الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 12 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..

حبيب هنا

2009 / 9 / 26
الادب والفن



12

لم تأتني "إيناس" بالخبر اليقين سريعاً ، بينما تنامى إلى علمي على نحو مفاجئ ، اقتران " غادة" برجل مقيم خارج حدود الوطن ، وبقيت لفترة دون إنجاب ، فيما أنجبت لاحقاً طفلة أسمتها "سهاماً " ، وعندما سمعت بالخبر وقع عليّ وقع الصاعقة ، لا لأنها تزوجت وأنجبت طفلة تمنيت من كل قلبي أن تكون ابنة لي ، بل لأن ما حدث حيرني كثيراً وجعلني في ربكة من أمري جرّاء ما قلته لها عندما قرأت الكف والذي وزعته على محاور رئيسة أربعة تحقق منها الأول والثاني ؛ فبت أرقب المحور الثالث لدرجة استحوذ على جزء مهم من تفكيري وسلوكي معاً . وتساءلت مرات عديدة أمام بعض الأصدقاء ، دون وعي لمضمون التساؤل : هل ستأتي حادثة تودي بحياته وتعود " غادة " إليّ مع طفلتها كي نكمل مشوار الحياة سوياً ؟ هل سيفترقا لسبب ربما يكون تافهاً وأجدها فجأة منتصبة أمامي تقول : كنت قارئاً جيداً للكف ! وهل سأقبل أنا الذي رفضت بكل معنى الكلمة ارتماءها بحضن رجل آخر ، الاقتران بها عندئذ ؟ ولماذا لا تقف في وجهي وتقول : كنت قارئاً جيداً للكف ، ولكنني لن اقترن بك حتى أثبت لك أنك لم تقرأ النهايات كما ينبغي للقارئ العارف ؟ !!
هذا الوضع الناشئ ، أدخلني في عذاب من الشكوك المخيفة ضقت بها ذرعاً كلما ازداد ضغطها عليّ .وكانت المتعة الوحيدة عندما يستعصي عليّ النوم جراء التفكير في مجريات الأمور اليومية ، دون التوصل إلى أفضل الحلول ؛ كانت المتعة الوحيدة رغم مكابدة العذاب ، لأنني قلما فكرت بها ليلاً دون أن أنام من فوري ، حتى غدت أشبه ما يكون بالباعث على التخدير عند حصول الألم ..
لست مبالغاً عندما أقول ، أصابت كل أمراض الكون كياني ولم تعد الاكتشافات الطبية تساوي لحظة فرح بعد أن مزقت الإبر جلدي وأحالته إلى ثوب مهترئ لا يحتمل غرزه إضافية أو رتقاً جديداً يستر العيوب قبل أن توزع نفسها على مساحة النظر ..
نعم ، لست مبالغاً . لقد رأيتها في كل النساء اللواتي صادفتهن .. جمعت قطع وجهها من الصور المنتشرة في الصحف والمجلات .. من الوجوه التي تملأ مفترقات الطرق والإشارات الضوئية المنتصبة لتنظم حياتي وتشتم رائحة عطرها ، حتى إذا ما داعبت أحلام تجديد النسل في لحظة تلامس فيها حرارة الشمس نسمة الحقيقة الباردة ، انطلق الأفق نحو مصاهرة فضاء العيون التي لا ترتوي من انتصاب علامات الاستفهام التي ظلت معلماً مجسداً يطالع صباح أيامنا التواقة إلى التجديد دوماً بغية انتزاع خواء الفراغ من أرواحنا قبل أن يصيب التلف الرأس ويدمره .
ولما جاءت "إيناس " بالخبر كانت قد فقدت إحدى رئتيها .. وضعت رأسها على أعتاب الحقيقة وأجهشت بالبـكاء فيما كنت استـعد لبتر ذراعي .ومن بين الدموع انطلقت كلماتها واضحة ترمم الأمل :
- لقد عاشت "غادة " مرحلة مهمة من حياتها في قلوبنا .. بنت حاضرها من انجذاب الكل إليها .. كان البعض يتوضأ من رؤيتها ، فيما كان البعض الآخر يغرس نفسه في مستقبل أملها الذي جاء عبر التراكم ، وصار في لحظة ، الحالة الأهم والدائمة الاشتعال ..
كنت أراكم ، وأنتم تتحدثون ، في حالة جذب دائم .. تنظر إليها فتمتلئ عيونك بالفرح .. تنظر إليك فلا يسعها الكون من السعادة . وفجأة ، كل شيء تغير ، إهتز بفعل العديد من التداعيات التي تحاصر المحبين كلما ازدادوا عشقاً تحاصرهم بالموروث الضاغط على صدورنا ، بالعادات والتقاليد و تحيلهم إلى مجرد أدوات تصلح لعبور بعض المراحل وفق الحاجة ..
كانت " غادة " ، حسب معرفتي بها ، غير ما آلت إليه . وعندما سمعت خبر زواجها من غيرك ، لم أجرؤ على حديثـك ، إلى أن أصاب التلف رئتي ، عندها كانت قد أنجبت "سهام" ، قلت في سري : فقدت رئة فاستعضت عنها باثنتين ! ..
ربما تكون قد خسرت هذه المعركة ، معركة الاحتفاظ" بغادة " ومحاربة الكون من أجلها ، غير أن ابنك "كنعان " سيكون محصناً من خسارة المعركة المقبلة ، معركة الاحتفاظ "بسهام" التي حتماً ستكون أجمل من أمها وأكثر رقة وشاعرية في الاستجابة لمشاعر " كنعان " ،الذي سيضيف إلى ما يمكن أن يضحي عنده ، كل ما عندك .. سيقرأ علاقتك بغادة ويستفيد منها بالقدر الذي يقوي المناعة عنده ، ويحصن مواقع الضعف ، ويستشعر خطر انزلاق " سهام " إلى مواقع أمها قبل أن يصعب انتشالها ..
أما " سهام " فلن تسمح للعوامل التي تضافرت على أمها بإعادة إنتاج نفسها بعد أن تعي حجم الخطأ الذي وقعت به ، وساهمت بالتالي في محاصرتها دون وعي منها حتى أضحت ضحية كسيحة أمام عوامل الإغراء ، الذي طال فكرة المراحل التي عبرتها ، فإذا بها تنـزلق إلى مستنقع أحضان رجل آخر لم تكن يوماً تفكر به ، رجل امتلك ، في غفلة من الزمن ، موسيقى الألحان فـعزف لها على وتر اللحظة المفعمة بالانكسار والهدنة المؤقتة ، بغية كسب مزيد من الوقت ، فأعطى للفاسد طعماً يسعى إلى تآلفه مع الأجيال ، فصار من فوره كما ينبغي له أن يصير ، وصارت " غادة " وفـق القاعدة القائلة : إذا هبت الريح من كل الاتجاهات ، فأدفن رأسك في التراب ..!!
استمرت " إيناس " في ترميم الأمل ، في الوقت الذي تناولت فيه حقيبة الأفكار القابعة في ركن من الدماغ ، وبدأت أبحث داخلها عن فكرة جديدة لها صلة بالماضي ، كي أربط بشكل معقول مجريات الأمور ، وعندما عجزت ، لا أدري كيف قلت دون توقع :
- أرى أنك قارئة جيدة للكف !
وخيم الصمت لحظة ما لبث أن تكسر ، عندما نظرت إليّ وفي عيونها كلمات حاولت جاهدة أن تقولها ، ولكن لم تستطع ، الأمر الذي حذا بها إلى قول بعضها :
- مهما أكن جيدة في قراءة الكف فلن يصل بي الأمر درجة
البراعة التي تمتلكها قياساّ بما تحقق من قراءة كف " غادة " !
وخيم الصمت مجدداً ، غير أن إيناس حطمت جاهزية ثقله بضربة واحدة ، عندما قالت :
- لم يقيض لك رؤية " سهام" حتى هذه اللحظة ..
وقبل أن أرد عليها واصلت :
- إنها جميلة جمالاً مفرطاً ، رغم صغر سنها ، ويتقاسم الجمال معها اتزان السلوك فيزيدها جذباً ومتعة لم تكن متوفرة في أمها " غادة " !
تسكعت ذهنياً بين الأضرحة المتناثرة التي لا أعرف الحلقة المفقودة فيها ، وقلت : يا أيها الصامتون .. لي عشيقة ولي زوجة ولي فعل انتفاضي ، أوشك على الانتهاء ، فخذوا مني بعض ما فيكم ، وإن لم ترتووا كل ما فيكم ، وإن لم تكتفوا أبقوني عندكم ، لعل اللصق فيكم يخفف من خزي أوجاعي فأنتقم لنفسي مما أصابكم ، وأنتقم لكم مما هو آت .. !!
نظرت إلى " إيناس " فوجدتها تنظر إليّ بانتظار ما سأقول ، فتمالكت نفسي وتساءلت :
- أحقاً ما تقولين ؟ أجمالها لهذا الحد وتعي اتزان السلوك أفضل من غادة ! ؟؟
- صدقتك القول ، علماً بأنه لا يتلاءم مع عمرها ، الأمر الذي ربما يدفعك إلى الاعتقاد أنني حزمت أمري على مواساتك كي أسرع في التئام جراحك ..
- إذن فهي ملائمة تماماً لكنعان الذي يكبرها قليلاً ويسبقها براعة وفطنة .
- اقرأ كفه أولاً !
- ومن يقرأ كف " سهام " ؟
- غادة ! .. أنسيت أنها تعلمت على يديك .. ؟
- ليس تماماً !
- ولكن ستعرف كيف تقرأ الكف عندما يتحقق المحور الثالث ، وتفترق مع زوجها بغض النظر عن الأسباب .. !!
- معك حق .
صمت كلانا لحظة ، ثم قلت فجأة :
- أتعرفين ماذا أرى الآن ؟
- لا . لا أعرف ..
- أرى نفسي وقد هرمت ، وأرى ، ذات مرة ، "كنعان " ينصرف عن " سهام " وعيناه معلقة عليها ، في إشارة يفهمها من هو مثلي : توثقت العلاقة بينهما فصارت عشقاً !
- تفاءل خيراً ، قبل أن تزحف الشيخوخة وتداهم ملامح الجسد ..
- عندما تداهمه ، كل شيء يتغير ، باستثناء ما هو أصيل ، فهو يبقى حتى عندما يحتضن التراب ويصير شيئاً من الماضي .. يحتفظ ببعض ملامحه ، ثم يتحول عند لحظة من أهم عناصر المرحلة وتجديد الذات ..
- وذاتك هي ذات " غادة " ، منك " كنعان " ومنها " سهام " !
- أيعقل !
- ولم لا ؟
وانفتح الفضاء أمام عيون العودة المتجددة المجسدة في خيال الأطفال ونماء تجربتهم المرتكزة على مباركة "الباهر" الذي ما إن رأى " كنعان " يغازل "سهام " حتى عادت روحه الخابية إلى التوهج ، فأعطى لطفولتهم معنى ومضموناً كان غائباً فيما مضى ، وأضاء طريق حياتهم على نحو مشتعل ، منشطراً ، من بقايا أعواد ثقاب وألعاب البدايات .
ولم أقل شيئاً .. فيما أخذت " إيناس" تداعب صمتي وتنسج منه الحكايات :
- أتذكر عندما عاد إليك الشيخ يشكوك الأرق لما فعلته به .. ؟؟
- لا ، لا أذكر ..
- قال يومها : لم ينم الليل عندما ذهب إلى البيت .. تارة يضع لحيته تحت الغطاء وأخرى فوقه ، حتى أصبح الصبح دون أن تغمض له عين ..
- وما هو ذنبي بذلك ؟
- أنت من قال له حسبما ذكر : تذكر عندما تأوى إلى النوم كيف تكون لحيتك موضوعة ، وفي الصباح أبلغني ، هل كانت تحت الغطاء أم فوقه … لقد أمضى الليل كله متسائلاً أيهما أفضل ، تحت أم فوق ، ومحاولاً التذكر ، هل عندما يغط في النوم ستكون تحت أم فوق ، ولم ينم الليل فجاءك يشكو الأرق .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع