الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غطاء اميركي للاستيطان الاسرائيلي

جهاد الرنتيسي

2009 / 9 / 27
القضية الفلسطينية


بين تعهد الرئيس الاميركي باراك اوباما باطلاق عملية السلام في المنطقة ولقاء نيويورك الثلاثي هوة سحيقة تكفي لدفن ما تراكم من وهم عربي بالوصول الى تسوية سياسية ، تعيد للشعب الفلسطيني الحد الادنى من حقوقه الوطنية .

فالبدايات التي ترافقت مع امال رسمية وشعبية عربية بعلاقات دولية مختلفة تهب رياحها على المنطقة ، وصلت الى ساعة الحقيقة ، مع اعتراف سيد البيت الابيض ضمنيا بعجزه عن ممارسة دور فاعل في وضع حد لآخر احتلال استيطاني على الارض .

وبعد انتظار عبثي لضغط اميركي على المحتل لانهاء احتلاله لجأ القطب الكوني الوحيد لانتزاع عناصر قوة الطرف الواقع تحت الاحتلال .

في موازاة هذه الحقيقة المؤلمة لمراكز صنع القرار في العواصم العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي توقعت خطوات اميركية في اتجاه مختلف تفاصيل يصعب تجاهلها .

بين هذه التفاصيل ان الولايات المتحدة منحت حكومة اليمين الاسرائيلي قوة دفع اضافية لمواصلة استيطانه في الضفة الغربية رغم حديث اوباما عن عدم شرعية الاستيطان مما يعني ان الحل المقبل سيكون في احسن احواله على حساب خيار الدولتين .

ووفق الصيغة التي حددتها واشنطن للمفاوضات المرتقبة ، ومستوى التمثيل المتوقع في هذه المفاوضات ، وعدم ظهور ما يوحي بنوايا للضغط على الجانب الاسرائيلي ، لا تخرج الخطوات الاميركية المقبلة عن سياقات محاولة ابقاء عملية السلام المحتضرة في غرفة الانعاش .

كما خرجت مبادرة اوباما التي طال انتظارها من دائرة الحسابات في ظل الحديث عن مدخل اميركي جديد للسلام.

ولم تكن الحقيقية التي فتح العرب عيونهم عليها غداة اللقاء الثلاثي بلا مقدمات ، فالسياسات تصنعها التوازنات والحقائق ، وبين ايجاد وقائع جديدة على الارض وفرض حل سياسي استنادا لهذه الوقائع هامش حركة ، قد يضيق ، او يتسع .

لكن الاطراف العربية مستمرة في محاولات تجاهل هوامش الحركة التي تتيحها خارطة التحركات الدولية لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استمد من ميوعة الموقف الامريكي ما يكفي لمحاولات رسم خرائط جديدة .

فالخطاب الذي تحدث به نتنياهو قبل وصول المبعوث الاميركي جورج ميتشل في اخر زيارة قام بها الى المنطقة اقرب الى محاولة التمهيد لمرحلة استثمار الوقائع الموجودة على الارض في فرض التسوية السياسية على الفلسطينيين والعرب .

كان احد ملامح هذا الخطاب التهرب من تحديد المكان الذي ستقام فيه الدولة الفلسطينية .

ففي رده على احد نواب الكنيست اليساريين اشار رئيس الوزراء الاسرائيلي الى ضرورة تحديد المنطقة التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية قبل الحديث عن تجميد الاستيطان .

مثل هذه الاشارة وغيرها عبرت بشكل او بآخر عن العقل الباطن لرئيس الوزراء الاسرائيلي .

فالتفسير المنطقي لمثل هذا الطرح هو عدم اعتراف نتنياهو بالمكان والمساحة المفترضة للدولة الفلسطينية وهي الاراضي المحتلة بعد السادس من حزيران مع الاخذ بعين الاعتبار ما قد تتمخض عنه المفاوضات من تبادل للاراضي ووضعية القدس الشرقية المحتلة في اية تسوية مقبلة .

وفي جميع الاحوال يقود عدم اعتراف نتنياهو بالصيغ المتداولة لمكان ومساحة الدولة الفلسطينية الى خلط للاوراق يفضي الى تعميق الخلاف حول قضايا بديهية سواء استؤنفت او لم تستأنف المفاوضات .

كما يبقي مثل هذا الطرح على احتمالات تفريخه لاطروحات اكثر خطورة كثيرا ما تحدث عنها قادة اليمين الاسرائيلي وهي اقامة الدولة الفلسطينية خارج المكان الفلسطيني .

وضع قضية القدس خارج حسابات التفاوض ملمح اخر من ملامح تفكير حكومة اليمين الاسرائيلي .

فقد كان لافتا للنظر اعلان نتنياهو ـ قبيل وصول ميتشل الى المنطقة ـ عن اخراج القدس من دائرة التفاوض وان حال قلق المنطقة من تبعات فشل مهمة المبعوث الاميركي دون التوقف عند هذا الاعلان والتذكير بان القدس ارض محتلة وخاضعة للتفاوض شانها شأن قضايا الاستيطان واللاجئين .

وفي مؤشر اخر على منطق المراوغة عاد نتنياهو الى اشتراط الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة للمضي قدما في عملية السلام .

فالعودة الى هذا الشرط بعد تصريحات ادلى بها خلال جولته الاوروبية الاخيرة ـ قال فيها ان الاعتراف الفلسطيني بهذه المسالة ليس شرطا لاستئناف عملية السلام ـ لا يعد تراجعا عن تنازل ، بقدر ما هو تعبير عن موقف حقيقي حاول تغليفه ، للتقليل من الانتقادات التي يثيرها التهرب من مطلب تجميد الاستيطان .

ولم يتردد نتنياهو في دعوة الرئيس محمود عباس الى اعلان مباشر وواضح عن نهاية النزاع مع اسرائيل .

سياسة الالتفاف والمراوغة الاسرائيلية لتنفيذ استراتيجية غير معلنة وان كانت شواهدها واضحة تستند الى واقع يصعب تجاهله وهو وجود ما يزيد عن نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية حسب الارقام الاسرائيلية .

والى جانب نمطية تفكيره الـ " جابوتنسكي " هناك عوامل اخرى تدفع نتنياهو الى التمسك بمواصلة الممارسات الاستيطانية ومن بين هذه العوامل القناعة الراسخة لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي بان الاستمرار في الاستيطان يبقي على تماسك حكومته .

لذلك لم يكن لدى ميتشل ـ في ظل ضعف قوة الدفع الاميركية ـ امكانية تحقيق اختراقات تذكر في زيارته الاخيرة للمنطقة .

الا ان الفشل الذي حصده المبعوث الاميركي لم يكن خارج دائرة التوقعات الشرق اوسطية التي غابت عنها احتمالات قيام نتنياهو بخطوات جدية لاستئناف عملية السلام ما لم يتعرض لضغط اميركي حقيقي .

كما احتفظت هذه التوقعات بعوامل احباط اخرى تمثلت في اختلال الموازين بين المنطق التفاوضي الاسرائيلي ومنطق المفاوضات المفروض على الجانب الفلسطيني بقوة الامر الواقع والتوازنات الدولية والاقليمية .

فالشروط الفلسطينية لاستئناف مفاوضات حقيقية لا تتجاوز فعليا وقف الجانب الاسرائيلي للاستيطان كاجراء اثبات حسن نوايا تجاه عملية السلام الامر الذي يماطل نتنياهو في الاستجابة اليه .

والى جانب رفضه الاستجابة لمطلب تجميد الاستيطان يصر الجانب الاسرائيلي على مواصلة احتلاله للضفة الغربية .

ولا شك في ان مؤسسات الدولة التي يجري بناءها في الضفة الغربية على قدم وساق تعد تحديا امام استمرار الاحتلال وان راى فيها البعض منعطفا لتكريس الانقسام بين الضفة والقطاع .

الا ان مواجهة المراوغة الاسرائيلية تتطلب خطوات اضافية لاحداث تغيرات دراماتيكية في اولويات الشعارات والمطالب المطروحة بالشكل الذي يسلط الضوء على القضية الاشمل ممثلة بالاحتلال .

فالمستوطنات المطلوب تجميد البناء فيها تمهيدا لاستئناف المفاوضات عنصر رئيسي من العناصر التي تعيق اقامة الدولة الفلسطينية الا انها جزء من كل يتمثل في بقاء الاحتلال على الاراضي الفلسطينية .

والظاهر من التطمينات التي حاول الرئيس الاميركي اشاعتها خلال لقاء نيويورك وعمل ميتشل من قبل على تسويقها في العواصم العربية بعد لقائه نتنياهو لا يكفي للبناء عليه .

فالعاجز عن اجبار حكومة اليمين الاسرائيلي على تجميد الاستيطان لن يكون قادرا على اقناعها فيما بعد بالتوصل الى اتفاقات او حتى احترام الاتفاقات التي قد يتم التوصل اليها.

لذلك كان من الطبيعي ان تصر قوى الاعتدال العربية على مواقفها الرافضة لاتخاذ خطوات تطبيعية ما لم يتخذ الجانب الاسرائيلي خطوات الحد الادني المطلوبة لاستئناف المفاوضات .

ففي مقابل الصمغ الذي يحتاجه نتنياهو للمحافظة على ائتلافه الحكومي وضمان عدم الخروج عن المحاذير التي حددها لنفسه قبل تشكيله الحكومة وخاض الانتخابات على اساسها لدى النظام الرسمي العربي محاذيره التي تحول دون التطبيع مع اسرائيل .

الا ان رفض تقديم تنازل التطبيع دون وقف الاستيطان لا يعفي النظام الرسمي العربي من اعادة النظر في ادائه السياسي والسعي مجددا الى تهيئة المناخ الاميركي باتجاه ممارسة الضغوطات على اسرائيل وايصال الرئيس اوباما الى قناعة بفشله في ترجمة ما جاء في رسالة الانفتاح على العرب والمسلمين التي تضمنها خطابه الشهير في القاهرة.

فالموقف الاميركي الاخير ، المبني على النتائج التي حققتها جولات ميتشل يوحي بحاجة الجانب الفلسطيني وعمقه العربي لتغيير التكتيكات ، بالشكل الذي يحدث نقلة نوعية في الاداء الاميركي ، مع الثبات على الموقف والاحتفاظ بخيار السلام باعتباره اللغة المفهومة عالميا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟