الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوضوح شديد ..تعددت السلطات والهم واحد

احمد ثامر جهاد

2004 / 5 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في مرارات العهد السابق كان المواطن العراقي المتهم أبدا بعدائه للحكومة قد تعلّم مرغما - عبر تجربة طويلة - سبلا حياتية مختلفة تجنبهُ شرور السلطة وبطشها إلى حين اكتمال التهمة الأخرى أو حين ميسرة . وبالرغم من وسائلها العديدة كانت عناصر السلطة مفككة الاعتقاد والإرادة ، بعض أوامرها التنفيذية تخضع إلى مؤثرات اقتصادية يومية خصوصا في عقد الحصار المر ، فيما يستجيب بعضها الآخر لميول شخصية سلبا أو إيجابا . هكذا ترى إن المواطن العراقي المغلوب على أمره في دولة اللاقانون أو اللادولة على نحو أدق هو مذنب بكل الأحوال أمام سلطات النظام لأي سبب كان وبشكل كافكوي مؤسي . الأمر الذي جعل ذاك المواطن المسكين يتقبّل على مضض حاله هذا أملا في أن يجد حلا لمعضلته المزمنة بوسائل غير قانونية في دولة سريالية سائبة اختلط الحابل فيها بالنابل مرارا في حضرة القائد التاريخي !
وللأسف الشديد هاهو المواطن المتعب ذاته ، يعاني اليوم مجددا بعض سلبيات العهد البائد في خضم فترة انتقالية خطيرة ، يفترض ان مسارها الحياتي الجديد - رغم الصعوبات التي يواجهها - يؤسس فيما يؤسس لمفاهيم وقيم إنسانية ومجتمعية تفارق ما تسبب للناس بأفدح الخسائر على المستويات كافة . فشواهد الحياة اليومية تؤكد لنا ان بعض مسؤولي الدوائر الحكومية ممن تطبعت قذارات البعث في عقولهم وجرت جراثيمه في دمائهم ما زالو يتصرفون بشؤون الناس بلا مسؤولية خطيرة تصب في صالح عرقلة الجهود المبذولة لنهوض العراق من محنته الحالية ، وبالتالي فهي تؤثر سلبا على سعي الناس المخلصين في عملهم الهادف إلى إعادة ترتيب البيت العراقي الأصيل . وهذا السلوك السلبي المرفوض من الغالبية ما كان له ان يحصل لولا ادعاء البعض صلاحيات زائفة لا تتخطى حقيقتها واقع الانتفاع الشخصي في مرحلة غاب عنها القانون والمسؤولية والضمير الأخلاقي .
قد يكون بوسع أي عراقي اليوم الاستدلال على هذه الفوضى التي لا تخطئها العين بمجرد الإنصات إلى هموم الشارع المثقل بجراح الماضي وتركاته المقيتة ، من دون أن يعني ذلك – كما يتصور البعض – أن ثمة ما يؤسف عليه في أفول العهد الصدامي البائد . لكن مقاصد الحديث تحاول تخصيص القول في أن الممارسة السياسية الحالية من أعلى قمتها ، قوات التحالف ومجلس الحكم ، مرورا بأطرافها الأخرى ، الأحزاب والتجمعات والاتحادات والجمعيات والمنظمات ، بدا أنها وخلال الفترة المنصرمة تؤشر تخبطا ملحوظا في رسم السياقات الصحيحة ، قوامه انتفاء الأفق القانوني السليم الذي يحدد شرعية هذه الركائز النافذة وصلاحيتها المفترضة .
وإذا استثنينا قوات التحالف التي لا نراهن على ادعائها الحرص في معالجة الراهن العراقي المتدهور ، ستبدو كل هذه الأطراف التي تمسكت بمراكز الحياة المدنية – الوظيفية والخدمية والقانونية والاجتماعية – قد فرضت نفسها بالقوة غالبا من دون الالتفات إلى قناعات الغالبية بها . وقد يبدو منطقيا حصول أمر كهذا في ظرف عصيب وحساس كالذي نمرُّ به ، خصوصا مع ملاحظتنا إن معظم هذه الأطراف تعاني بشكل جليّ من مسألة افتقادها إلى برامج عمل واضحة تستطيع بموجبها تشخيص مكامن الخلل في شتى المرافق الحياتية للمجتمع العراقي واجتراح المعالجات والحلول الناجعة بشكل علمي مرن يتعاطى مع واقع الأشياء بالدرجة الأولى . وبموجب هذا التصور تأخذ القضية العراقية بمختلف صيغها المحلية إطارا أشد تعقيدا مما هو متوقع ، خاصة وان سقوط النظام السياسي السابق قد جرَّ معه خرابا ودمارا شديدين أجهزَ على ابرز مؤسسات الدولة وأكثرها أهمية والتي يختزن أرشيفها الكبير جهود الإنجاز العراقي على كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتربوية . وربما من المفارقة إن مواطننا الذي عانى اكثر من غيره قسوة الدولة - السلطة المركزية ، يبدو اليوم بحاجة ماسة إلى الإدارة المركزية التي تعينه على تخطي صعوبات الظرف الراهن ، حيث من اليسير جدا أن تسمع من حين إلى آخر مطالبته بسلطة مركزية تؤمّن له شكلا واضحا لسيادة القانون . ورغم إن المواطن العادي غير مدرك لمخاطر مركزية النظام بعد استتباب الوضع وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي ، إلا انه يُستشف من حاجته تلك حجم معاناته وافتقاده للأمن والطمأنينة في ضوء تجاذب مستمر بين السلطات الحزبية والدينية وصراعاتها الاجتماعية والعشائرية وهي تبسط أمام ناظريه همومها الخاصة ونفوذها القوي على حركة الواقع بطرق غير مسؤولة عادة ما ترهب المواطن وتدفعه إلى دائرة العنف والسلوك المنفلت بعيدا عن المظلة الآمنة للمجتمع المدني .
إن مديات التغييب التي مارستها العقود الثلاث الماضية على المواطن والتي كان من نتائجها إنها أقصته عن جدل المشاركة الواعية في أية ممارسة حقيقية لها فاعليتها داخل بنية المجتمع ، قد أسهمت بشكل أو بآخر بزعزعة اعتقاد الفرد بقدرته على الاختيار وشوشت ثقته بصلاح الواقع من حوله وكبلت يديه بذاكرة جهنمية تعاشر الخوف والرعب وتحذر على الدوام من اتخاذ خطوة بناء واثقة توضع في المسار الصحيح ، طالما أن المسارات الخاطئة وغير القانونية هي وحدها ما يثمر فوائدا جمة في دولة اللاقانون . لذلك تبدو المسارعة إلى توعية الناس بسبل الحياة الجديدة وبالحقوق والواجبات هدفا نبيلا يستحق أن يوضع في أجندة الأطياف السياسية والاجتماعية والمؤسسات الحكومية على حد سواء ، بدلا من مبادرات الشجب والإدانة والتحريم التي نتلهى بها أمام مظاهر الخراب والحوادث المؤسفة في طول البلاد وعرضها ، سلبا ونهبا وتدميرا .
بالرغم مما تقدم لا ينكر أحدنا أن ثمة إمكانيات عملية وذهنية كامنة في النوع العراقي ، إذا ما قُدر لها ووظفت بشكل منطقي سليم ، بوسعها جعل الأفق العراقي بخبراته وكفاءاته المعهودة على المستويات كافة أفقا رحبا تتظافر فيه الجهود كلها لمحاولة بناء مستقبل مشرق يعتمد سياقات جديدة ومناخات ديمقراطية تؤمن له أسس الشروع في خلق نهضة حضارية يستحقها العراق والعراقيين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت