الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كراهية الغرب

عصام عبدالله

2009 / 9 / 28
حقوق الانسان


أول من رفع شعار " الجوع هو حرب " المستشار الألماني الراحل " فيلي برانت " ( 1913 – 1992 ) ، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1971 تقديرا لسياسته نحو الشرق ، ‏وقد تنبأ بأن الصراع بين الشرق والغرب سيتحول الي صراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير‏، وطالب مبكرا بنظام اقتصادي عالمي جديد‏ ، يقوم علي مبدأ العدالة بين الأغنياء والفقراء‏,‏ كما طالب ب" سياسة داخلية للعالم " ، وبمشروع " مارشال " جديد لدول الجنوب الفقير .

هذا الشعار وتلك الدعوة ، هما محور كتاب " كراهية الغرب " لعالم الاجتماع السويسري " جان تسيجلر " الذي نال عنه مؤخرا جائزة حقوق الإنسان العالمية في فرع الأدب . وتسيجلر هو أحد أصحاب الضمائر الحية في الغرب اليوم ، وكتاباته وتصريحاته هي الأكثر إثارة للجدل في وسائل الإعلام ، فقد وصف أزمة الغذاء التي يعاني منها العديد من سكان العالم بانها عملية " قتل جماعي بصمت " و" جريمة في حق الإنسانية " ، مؤكدا أن المنظمات الدولية مسئولة عن انتشار المجاعات في العالم وتلوث البيئة وتغيير المناخ ، حيث تسعي إلي تحقيق الأرباح والمكاسب المادية بكل الطرق الممكنة ، عن طريق زيادة انتاج الوقود الحيوي بالتزامن مع نشر " المخاوف الإنسانية " .

المصداقية في كلام " تسيجلر " لا تعود فقط إلي كونه أكاديمي مخضرم ، وإنما لأنه يعمل أساسا داخل هذه المنظمات الدولية ، فقد شغل منصب ( ممثل الأمم المتحدة الخاص لحقوق الغذاء ) ، وهو يعمل حاليا مستشارا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة .
تسيجلر يشن اليوم حملة كبيرة ضد الضجة المبالغ فيها بالنسبة ( لإنفلونزا الخنازير ) ، مشيرا إلي أن أنفلونزا الخنازير التي تنتشر بشكل مستمر ، تستغل على حساب فقراء العالم . وأن المخاوف التي تثيرها منظمة الصحة العالمية لا تتناسب مع حجم المشكلة الحقيقي ، قائلا : ربما توفي نحو عشرة آلاف شخصا خلال الشهور الماضية ، من إجمالي 6 مليار نسمة أو يزيد ، هي تعداد سكان العالم ، بينما يموت 100 ألف شخص يوميا من الجوع وتداعياته المباشرة ، ولا تحرك المنظمات الدولية ساكنا !
ويضيف :" ليست هناك مؤتمرات صحفية عن هؤلاء البؤساء ولا استنفار دولي من أجلهم ، في حين أن منظمة الصحة العالمية تدعو وسائل الإعلام يوميا لمقرها الرئيسي في جنيف لإطلاعها على آخر المستجدات الخاصة بأنفلونزا الخنازير.. عندما يتعلق الأمر بالكبار فإن الضمير العالمي يهتز.. إن هذا يدل على العمى الذي أصابنا وعلى برود عواطفنا المتدني للغاية و تهكمنا من الواقع"

في كتابه الجديد " كراهية الغرب " ، يشكك " تسيجلر " في وجود السلام الكوني علي المدي القريب ، فالبلدان الفقيرة هي التي تعاني من الأزمة المالية العالمية بشكل خاص ، مما يؤدي إلي تنامي الجوع والبؤس والفقر ، وبالتالي " الكراهية " .
ويفرق تسيجلر في كتابه بين نوعين من الكراهية ، محذرا الغرب من خطورة التعميم ، ويري ضرورة التمييز الواعي بين كراهية الجماعات المتطرفة التي يصفها بالإجرامية ، وبين كراهية الفقراء الذين يعيشون ذلك التباين ويشعرون باليأس . وبرأيه أن تنظيم القاعدة والسلفيون والجهاديون وغيرهم ، حركات متطرفة واجرامية ولا تؤثر في مجتمعاتها ، وبالتالي لا يمكن اعتبارها حركات اجتماعية .
وهو يعتبر ان جوهر " الكره المرضي " لهذه الجماعات المتطرفة تمثل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، وهو " الكره الأعمي " الذي يتحتم علينا جميعا مجابهته . ولكن هناك نوع آخر من الكراهية النابعة من " العقل " ، وهذا النوع نجده ، علي سبيل المثال ، في الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة مع الهنود الحمر خلال القرون الخمسة الماضية . ان هذا الماضي الكريه مايزال يولد مشاعر العار لدي بعض الأمريكيين ، وهو ما يعطي الأمل في تحقيق نوعا من التصالح بين الأمريكيين والهنود الحمر في المستقبل .
أما الرأسمالية العالمية الراهنة التي يصفها تسيجلر ب" المتوحشة " فلم يتم ترويضها بعد ، وبالتالي فإننا نعيش في عالم ( الفوضي الخارقة ) ، حيث يعاني نحو " مليار " انسان من الجوع ، وهنا مكمن " كراهية الغرب " الحقيقية التي ستدمر السلام العالمي .
ورغم هذه الصورة القاتمة ، فإن الأمل يتولد في نفس القارئ مع الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب ، التي تشير بقوة إلي أن الجنوب سيلعب دورا حاسما في مستقبل العالم ، الذي يأمل تسيجلر ( ونحن معه ) أن تسوده العدالة ، كما حلم المستشار الألماني " فيلي برانت " أيضا .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و