الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير جولدستون: لائحة اتهام شديدة دون آلية للتنفيذ

يعقوب بن افرات

2009 / 9 / 26
القضية الفلسطينية


ليس من المستبعد ان يتم التحفظ على تقرير جولدستون وادخاله للارشيف في جنيف، وان يتواصل الاحتلال ومعه معاناة الشعب الفلسطيني.

تقرير لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة برئاسة القاضي رتشارد جولدستون، وقع على اسرائيل وقع الصاعقة. فقد اتهم التقرير اسرائيل باقتراف جرائم حرب في حربها الاخيرة على غزة. يذكر ان الحكومة الاسرائيلية رفضت التعاون مع اللجنة، مما اضطر جولدستون لدخول غزة عن طريق معبر رفح على الحدود المصرية. وقد رأى جولدستون بأمّ عينيه الدمار الذي زرعته اسرائيل في غزة، واستنتج كغيره من الساسة الاوروبيين الذين زاروا القطاع، ان اسرائيل استخدمت قوة مفرطة بلا علاقة بالخطر الحقيقي الذي هدد امنها. هذه القوة المفرطة لم تخلّف وراءها مباني مهدمة فحسب، بل أفنت عائلات بأكملها. موت اكثر من مئة طفل هو الدليل القاطع على ان المدنيين الفلسطينيين كانوا هدفا استراتيجيا لاسرائيل التي مارست ضدهم كل قوتها العسكرية.

في الواقع التقرير لا يحمل اي جديد. فمنذ حرب اكتوبر 1973 التي حصدت ارواح آلاف الجنود الاسرائيليين، المصريين والسوريين، لم تدخل اسرائيل في حرب ضد الجيوش النظامية لجيرانها العرب. منذ تلك الحرب، تشن اسرائيل حروبها ضد ميليشيات مسلحة، لبنانية كانت او فلسطينية، وجعلت من المدنيين هدفا شرعيا لآلاتها الحربية. في حرب لبنان الاولى عام 1982 خلقت اسرائيل نمطا حربيا جديدا: حصار على بيروت، مجزرة في مخيمي اللاجئين صبرا وشاتيلا، تفجيرات في مخيم عين الحلوة وآلاف القتلى والجرحى من المدنيين. الحرب على لبنان حازت بدعم المجتمع الدولي ولم تجرِ الامم المتحدة اي تحقيق فيها.

ولكن هذه المرة تغير الوضع، فالصور التي نقلتها وسائل الاعلام من غزة خلقت منذ اللحظة الاولى غضبا دوليا كبيرا على اسرائيل. تقرير جولدستون هو اذن نتيجة للارادة الدولية التي تسعى لمنع اسرائيل من الخروج من حربها على غزة دون ان تدفع الثمن.

تضارب مواقف في اسرائيل

كما في كل موضوع سياسي آخر، تضاربت الآراء في اسرائيل بشأن تقرير جولدستون. بطبيعة الحال الرأي العام عموما نبذ التقرير، واتهم لجنة حقوق الانسان بانها جسم سياسي ووصفت التقرير بانه "جائزة للارهاب". صحيفة "هآرتس" التي تعكس رأي الشريحة الليبرالية في اسرائيل، نادت في مقالها الافتتاحي الى تشكيل لجنة تحقيق رسمية استجابةً لمطلب التقرير.

ملحق الآراء في الصحيفة ذاتها نشر مواقف متناقضة: الاول للمعلّق آري شابيط الذي زعم ان مجرد تشكيل الامم المتحدة للجنة تحقيق هو عمل غير شرعي، لان ما فعلته اسرائيل يشبه ما يفعله الامريكان والاوروبيين في العراق وافغانستان. نداء شابيط بوجوب "تقديم الرئيس اوباما للمحاكمة" يأتي للتأكيد على العبث في مطالبة جولدستون بمقاضاة رئيس الحكومة الاسرائيلي، ووزير امنه ورئيس هيئة الاركان امام المحكمة الدولية في هاغ. بالمقابل، أيّد المعلّق جدعون ليفي نتائج التقرير وطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية.

لا شك ان آري شابيط محقّ في ان جرائم الحرب التي يقترفها الامريكان والبريطانيون والالمان لا تقل عن جرائم اسرائيل، لان احتلال افغانستان والعراق لا يقل همجية وبشاعة عن الاحتلال الاسرائيلي، ولانه لولا الدعم الاوروبي، والامريكي بالذات، لما تمكنت اسرائيل من اقتراف جرائمها بحق اللبنانيين والفلسطينيين. والاشارة الى ذلك انها عندما ارادت امريكا منع اسرائيل من الرد على القصف العراقي لتل ابيب في حرب الخليج الاولى عام 1991، عرفت كيف تفرض رغبتها على اسرائيل، ولكنها لم تفعل شيئا لتمنع جرائمها ضد الفلسطينيين او اللبنانيين. ولكن جرائم الغرب لا يمكن ان تبرر اقتراف اسرائيل لجرائمها ضد المدنيين.

من جهة اخرى، اقتراح جدعون ليفي تشكيل لجنة تحقيق رسمية هو اقتراح عبثي على ضوء التجربة مع اللجان السابقة. فاللجنة التي حققت في مجزرة صبرا وشاتيلا أدانت اريئل شارون، وزير الامن حينها. ولكن هذه الادانة لم تمنع شارون من ان يتحول بعد عشرين عاما من الحرب الى رئيس للحكومة، والى مهندس الانفصال عن غزة وفرض الطوق عليها، الامر الذي قاد في نهاية المطاف الى الحرب الاخيرة عليها.

السياسة وراء الحرب

في الحرب على غزة استخدمت اسرائيل كامل قوتها ليس للدفاع عن نفسها، بل لتحقيق نتيجة سياسية هي فرض رغبتها على حماس وحملها على العزوف عن الكفاح المسلح. بذلك اتبعت اسرائيل نفس اسلوبها في لبنان، وهو التسبب بمعاناة انسانية عظيمة للمدنيين لدرجة تشكل ضغطا على القيادة للتراجع عن مواقفها. وكما يبدو مما يحدث في الميدان، نجحت اسرائيل في تحقيق هذا الهدف. فقد توقفت حماس عن قصف جنوب اسرائيل بصواريخ القسام، مع ان الحصار لا يزال متواصلا، كما اضطرت حماس للعودة للحوار مع السلطة في القاهرة بعد ان كانت قد فجرت المحادثات في وقت سابق، وباتت تسعى لحل سياسي داخلي وانتخابات جديدة.

تقرير جولدستون هو الآخر سياسي في جوهره. لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة عاجزة عن فرض موقفها على مجلس الامن وعن جعله يخرج بقرار مقاضاة زعماء اسرائيل امام المحكمة الدولية. ولكن من جهة اخرى، بمقدور التقرير ان يخلق رأيا عاما دوليا واسعا ضد استمرار الاحتلال الاسرائيلي. اذ يرى العالم ان 42 عاما من الاحتلال هو وقت كاف لانهاء النزاع. فالحل واضح للجميع، ولكن اسرائيل ترفض قبوله، والاشارة انه منذ خطاب القاهرة الذي تبنى فيه اوباما شعار "دولتين لشعبين"، لم يطرأ اي تقدم.

ليس سرا ان اسرائيل لم تكن وحدها في المعركة ضد غزة. فقد حصلت بشكل مباشر او غير مباشر على دعم السلطة الفلسطينية بذاتها، وعلى تفهم المصريين. كما لم ننس اقوال مدير المخابرات المصرية عمر سليمان الذي حذر وفد حماس، اياما معدودة قبل الحرب على غزة، بانها إن اصرت على مواقفها فستتلقى صفعة من اسرائيل. التقرير لذلك يشكل لائحة اتهام ضد اسرائيل، ولكنه ليس اكثر من طلقة تحذير وليس محاولة لاسقاطها. فاسرائيل ليست يوغوسلافيا، وليست هناك مصلحة دولية في تفكيكها، وفلسطين ليست كوسوفو حيث اجرى جولدستون نفسه تحقيقا في جرائم الصرب فيها. ميلوشيفتش الذي تحول لفريسة سهلة وقُضي عليه سياسيا، ليس كرئيس الحكومة الاسرائيلي الذي لا يزال يدعى الى قِمم عقيمة ويُستقبل في البيت الابيض.

كان من الممكن تحويل تقرير جولدستون الى رافعة للضغط على اسرائيل، وعزل رئيس حكومتها نتانياهو وتهديده بان مواقفه الرفضوية في موضوع السلام ستقوده في نهاية الامر الى المحكمة الدولية. ولكن ما حدث يشير الى العكس. فبرعاية اوباما التقى نتانياهو بالرئيس الفلسطيني ابو مازن على هامش اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة في 22/9، وذلك رغم رفض اسرائيل الالتزام بشرط الحد الادنى الذي وضعه البيت الابيض امامه وهو وقف البناء في المستوطنات. ولا يزال نتانياهو يلتقي مبعوث اوباما الى الشرق الاوسط، جورج ميتشل، ويرفض حتى اللحظة الاخيرة الاستجابة الى المطلب الامريكي في موضوع المستوطنات، وكما هو واضح فقد خرج من هذه الجولة وقد حقق مراده.

ليس من المستبعد ان يتم التحفظ على تقرير جولدستون وادخاله للارشيف في جنيف، وان يتواصل الاحتلال ومعه معاناة الشعب الفلسطيني. فالواقع اكثر تعقيدا من تشخيص المتهمين بجرائم الحرب. في هذا الواقع يسيطر اليمين على اسرائيل ويجر وراءه بعض اليسار، اما في الجانب الفلسطيني فلا يزال الصراع بين القوى السياسية مستمرا والهمّ الاساسي للمتناحرين هو السلطة وليس مصير الشعب.

الامل الكبير الذي خلقه اوباما آخذ بالتبدد مع كل فشل يحققه، سواء في فرض الرقابة على وولستريت، او في تمرير برنامج التأمين الصحي الحكومي، او منح النقابات المزيد من الحريات. لذلك اصبح اوباما ضعيفا امام نتانياهو، ولذلك سيبقى تقرير جولدستون لائحة اتهام شديدة ضد اسرائيل ولكن دون آلية للتنفيذ. ان وضع حد للاحتلال يتطلب حدوث تغيير كبير داخل الولايات المتحدة نفسها، ومن ثم في اسرائيل والمناطق الفلسطينية. حتى ذلك الحين، ستبقى نتائج التقرير مجرد توبيخ شديد هدفه تسجيل موقف.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا للعدو الصهيوني
عربي مسلم ( 2011 / 4 / 7 - 19:54 )
فلسطين هي دولة عربية كانت تحت الانتداب البريطاني منذ سنة 1923 حتى سنة 1948 وبعد انتهاء الانتداب البريطاني قرر الانتداب تسليم فلسطين للصهاينة عن طريق قتل واعتقال وتشريد الشعب العربي الفلسطيني , وغيروا اسم فلسطين باسرائيل لكن الحقيقة الاكيدة انه لا يوجد شيء اسمه اسرائيل ويوجد براهين وادلة واضحة تبين هذا الشيء الجنيه الفلسطيني والجواز السفر الفلسطيني الصادر قبل 1948 في فلسطين
حسب القوانين العالمية للاحتلال(اتفاقيات جنيف)لا يجوز للأشخاص المحميين أنفسهم التنازل عن حقوقهم (المادة 8 من الاتفاقية الرابعة) .وبحسب القوانين و التشريعات المتعارف عليها عالميا انه وبعد انتهاء الانتداب يجب اعادة تسليم البلاد الى اصحابها الحقيقيين .يعني ان دولة فلسطين يجب ان تعود الى الشعب الفلسطيني بعد انتهاء الانتداب البريطاني لا الى الصهاينة . اذن الصهاينة هم سبب عدم الاستقرار, الحروب و الدمار في الشرق الاوسط اذن الحل الوحيد لضمان الاستقرار في الشرق الاوسط هو انهاء واسقاط دولة اللصوص والارهاب المسماه اسرائيل واخراج الصهاينة من دولة فلسطين

اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد