الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى.. رسالة بوش إلى قريع

معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

2004 / 5 / 26
القضية الفلسطينية


رئيس تحرير مجلة " الحرية " الفلسطينية

السبب الرئيس الذي يدعونا للعودة إلى قراءة رسالة بوش إلى رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع، أننا حصلنا على النص الكامل للرسالة، بعدما كنا أطلعنا على بعض فقراتها هنا وهناك. ونشر فقرات من رسالة ما، في العمل الصحفي، عمل يحمل أكثر من وجه، ولا يتيح للقارئ رسم رؤية واقعية، لأنها ستبقى متأثرة ـ شئنا أم أبينا ـ بتلك الفقرات القليلة التي هدف صاحب الرسالة من إبـرازها.
نقول هذا، وفي البال، أن ما من شيء يستطيع الصحفي أن يسلخه عن الرسالة، كي يموه على ما فيها من مخاطر. فحتى الإشارة إلى القرارات الدولية 242 و338 ومفاوضات الحل النهائي تأتي في الرسالة في سياق محدد، يؤكد أن زمام الدفة يجب أن يبقى بيد الجانب الإسرائيلي. بعد هذا، ماذا من جديد في الرسالة؟
* هي رد من الرئيس بوش على رسالة بعث له بها قريع. علماً أن اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. عندما ناقشت رسالة ضمانات بوش إلى شارون، استبعدت فكرة الحصول على رسالة مماثلة توجه للجانب الفلسطيني. ففي ذلك إقرار بشرعية ما جاء في الرسالة الأميركية إلى شارون، إذ تتساوى الرسالتان، في ظل تقدير مسبق أن واشنطن لن تتراجع عن انحيازها للجانب الإسرائيلي. لذا من الطبيعي أن نتساءل: مَنْ له الحق بتجاوز قرارات اللجنة التنفيذية وتوجهاتها؟ أليست التنفيذية، ـ كما أكدت ورقة رام اللـه (مطلع نيسان (إبـريل) الماضي) ـ هي المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية أم أن اللجنة التنفيذية صارت مجرد محطة تشاورية، يؤخذ، أو لا يؤخذ بـرأيها، بينما يصاغ القرار خارج المؤسسة الرسمية، وخلف الكواليس؟
* تتوجه الرسالة إلى رئيس الحكومة الفلسطينية وليس إلى رئيس السلطة، الذي هو في الوقت نفسه رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. الأمر الذي يؤكد أن إدارة بوش ما زالت مصرة على رفض الاعتراف بعرفات رئيساً ومرجعاً سياسياً للجانب الفلسطيني. ونفترض أن قبول الجانب الفلسطيني بهذا المستوى من العلاقة يساهم أكثر فأكثر في إضعاف موقع الرئيس عرفات، ويساهم أكثر فأكثر في فرض واقع سياسي يقول إن الجانبين الإسرائيلي والأميركي هما من يختار الجانب الفلسطيني المؤهل للتحدث باسم الفلسطينيين ولا نرى في هذه الخطوة إلا ضرراً بالمصلحة الوطنية العليا.
* تتجاهل الرسالة ما جاء في رسالة بوش من ضمانات للجانب الإسرائيلي، وواضح أنها تحاول التلاعب على الألفاظ، واتباع سياسة انتهازية، تتحدث إلى الجانب الإسرائيلي بلغة شديدة الوضوح، وتتحدث إلى الجانب الفلسطيني بلغتين: عند التطرق إلى الحقوق الفلسطينية تصبح اللغة غامضة. وعند التطرق إلى ما تراه التزامات فلسطينية إزاء الجانب الإسرائيلي، تصبح اللغة واضحة، وواضحة جداً. الملاحظ أن الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي مازال يموه على حقيقة الخطاب الأميركي، يحاول على الدوام أن يظهر الإيجابي فيه (وهو قليل ومشحون بالألغام) وأن يتستر على السلبي فيه. وكأنه بذلك يحاول أن يتستر على سياسة فلسطينية رسمية هي المسؤولة عن الوصول بالحالة الفلسطينية إلى ما وصلت إليه (عبـر المسار الطويل والشاق لأوسلو وتداعياته). وكأنه في الوقت نفسه يتستر على موقف رسمي فلسطيني يرفض أن يخرج الحالة الفلسطينية مما هي عليه، متأثراً بذلك بحسابات فئوية ضيقة لا ترى إلا من خلال زاوية، أثبتت التجارب أنها لا توفر إلا رؤية مغلوطة.
* تعيد تأكيد الالتزام بـرؤية الدولتين. لكن مواصفات الدولة الفلسطينية هذه المرة تتغير من «دولة مستقلة وذات سيادة وقابلة للحياة» إلى دولة «حرة ومستقلة ومسالمة». ودون الدخول في التفاصيل، في إطار المقارنة بين التوصيفين، لابد أن نلاحظ أن ثمة تراجعاً ملموساً في التوصيف الثاني، هو بطبيعة الحال ليس لصالح الدولة الفلسطينية التي يفترض بوش أنها ستنشأ أولاً في قطاع غزة، تاركاً للزمن وحده أن يقرر متى «تتمدد» هذه «الدولة» نحو الضفة الفلسطينية.
* في السياق نفسه، تفترض الرسالة أن الحل الدائم بين الطرفين سيتم الوصول إليه بالمفاوضات. وإذا كان البعض قد أطربه هذا الموقف، فلأنه نظر إليه مقلوباً على رأسه. إذ، بعد ضمانات بوش بضم المستوطنات، والقدس الشرقية لإسرائيل، وإسقاط حق اللاجئين في العودة، باعتبار أن هذا كله يدخل في إطار الاعتراف بالأمر الواقع، تصبح مهمة المفاوضات والحال هكذا، منح الإجراءات الإسرائيلية هذه شرعيتها «الفلسطينية». كما تصبح مهمتها، من جانب آخر، تقييد المفاوض الفلسطيني ومنعه من الإقدام على أية خطوة «انفرادية» لا تلقى موافقة إسرائيل أو قبولها. وفي السياق نفسه أيضاً، يعلن بوش رفضه بوضوح أن تستأنف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية من النقطة التي انتهت إليها في طابا 2001. ويوضح لرئيس الحكومة الفلسطينية أنَّ ما من حل سريع للصراع بين الجانبين. وهو ما أوضحه في مكان آخر، حين أعلن أنه لم يعد يرى العام 2005 موعداً واقعياً لقيام الدولة المستقلة. وفي ذلك تراجع مفضوح عن خطة الطريق.
* وحتى عندما يتناول خطة الطريق في رسالته فإنه بعيد تعريفها بأنها «خطة تستند إلى الأداء». ثم يوضح في مكان آخر، أن العملية التفاوضية بين الجانبين ستبقى مجمدة إلى أن يلتزم الجانب الفلسطيني باستحقاقات المرحلة الأولى من الخطة، بعدما التزم شارون ـ حسب زعم بوش ـ بما عليه من التزامات. ويعيد بوش توضيح هذه الالتزامات بما هي إزاحة القيادة الفلسطينية الحالية، لصالح «قيادة جديدة» تأخذ على عاتقها وضع أسس قيام الدولة والأسس هي في الجوهر أمنية أولاً وقبل كل شيء: توحيد الأجهزة الأمنية (بالطبع تحت قيادة تستجيب هي الأخرى للاملاءات والضغوط)، تفكيك الإرهاب (أي فصائل المقاومة) وقف العمليات وإعلان الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار. ونفترض أن هذه المطالب هي الهدف الرئيسي من إرسال بوش رسالته إلى الجانب الفلسطيني. وتأكيداً من بوش حول الوظيفة الأمنية للقيادة الفلسطينية «الجديدة» يلفت نظر قريع إلى ضرورة الالتزام بما يسميه بـ«عمليات مستمرة (لاحظ مستمرة) ومستهدفة وفعالة ضد الإرهاب». فالإرهاب كما يراه بوش حالة متجددة، وهو (أي الإرهاب) كل ما يمت إلى المعارضة للمشروع الأميركي في الضفة والقطاع. ولا يغيب عن بال بوش أن يشجع قريع على استقبال خطوة شارون في القطاع على أنها خطوة في إطار تطبيق خطة الطريق، وأن على الجانب الفلسطيني استقبالها باعتبار القطاع هو المكان الذي ستقوم فوقه الدولة الفلسطينية.
يخطئ من يظن أن رسالة بوش لا تحمل في طياتها إلا الكلام. ولا نظن أن الإدارة الأميركية تملك من الوقت الكافي لتضيعه في صياغة رسائل، دون أن يكون لكل رسالة أهدافها المتعددة.
يحق لإدارة بوش أن تدعي الآن أنها لم تتجاهل الجانب الفلسطيني وأنها قدمت له ضمانات أو تطمينات أو تأكيدات بأنها لم تتراجع عن رؤيتها للدولتين، واحدة منهما دولة فلسطينية (أية دولة؟)، وأنها لم تتراجع عن التزامها بالمفاوضات باعتبارها الوسيلة للوصول إلى حل للقضايا المختلف عليها.
لكن الواضح أن الرسالة الأميركية زادت الجانب الفلسطيني تكبيلاً، ووضعته في خانة المدان الذي يرفض الاستجابة لنداء السلام الأميركي وباعتباره الذي مازال يعرقل العملية التفاوضية وتطبيق خطة الطريق.
بالمقابل، وفرت الرسالة الأميركية الموجهة إلى الجانب الفلسطيني، فرصة إضافية للجانب الإسرائيلي ليعيث فساداً في الأرض الفلسطينية المحتلة. فإذا كانت رسالة الضمانات قد وفرت له تأكيداً بأن الولايات المتحدة سوف تدعمه في كل إجراءاته الأحادية، فإن الرسالة إلى الجانب الفلسطيني، بـرأته من كل مسؤولية عما تعيشه الحالة من تطورات دموية. وفي هذا السياق، يبدو واضحاً هذا الاندفاع الدموي الإسرائيلي في قطاع غزة، والذي لا يرى فيه بوش (ولا حتى باول) سوى الحق المشروع لإسرائيل في الدفاع عن نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة