ".. ونلاحظ ان اجابته هذه هي نوع من المفارقة الساخرة اذ اصبحت التوراة ادبا وليس عقيدة مما يفسر نظرته للعقائد وهذا يفسر لنا ايضا كيف انه لم يتمسك بشيء من العقائد المسيحية . وان تقديسه للفضائل والاخلاق آت من عقيدته الشيوعية ونزعته الاخلاقية ..وفي اخر مسرحياته نرى السيدة ستيزوان الفاضلة تتجه الى الالهة الصينية يائسة وهي تقول :"لابد ان ثمة خطأ ما في عالمكم , فلماذا تكافأ الرذيلة .. ؟ ولماذا يصاب الانسان الخير بمثل هذه العقوبات الشديدة ..؟.." –هذه .الصرخة هي عن خلفيات قراءة بريشت للتوراة –على الرغم من دلالة المسرحية ومسارها غير الديني . كما ان بريشت يختلف مع الشيوعيين في النظر للعقيدة اصلا ثم انه يختلف ايضا في النشأة معهم لانه برجوازي "مدير مصنع" وهو ينتمي من جهة ابيه الى الطبقة الفلاحية ولكنه ايضا هو ابن الشعب فقد درس في مدارس العامة . دخل عام 1917 كلية الطب في جامعة ميونخ ولكنه تركها بعد استدعائه للخدمة في الحرب .
ويستمد بريشت عمله الفني من سيرته الذاتية التي صنعت ذاته وكونتها . يروي احد اصدقائه حادثة وقعت ايام دراستهم وقد غابت عن دارسي ونقاد اعمال بريشت والحادثة هي ان زميلا لبريشت اراد ان يعدل درجاته فما كان منه الا ان محا الاخطاء ووضع مكانها الجواب الصحيح فكشف المدرس هذا الغش وعوقب الطالب –زميل بريشت – ولكن الاخير بذكائه وفطنته استطاع ان يعدل درجاته بالغش ايضا دون ان يلاحظ ذلك المدرس اذ قام بريشت بكتابة الجمل الصحيحة من الجواب ووضع تحتها خطأ احمر كالذي وضعه الاستاذ تحت الاجابات الخاطئة –وقام يتساءل حولها كيف تكون هذه الجمل خطأ فانطلت الحيلة على الاستاذ ونال بريشت درجات رفعته عن مستوى التلاميذ الضعاف في اللغة الفرنسية واللاتينية –موضع الدرس – واستطاع في هذه الحادثة تاكيد طاعته وخضوعه ولكن بسخرية ماكرة فهو لم يزعم بانه يستحق درجات اعلى في الاختبار ولكنه طلب اخراجه من دائرة ضعاف التلاميذ تصحيحا لخطأ مصدره سوء التقدير .
وهكذا كانت صفات شخصيته المسرحية على مدى تاريخه الابداعي .. كمسرحية غاليلو بشخصياتها الماكرة التي تحصل على مقاصدها حين تسالم اليوم لتواجه في الغد معارضها وكذلك في مسرحيته "الهوارس وكورياس " فنرى المحارب الذي يظهر بصورة الهارب فيظفر باعدائه افرادا متفرقين الى جانب المكر المغرض الذي يعمل عليه بريشت ظل يبدي تعاطفه مع الفضيلة التي تمارس من اجل الفضيلة ذاتها دون النظر لنتائجها ويظهر هذا التعاطف في شخص مسرحيته "رؤى سيون ماشار "ومسرحية –سيدة سيزوان الفاضلة اضافة الى موضوع "مسرحية دائرة الطباشير " وهذا كله يدور في فلك رؤية بريشت حول العدل الاجتماعي في المجتمع الاشتراكي وهذه المسرحيات عبارة عن حوار دائم بين الفضائل ومطالبها – في ذاتها – وكيفية تعايشها مع المكر على حساب الملابسات الاجتماعية التي قد تتطلب نفاق المحتال وتلون الحرباء . واثرت في حياة بريشت الفترة التي خدم فيها الجيش وظهر ذلك في شعره الغنائي ولم تؤثر في مسرحياته كثيرا وقد كان فوضويا في نزعاته –الخلقية والسياسية رافضا كل خضوع لاي نظام يحد من حريته ...
تزوج بريشت عام 1922 واشتغل بالمسرح في ميونخ ثم صار مساعدا في برلين لاثنين من كبار المخرجين المسرحيين في عصره –هما – ماكس رينها رب - واوروين بيسكيتور – عارض التعبيرية في مسرحياته ابان تلك الفترة حتى عام 1927 مما زاد في شهرته الى جانب صدور ديوانه متاثرا فيه بنزعات واساليب بكليينج وبودلير وفيون ورامبوا ..غاص بريشت في تصوير اوهام الوجود وشروره . ولم يعرف قصاصا ناجحا فيما كتبه انذاك .
كان برتولد بريخت رجل مسرح في الاول وهو بهذا الصفة احدث خلال النصف الاول من القرن العشرين تلك الثورة المسرحية الملحمية التي وضعته في مصاف شكسبير اذ شكل باعماله نقطة انعطاف في تاريخ الكتابة والاخراج المسرحيين . ومع هذا فانه حين "حوكم " في هوليوود من جانب لجنة السناتور ماكارثي المعروفة بمطاردة اصحاب الفكر التقدمي كان على مشاورات دائمة خلال اقامته الاميركية, للعمل ككاتب سيناريو. لكنه في الحقيقة لم يسهم الا في فيلم واحد هو "الجلادون يموتون ايضا " حيث كتب النص الاصل للعمل شراكة مع مخرجه فريتزلانغ وكانت تلك المساهمة على اية حال حتى وان تمت في العام 1942 حين كانت الولايات المتحدة قد انخرطت تماما في الحرب ضد النازية ولكنها كانت تكفي لادانة بريخت امام لجنة مناهضة النشاطات المعادية لاميركا طالما ان هذه اللجنة كانت قد اخذت على عاتقها اضطهاد كل التقدميين والاجانب لاسيما الذين ناهضوا النازية الى جانب الرئيس روزفلد في خوضه الحرب ضدها وهذا يشير الى عدم اهتمام بريخت بخوض الفن السينمائي في هوليوود على رغم من المغريات . ومع هذا نذكر ان صاحب (اوبرا القروش الثلاثة ) كان قد اهتم بالسينما باكرا اي منذ سنوات شبابه في برلين فكتب عنها وحاول مرارا ان يكتب لها وساعد في اقتباس اعماله سينمائيا لكنه في معظم الحالات لم يوفق لاسيما حين حقق فيلما انطلاقا من مسرحيته "اوبرا القروش الثلاثة " (1931). فوصل الامر الى المحاكم في العام نفسه, ولكن وربما على سبيل التعويض ساهم بريخت مساهمة اكبر وهي الوحيدة الحقيقية في تاريخه وستكون الوحيدة التي لم يخف رضاه عنها – في الفن السنمائي من خلال كتابته – والمشاركة في اخراج – فيلم اعطي عنوانه "كوهل فامب " يسأل من يملك العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?


.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد




.. إيه الدرس المستفاد من فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو ب