الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألثريد والبريد

محمد جهاد

2004 / 5 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كان العام الاول للحرب على الجارة ايران الفصل الثاني من مسرحية المسلخ العراقي للمخرج الكبير الصهيونية العالمية ولا ضرورة لذكر المنتج فهو معروف. ازمات لا حصرلها تشغل الشارع أما الوظيفة الحكومية البالية فكانت شر لابد منه وإلا جبهة القتال. نقل الينا حيث نعمل من مكان مجهول رجلٌ ازرق اللون يرتدي سفاري ازرق مرصعٌ ببقع صفراء كانها انواط من معارك الثريد التي تميز بها (الثريد اكلة عراقية شعبية تستخدم احيانا في الامثال للدلالة على الانتفاع). ايام قلائل حتى صار وكيلاً لضابط الامن اضافة الى وظيفته المعتادة في توزيع البريد الرسمي وتهديد حياة الآمنين من الناس اضف الى كل ذلك فانه كان الصارخ الرسمي و الوحيد في احتفالات الحزب القائد المتعددة فهولا يكف عن الهتافات المملة حتى يحضر الطعام فيسكت ثم يتصدر الخط الاول للمواجه و كانه البطل القومي لاكل الثريد . كان لزاما علي استكمال عملي والذي يتطلب البقاء لبعض الوقت بعد ساعات الدوام الرسمي والذي انتهيت منه لتوي ويداي ما زالت ملطختان بدماء المكائن العنيدة حتى رايته وجها لوجه مبتسما لي خجلاً وكانه يحاول ان يصارح من يحب عما بداخله. سألني هل لديك بعض الوقت فاجبته وانا على عجل بان الامر يعتمد على طبيعة ما يريد. ابتدا الكلام دون تصريح مني متصاعدا بالحديث بعد كل خطوة اسير فيها عن ان زمان المستقلين قد ولّى ولا مفر من الانتماء للحزب القائد ووو .... بطريقتي البليدة اعربت له سعادتي وانا بعيد عن السياسة حتى امسك بيدي وانا مستمر بالمسير جاهلا اداب الحديث وعلاقة الحزب بالوطن والوطنية فأخذ يهدد ويزبد ويوعد، انتابني شيء من الارتباك ولكني كنت قد قررت العيش سعيداً. واردني الحرص على مصير الاسرة في تلك الليلة حتى لم اهنأ بنومة معتادة ولكن الصباح رباح. افرغت ما بداخلي من هواجس في صباح اليوم التالي لبعض الزملاء حتى باركوا لي عن تأخر حامل اوسمة الثريد عن مصارحتي للمدة المنصرمة كلها فهو احد اسباب اختفاء المهدئات في الصيدليات العامة والخاصة بل انه السبب المباشر في الهجرة المعاكسة للطيور في النصف الشمالي للكرة الارضية. تغيب حامل اوسمة الثريد لليوم الذي تلاه والسبب مجهول حتى عن عائلته التي شككت بوجودها يوما واستمر الغياب لاكثر من عشرة ايام ثم عُرفَ السبب. كان حامل الاوسمة يصل بالبريد الرسمي للدائرة الذي يتضمن مستندات في غاية الاهمية ترتبط بأرزاق و مصائر مئات العوائل وعشرات الشركات الوطنية يوميا الى منتصف الجسر بين الكرخ والرصافة فيفتح الحقيبة المثقلة ويقلب محتوياتها في نهر دجلة كي يسير خفافا بعد ان يتلذذ برؤيته الاوراق طافية على وجه الماء ثم يتفرغ لنشاطاته الخاصة والمتعلقة بالثريد و الهجرة المعاكسة للطيور. كان قد حالفه الحظ في ذلك الصباح لان كافة الدوائر الامنية كانت في حالة انذار يبحثون فية عن افراد تنظيم معادٍ قاموا بتوزيع بعض المنشورات السياسية ولم يهتدوا اليهم ثم تيقن لهم بعد ان شاهدوا فعله هذا من انه هو الذي يبحثون عنه وها هي المنشورات تتأرجح فوق مياه دجلة. كانوا بامس الحاجة الى الخيط الذي سيصلهم باعضاء التنظيم المعادي والا فالويل لهم. تجلت اعلى مستويات الكرم معه اذ لم يستغرق مكوثة في المشفى بعد التأكد برائته لاكثر من شهر حتى تمكن من المشي وعاد الينا وكأن شيئا لم يكن وانواط الثريد على كتفيه.
واليوم نشبع حديثا معسولا من قوات التخالف عن الاعمار والازدهار والحرية و بريدك يا عراق ينثر في الهواء الطلق فوق بحور الاحتكارات البترولية وابنائك طوابير تفترش ارصفة العاطلين ودعك عن العزة والكرامة و الامن فانها قد درجت اليوم تحت صنف الكماليات الغير ضرورية. فهل من جديد؟؟ لك الله يا عراق.
محمد جهاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر