الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الأحزاب في تعطيل الديموقراطية

علاء الفزاع

2004 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا بد في البداية من التأكيد على أن المعطل الرئيس للديموقراطية في بلادنا هو الجهات الحكومية التي تضع كل العراقيل الممكنة في وجه أي تجمع شعبي قادر على أن يكون له رأي في مسيرة المجتمع. وهي لا يمكن أن تكون غير ذلك، بحكم أن حكومات العالم الثالث عموما تمثل تحالفات مجتمعية ليس من مصلحتها إقرار ديموقراطية حقيقية تتضمن تداول السلطة.
ومن المفترض أن الأحزاب –والمعارضة عموما-بالمقابل هي التي تسعى إلى تمثيل الغالبية الصامتة، وأن تحمل لواء الدفاع عن الديموقراطية. ولكنها الديموقراطية الغائبة. حاضرة في طروحات الحكومات المتعاقبة، بنفس القدر الذي تظهر فيه في طروحات وبرامج معظم الأحزاب. لكنها غائبة عن الممارسة الحقيقية. إن في معظم الأحزاب الأردنية ثباتا في الوجوه القيادية إلى درجة تجعل من شبه المؤكد ألا يختلف أداؤها –فيما لو استلمت السلطة يوما ما- عن أداء بعض الحكومات قاسية اليد.
ماذا يجري داخل حياتنا الحزبية الأردنية؟ وما هي الآليات التي تحكم العلاقات داخلها؟ من أوضح الإجابات على هذه الأسئلة أن روح العمل الجماعي أقل كثيرا مما هو مفترض كحد أدنى لمؤسسات ديموقراطية. العمل بمجمله يعتمد على مبادرات عدد من الحزبيين، يقل عددهم عادة إلى الحد الذي يجعل الأمر في النهاية عمل شبه فردي، غير مؤسسي. ويتعزز هذا النهج الفردي في ظل عدم وجود مؤسسية حقيقية داخل الأحزاب. معظم النشاطات تقوم على علاقات متفرقة بين أعضاء القيادات وبعض أفراد القواعد، دون وجود تسلسلات تنظيمية حقيقية، ودون وجود حدود واضحة لصلاحيات أعضاء القيادات. وفي مثل هذا المناخ تختفي أية إمكانية حقيقية للنقد الإيجابي البناء، ما دامت الخيوط كلها في يد القيادات. وكم من الطاقات أهدرت بسبب عدم قدرة أصحابها على إيجاد خطوط اتصال خلفية مع القيادة.
ولو دققنا لوجدنا أن الأنظمة واللوائح التي تحكم معظم الأحزاب العقائدية هي أنظمة مرتهنة لروح حقبة الأحكام العرفية وظروف العمل السري، قائمة على إعطاء صلاحيات واسعة للقيادات، وعلى أسلوب العلاقة الفردية، لتأمين المرونة وسرعة الحركة، وتلافي الاختراقات الأمنية. ولعل هذا كان مبررا في ظل ظروف العمل السري التي كانت تجعل من المستحيل توزيع الصلاحيات. ولكن العمل الجماهيري الديموقراطي يتطلب أكثر من ذلك بكثير. إن الأساس هو أن يشعر كل حزبي بأنه يشارك في صنع القرار مشاركة حقيقية، وهذا هو أول الطريق نحو تعميم الفكر المدني الديموقراطي في مجتمع عشائري حتى النخاع: عشائرية الدم، وعشائرية الفكر، وعشائرية المصلحة. وحتى يجري اختراق هذه التركيبة لا بد من ممارسة ديموقراطية حقيقية داخل الحزب، تنعكس على عقلية وتصرفات الحزبي، ليكون مقنعا لمجتمعه.
وإذا دققنا جيدا في النظم الأساسية لمعظم الأحزاب العقائدية (ما دمنا لا نعول على الأحزاب البرامجية كأداة للتغيير الديموقراطي) لوجدنا أن هناك هيئة قيادية عليا يتم انتخابها من قبل مؤتمر يفترض أنه هو السلطة العليا للحزب. ويأتي معظم أعضاء المؤتمرات من الهيئة القيادية الحالية، ومن الهيئات القيادية التي تليها مباشرة في السلم التنظيمي، حيث أن القيادات في هذه الأحزاب تأتي بتراتب على درجات من القيادة إلى القاعدة. ويضاف إلى هؤلاء الأعضاء أعضاء متممين منتخبين من القواعد إلى المؤتمر، ولكن نسبهم تقررها عادة الهيئة القيادية العليا وفق ما تراه مناسبا. ونستطيع أن نفهم الصورة جيدا إذا عرفنا سعة الصلاحيات التي في يد القيادة، وبالتالي فإن أعضاء القيادات المتوسطة في حاجتها دائما. وما دامت القيادة ستقرر نسبة الأعضاء المتممين المنتخبين فإنها تستطيع تقليلها إلى الحد الذي يسمح لها بتقرير النتيجة المسبقة لأي مؤتمر. أي أنه من شبه المستحيل تغيير الخارطة في أي مؤتمر، ما دامت القيادات العليا والمتوسطة هي حكما غالبية المؤتمر، إذ كيف نتصور أن تغير القيادة نفسها؟ وهكذا تبرز مفارقة غريبة: يتغير رؤساء الوزارة في الأردن مرة كل سنتين تقريبا، فيما تستمر قيادات الأحزاب نفسها تقريبا لفترات قد تزيد على 10 سنوات أحيانا. وعليه فإن الاختناقات في القواعد تبقى تتفاقم إلى أن تصل إلى مرحلة الانقسام والانشقاق، حيث أن الطرق المؤسسية لا تسمح لها بالتعبير عن نفسها.
وقد جاءت أحداث حزب البعث العربي التقدمي الأخيرة لتكون مثالا نموذجيا على هذه الحالة. إذ تناقلت الصحف اخبار استقالة ما يقرب من 80 عضوا من ذلك الحزب على إثر المؤتمر الأخير الذي عقده الحزب. النظام الأساسي لحزب البعث العربي التقدمي ينص على أن المؤتمر هو أعلى سلطة في الحزب. ولكن كيفية تشكيل ذلك المؤتمر هي لب المشكلة. أعضاء المؤتمر-كما هو مذكور في النظام لأساسي وكما هو مطبق فعلا- يتكونون من أعضاء القيادة المركزية وأعضاء قيادات المناطق المرتبطين مباشرة تنظيميا مع القيادة المركزية، إضافة إلى أعضاء متممين من القواعد من أنحاء الأردن المتباعدة، وفق نسب تقررها القيادة حسب النظام الأساسي. وحسب النظام الأساسي كذلك فإن القيادة المركزية هي التي تعين أعضاء المناطق، وبعضهم تم تعيينه من قبل القيادة منذ سنوات، وبالتالي لا يمكن تصور أن يختلف مع القيادة. وفي مؤتمر الحزب الأخير كان عدد أعضاء المؤتمر يزيد على 90 عضوا، كان من بينهم ما يقرب من 40 عضوا من القيادة المركزية، أو عينتهم القيادة المركزية. وعليه من السهل أن نتصور النتيجة المسبقة لأي مؤتمر.
إن استقالة هذا العدد الكبير من أعضاء حزب واحد-وربما يتلوهم آخرون- يدل على أن هناك غيابا للديموقراطية، يشكو منه غالبية أعضاء الحزب، إلى حد أن عبر عنه بعضهم بالاستقالة. وهذا هو واقع الحال في معظم الأحزاب.
كلنا نشكو من العقلية العرفية التي مارسها الحرس القديم، ويمارسها الحرس الجديد علينا، هذا من ناحية الحكومة. ولكن لا بد لنا كذلك أن نضع أيدينا على خلل من ناحية أخرى يتسبب في سيل من الفرص الضائعة. الأحزاب هي الجهة التي يجب أن نتوجه إليها بالنقد والتحليل، حتى تتجاوز واقعها الحالي، وتصبح قادرة فعلا على حمل عبء مهمة قيادتنا إلى الأفضل، ما دمنا لا ننتظر أن نصحو ذات يوم فنجد أن الحكومة قد أصبحت ديموقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة