الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق من الاحتلال إلى التصحر

سامي الاخرس

2009 / 9 / 30
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


ما أنذلنا... وما أرذلنا نحن معشر العرب عندما نفرط بأنفسنا بلا أي ثمن، نتخلى عن كل شيء لأجل لا شيء، نسوق العباطة ونتفذلك، كمن يبحث عن الرمداء ليمشي عليها حافي الأقدام.
لم نتعلم مطلقاً من التاريخ البعيد أو القريب، ولم تشفع لنا حضارتنا وموروثنا الحضاري والتاريخي، فاستبحنا كل شيء، ولم نترك لنا شيئاً نبرر به رذالتنا التي نحن عليها في هذا الوقت الملعون.
انتهكوا عرض الأوطان فلم نفعل سوى التباكي والنواح والعويل، على العرض المنتهك، اغتصبوا شرفنا فولولنا كالنادبات، يلطمن الوجوه ويعفرن التراب على الرؤوس، ونبكي بدموع التماسيح، وندعو الله بالفرج القريب، ونتحول "كلٌ في قطينة يقطن" على رأي أمي العجوز، ونقف لننتظر الدور التالي.
بالأمس... استباحوا العراق" مجد العرب وعزتهم" وصدقنا خديعتهم التي لا تنطلي سوى على بلهاء أمثالنا قالوا لنا سنسقط( الدكتاتور) وحزب البعث، ونجلب لكم الديمقراطية الحقيقية لتنعموا بالخير والازدهار، فتراقص فريق منا على جثمان العراق، وشربنا نخب سقوط بغداد وهي تتهاوى تحت نيران الموت والتدمير، فاختفت بغداد تحت استغاثات الماجدات المغتصبات أمام ناظرينا، والفريق الآخر جلس يندب حظه العاثر لأنه توقع صمود العراق لقرن من الزمان ومن ثم الانتصار، فصعقتنا الصدمة، وكأن العراق المحاصر منذ سنين سيصمد بمشاهد الحزن التي نبديها له، وبأقلامنا المخادعة الكاذبة النذلة التي تمجد الصمود وتدعو للمقاومة، وتلعن صدام وحزب البعث أو تمجده – فالأمر سيان- .
ومن ثم انقلبنا نحمل "صدام حسين وحزب البعث العربي" المسئولية، ونطعن بالعراق وسط قهقهات جند المارينز الذين صالوا وجالوا بالعراق، واستباحوا كل ما فيه حتى شرف ماجداته، وهتكوا عرضه وعاثوا بكرامته، ونحن لم يخدشنا الحياء لحظة واحدة من أنفسنا، وانبرت أقلامنا تلعن الولايات المتحدة وحلفائها، وهي نفس الأقلام التي تحمل لنا الهزيمة تلو الأخرى بمخادعتها.
تناسينا أو تجاهلنا أن ما يحدث مشروع أمريكي لإعادة ترسيم المنطقة برمتها، وربط كل قضاياها بالعراق، وإخضاع أي حلول للحل الشمولي للمنطقة برمتها بما فيها العراق. وبكل تأكيد لا حلول إلا بتدمير العراق كلياً وتحويله لصحراء جرداء من كل شيء، ونهب خيراته وموارده. وها هو العراق الأخضر والغني بموارده المائية، والزراعية، والنفطية، قد أصبح يعيش بالظلمة، ويعاني من عدمية الموارد المائية التي أغلقت منابعها الدول المشرفة على منابع الأنهار، تاركين العراق وشعبه للمصير المحتوم.
أصبح العراق اليوم ساحة للغوغائية، والفساد، والعملاء، والمصالح الإقليمية، كما وأصبح العراقي عبء على كاهل دول الجوار التي لا تستضيف سوى العراقي الغني من يمتلك رؤوس الأموال، أما العراقي الفقير فيلقى به جثث للافتراس، وبماجداته هدفاً لعصابات الدعاره والعهر لتشويه تلك الصورة العزيزة للماجدة العراقية، أما شعب العراق بأرض العراق فهو الآن فريسة لأزمة المياه التي تعصف به، وأزمة الكهرباء التي تأتي ضمن الحلقة الأخيرة من معركة تدمير العراق، ونهبه.
إذا دُُمر العراق، دُمرت المنطقة، دُمرت بوحداتها الجغرافية، وبشعوبها، وهو ما يحدث الآن بمنهجية منظمة من الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب والعرب، ومن أبناء العراق العملاء في المنطقة الخضراء، ومنا نحن الشعوب العربية أيضاً، فنحن لسنا ببراء من دم العراق بل شركاء ليس بصمتنا فقط، بل بخضوعنا ودعمنا لبعض الدول الإقليمية التي تتآمر على العراق، وتقف على رأس الأشهاد من مدمري العراق، وإسقاطه من قمة العز والمجد التي كان يحمل لوائها لإذلال كل العرب بإذلال العراق، فنحن نشترك بتطبيلنا وتهليلنا لتلك البلدان كبلدان داعمة للمقاومة، ولا أدرك أي مقاومة تلك التي نتحدث عنها، فلبنان اليوم فاقد للمقاومة غير قادر على فعل شيء سوى بالمهرجانات الخطابية الرنانة، وعاجز عن تشكيل حكومة وطنية تقود إعمار وبناء لبنان، وفلسطين أصبحت مقاومتها في برامج فضائية بين رام الله وغزة، همها من يثبت شرعيته وأحقيته في إملاء كلمته على الآخر، والجولان حائط صد أمني لإسرائيل منذ احتلاله، وسيناء تنعم بالتصحر ونشاطات مهربي الأنفاق والاسترزاق، أما الأردن ينطبق عليه المثل القائل:" كافي خيره شره" فأي مقاومة تلك التي يتحدثون عنها؟! ويضحون بالعراق وشعبه من أجلها؟!
ربما أكون سكير أو مغفل لا أرى بعيون هؤلاء حملة مشاعل المقاومة، وحجاج بلدان الدعم للمقاومة، لأنني أعيش في عالم آخر لوحدي، وهو ما اعترف به بأن العيش في عالم الرذيلة ما هو سوى عيش مبتذل للكرامة. عالم تحمل معالمه تلك العقول الخاوية، والأقلام العابثه التي تحيط بنا وتأسرنا في شباكها الأخطبوطية المفترسة.
فالعراق اليوم يتعرض لعملية تصحر كاملة بمنع المياه عنه من دول الجوار المسيطرة على منابع أنهاره، وشعب العراق يموت ظمأ، وظلمة من عصابات المذهبية الطائفية، وعصابات التصحر الجديدة التي تتخذ من الوحدات الجغرافية شكلاً لمهاجمة العراق وشعبه.
فالجميع أصبح يمارس طقوس انتهاك واغتصاب العراق. فإن كان العراق قد أصبح مرتعاً لكل زناة العالم والعرب، فهذا ليس بغريباً وعجيباً لأننا أمة امتهنا النذالة والرذيلة، وارتضينا المهانة والخضوع......فإن قتلوا العراق واستباحوه .... لن يفلت أحداً من مقصلة العقاب ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العراق النفط والنهر
نور ( 2009 / 9 / 30 - 04:08 )
جلية ملامح نظام دولي جديد لا تصنعه الشغيلة ولا الشعوب لقد جربوا فينا كل سافل بورصة للنفط وقريبا للاوكسيجين والكاربون وايضا سوق وبورصة للماء العذب كل هذا من منطق السوق هو النهر يا صاح

اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما