الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مساءلة دعوى شرق أوسط من دون سلاح نووي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 10 / 2
السياسة والعلاقات الدولية



أثيرت في الأيام الأخيرة ضجة غير مسبوقة ؛ سياسيا و إعلاميا حول البرنامج النووي الإيراني ؛ الذي يتهمه الغرب بأنه برنامج عسكري ؛ يسعى إلى تقويض السلام في منطقة متأججة بالصراعات السياسية و الدينية .
و يعتمد خصوم هذا البرنامج النووي في هجومهم على مفاهيم أممية؛ من قبيل الحد من التسلح النووي؛ أو وقف سباق التسلح؛ أو القطيعة مع مرحلة الحرب الباردة... و كلها –في الحقيقة – مفاهيم حقيقية ؛ لكن للأسف الكبير يراد بها باطل ؛ ما دامت الوقائع الجارية على الأرض تنفي كل هذه الادعاءات .
فالقوى الكبرى التي اجتمعت مؤخرا ؛ أجمعت كلها على الحد من سباق التسلح النووي في العالم ؛ لأن ذلك يهدد السلام العالمي ؛ و كان من أبرز المناهضين لسباق التسلح هذا ؛ الرئيس الأمريكي –باراك أوباما - ؛ الذي يبدو أنه يقوم بتمثيل دورين متناقضين على خشبة واحدة ؛ فهو من جهة يقوم بدور المفكر و داعية السلام ؛ مستثمرا في ذلك كل مهاراته الأكاديمية ؛ في استغلال مفضوح للقيم الإنسانية المشتركة ؛ و لكنه في حقيقة الأمر يتزعم أكبر قوة نووية في العالم ؛ تهدد بأسلحتها النووية العالم كله ؛ كما أنه يتزعم الدولة التي تدعم صراحة و بشكل مباشر أكبر قوة استعمارية و عنصرية عرفها التاريخ البشري ؛ و هي إسرائيل التي تنتهك القرارات الدولية في واضحة النهار ؛ و بدعم أمريكي- أوربي غير محدود ؛ و هي تمتلك أكبر قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط ؛ و هي قادرة في أية لحظة على الإبادة الجماعية لشعوب بأكملها .
إن لعب الرئيس الأمريكي لهذين الدورين المتناقضين –في الحقيقة- لا يخدم الاستقرار و السلام العالمي ؛ بل على العكس من ذلك سيقوضهما ؛ خصوصا إذا استمرت أمريكا في دعم الحلفاء بالمساعدات العسكرية السنوية ( و منها ما يرتبط بالسلاح النووي) ؛ التي تقدر بمئات الملايير ؛ و في المقابل تسعى إلى فرض قيود غير عادلة على كل من يهدد دورها الاستراتيجي في العالم ؛ و في استغلال أكثر بشاعة لقرارات الأمم المتحدة ؛ هذه المؤسسة التي تحولت إلى ملحقة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية .
في الحقيقة لا أحد يعترض على دفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن خياراتها الإستراتيجية ؛ لأن الرئيس الأمريكي صرح في الاجتماع الأخير علانية بأنه يسعى إلى خدمة مصالح بلاده بشكل أولى ؛ قبل خدمة أية قضية عالمية أخرى .
لكن في المقابل من حق جميع دول العالم أن تدافع عن مصالحها ؛ و من حقها كذلك أن تحمي نفسها من الأخطار الكبرى التي تداهمها من طرف الدول الكبرى ؛ و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ؛ التي دشنت في السنوات الأخيرة لإستراتيجية دفاعية جديدة تقوم على ما يسمى بالضربات الاستباقية ؛ و تبقى جميع الدول الغير قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة الضربات الاستباقية الأمريكية ؛ و لو كان ذلك بناء على معلومات استخباراتية خاطئة - البرنامج النووي العراقي نموذجا- .
إن السياسة الأمريكية ؛ و امتدادا لها القرارات الأممية ؛ في الحقيقة لا تسعى إلى وقف سباق التسلح النووي في العالم ؛ و لكنها تسعى إلى التأسيس لسياسة جديدة ؛ تقوم على احتكار القوى الكبرى في العالم للسلاح النووي ؛ الذي يمتلك قوة الردع ؛ و التي تمكن هذه الدول من رفع الورقة الحمراء في وجه أية دولة تحاول الدخول إلى نادي الكبار .
و إذا أخذنا على سبيل المثال منطقة الشرق الأوسط الغنية بثرواتها البترولية ؛ و التي تشكل الآن الباحة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية ؛ فإن أمريكا تواجه بشراسة غير مسبوقة البرنامج النووي الإيراني ؛ بدعوى أنه يؤسس لسباق التسلح النووي في المنطقة ؛ لكنها في الحقيقة تنظر إلى القوة الإستراتيجية الإيرانية المتنامية في المنطقة بعين التوجس ؛ باعتبار أنها تهدد مصالحها الآنية و المستقبلية ؛ سواء فيما يرتبط بإمدادات الطاقة ؛ أو فيما يرتبط بالحليف الاستراتيجي –فوق العادة- الإسرائيلي . و هذا ما يبدو واضحا من خلال العناية الفائقة التي يتلقاها البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي؛ الذي تأسس بخبرة أوربية-فرنسا- و يعيش على الرعاية الأمريكية.
و يعلم جميع الخبراء في قضايا التسلح النووي –خصوصا- الخطر الذي يمثله هذا البرنامج على مستقبل منطقة الشرق الأوسط ؛ و خصوصا مع استمرار النزاعات الإقليمية بين إسرائيل والعالم العربي ؛ حول احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية ؛ و هضبة الجولان و مزارع شبعه .
لكن ما يلاحظ هو أن الأمم المتحدة لم تثر في اجتماعها الأخير المخصص لقضايا التسلح النووي في العالم ؛ لم تثر أي نقاش بخصوص كل هذه الأخطار المتنامية التي يشكلها البرنامج النووي الإسرائيلي ؛ لأن ذلك –طبعا- يعتبر مسا مباشرا بالمصالح الأمريكية- الأوربية في المنطقة ؛ لأن إسرائيل لا وجود لها ككيان طبيعي بدون سلاح ردع نووي ؛ يمكنها من فرض إستراتيجيتها على المنطقة ؛ و التحكم في السلم و الحرب ؛ حسب إرادتها و أجندتها السياسية .
إن ما يجب أن يفرض مستقبلا؛ على الأجندة الأممية ؛ هو في الحقيقة قضية ضم إسرائيل إلى الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ؛ و الالتزام بجميع قرارات وكالة الطاقة ؛ الهادفة إلى الحد من توسع التسلح النووي في العالم ؛ وذلك عبر إخضاع منشآتها النووية إلى التفتيش و المراقبة ؛ و في نفس الآن فرض نفس الرقابة على البرنامج النووي الإيراني ؛ و هذا هو المدخل الحقيقي لولادة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية .
أما أن تستمر الأمم المتحدة من خلال أعضائها الأوربيين – الأمريكيين خصوصا في مسار الكيل بمكيالين ؛ فإن هذا لن يفضي إلا إلى سباق تسلح نووي ؛ لأن كل أمة تسعى إلى حماية نفسها من الأخطار التي يمكن أن تداهمها في أية لحظة ؛ تحت مبررات شتى ؛ لا تلتزم أقل درجات العدالة و القانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه