الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 15 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..

حبيب هنا

2009 / 9 / 29
الادب والفن


15

توقفنا عند محطات الجسد ، وصيغ تداعي الأفكار ، ننظم علاقة الحاضر بالماضي ونعيد تشكيل ملامح المستقبل .. " غادة " تعلم " سهام " ، فيما أنا أعلم " كنعان "،و من خلفنا لينا ترمم الأخطاء .. تنتصب أمام كل إشارة بعنفوانها المعهود وعقلها الراجح ، فيما نحن نشيخ ولا نجرؤ على النظر إلى المرآة ..
وفي اليوم التالي ، رافقت " كنعان " إلى الأماكن التي كنا نذهب إليها ، " غادة " وأنا ، وقبل أن تلامس السكين الوريد سال الدم نزفاً ..
هنا يا ولدي كان لقاؤنا الأول . وهنا وقفنا ننشد الأشعار .. هنا جلسنا نحكي الحكايات ، شربنا من مياه العيون ما يكفي وتوضأنا برمال العشق عندما حان موعد الصلاة … وهنا عند شاهد القبر تفيأنا تحت ظلال أعذب الكلمات . وبين أضرحة الشهداء كان عناقنا الأول وتلامس الشفاه بالشفاه ..
وفي البيت يا ولدي ، كانت أمك تجلي ذاكرتي من غبار الوهم .. تبني حصوني وحصونها وحصونك كي تقوى على الصمود في وجه أعاصير تندفع عندما تبدأ عجوز شمطاء نثر تعاويذها في صباح أحلامنا ..
وهناك ، في الأفق ، يا ولدي ،مات عشقنا ، " غادة " وأنا ، حيث لامست الحقيقة الوهم ، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يعيش .. ربما أكون ساهمت في ذلك دون رغبة بسبب سماحي لرجل آخر دخول حياتها ، أو ربما وقعت هي تحت تأثير المغريات ،وكلاهما معاً أوقعانا في الكارثة .
حافظ أنت على حبك " لسهام " حتى لا يصاب بما أصاب حبنا ! كن حذراً قدر الإمكان حتى لا تفاجأ بالرياح العاتية عند هبوبها تقتلع حصونك إن كانت قائمة على سطح المصلحة بعيدة عن جذور الانتماء .
تأخر يوم الأربعاء في المجيء هذه المرة أكثر مما ينبغي .. انتظرته بفارغ صبر وعواطف محمومة بلغت ذروتها كلما اقترب الموعد ، كأنه " أربعاء " خارج سياق الأسبوع المألوف .. ولا أعرف أيا منهما كان الشوق إليها أكثر ، غادة التي مرت عليّ فيها لحظات كاد الشوق إليها يطحن آخر أمل في رؤياها مرة أخرى ، أم " سهام " التي قيل عنها من الوصف ما يدفع نحو تنسم عبير خطواتها المقبلة قبل رؤية امتشاق قوامها الذي فتن "إيناس" ، تلك المرأة التي لا تفتتن ، قبل أن تفتن من سواها من أولئك المولعين كل دقيقة بتجديد النسل .. ولما جاءت أصابعها مشتبكة مع أصابع "غادة" ، عرفت من فوري كم سيكون " كنعان " محظوظاً . وعندما رآها ،ترك يدي في نفس اللحظة التي قلت له فيها : هاهي " سهام " ، ثم ركض نحوها في الوقت الذي رأته هي فانتزعت أصابعها وأخذت تركض باتجاهه ، وعند منتصف المسافة كانا قد تقابلا فتعانقا في لحظة أقدر بلاغة من أي وصف . !!
وتقلصت مسافة العمر في دهاليز الأيام ، اختزلها "كنعان "و "سهام " ؛ فصارت أكثر نفعاً وجدوى ويصعب محاصرتها ، مما أتاح الإفادة من كل لحظة يمران عليها بجسديهما اللدن الذي لا ينكسر عند حواف التآمر ..
وهبت الريح تكنس غبار الأيام من الأزقة .. صعد الأطفال أتون الغيم الماطر ، فيما كان الكبار يحرثون الأرض ويبذرون البذار . ولما أوشك المطر على التساقط ، وضع "الباهر" الورود على أضرحة الشهداء ، بينما رأينا ، " غادة " وأنا ، ونحن ننظر إلى القبور ونسجل الأسماء ، "كنعان " و "سهام " عند نفس الشجرة التي نمت بجوار قبر أبي عندما بارك خطواتنا في لحظة عناق لا فكاك منها .
وتساءلنا ، " غادة " وأنا ، بصوت مسموع وعيوننا معلقة ببعضها :
……………………… ؟
ولكن الإجابة لم تأت بعد ! !












صـــدر للمـــؤلف



الحرب الخامسة والخلفيات السياسية 1983
الـطريق إلى رأس النـاقورة مجموعة قصصية 1984
الحــائـط مجموعة قصصية 1993
صليب العــاج مجموعة قصصية 1996
غربــة الوطـن 1998
هــرم كنـعان رواية 1999
سـنوات ملتـهبة رواية 2000






الانتفاضة .. العشيقة … الزوجة
رواية
حبيب هنا



حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 2000


الغلاف للفنان : إبراهيم المزين
طباعة النص : ماهر الهواري
تنسيق : أمل طعيمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال