الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولوية أفغانستان عند واشنطن

محمد سيد رصاص

2009 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


كان ملفتاً ،في الأشهر الأولى من عهد الرئيس أوباما،تلك الأولوية التي أعطاها لأفغانستان على العراق في الاهتمامات الأميركية،وذلك الضغط الذي مارسه على قادة الدول الأخرى في حلف الأطلسي(الناتو) من أجل تعزيز مشاركتها في الجهد الحربي ببلاد الأفغان.
لم يكن هذا ظاهراً في عهد الرئيس بوش الإبن سوى بالسنتين الأخيرتين من عهده ولكن بشكل أخف كثيراً من أوباما،فيماكان في السنوات الأربع الأولى لغزو2003الأميركي للعراق يعطي تركيزاً أشد على العراق من أفغانستان،وهو فيمايبدو بسبب الاضطراب الأمني الشديد الذي كانت تعيشه بلاد الرافدين،أكثر منه تعبيراً عن أولوية استراتيجية أميركية.
بدون هذا(وحتى رغم وجود بن لادن في أفغانستان)لايمكن تفسير كون البداية الأميركية من كابول بعد أسابيع من ضرب البرجين بنيويورك،رغم الحاح العديدين في إدارة بوش(وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه فولفوفيتز)على البدء بالرد عبر بغداد،وقد كانت التثنية الأميركية بالعاصمة العراقية بعد سنة ونصف من الغزو الأميركي أفغانستان تكملة لم تكن لتأخذ قوامها لولاأن كانت البداية في كابول.

يجد كل ذلك أسبابه العميقة في القلق الأميركي ،منذ أن تحولت واشنطن إلى قطب أوحد للعالم بعد انهيار السوفيات بين عامي1989و1991،البادىء بالظهور أثناء النصف الثاني لعهد كلينتون(1993-2001)من اتجاهات واضحة لنمو اقتصادي كانت مؤشراته تدل على أنه من النصف الثاني للقرن الواحد والعشرين سيحصل انتقال للثقل الاقتصادي العالمي إلى مثلث بكين-نيودلهي-طوكيو،كماحصل هذا الانتقال في الربع الثاني للقرن العشرين نحو الولايات المتحدة الأميركية من القارة الأوروبية.
كان المدخل الوقائي من ذلك عند واشنطن هو المبادرة إلى ملء الفراغ الإستراتيجي الحاصل في المنطقة الممتدة بين كابول وشرق البحر المتوسط بحكم فشل عملية"التسوية" للصراع العربي الاسرائيلي التي استغرقت منذ مؤتمر مدريد(تشرين أول1991)حتى فشل مؤتمر كامب دافيد الثلاثي بين كلينتون وباراك وعرفات(تموز2000)،وبحكم عدم قدرة العاصمة الأميركية على تنفيذ سياسة"الإحتواء المزدوج"لبغداد وطهران التي أعلنتها إدارة كلينتون،وأيضاً بسبب الإضطراب الأفغاني الذي أعقب الإنسحاب السوفياتي من هناك في 15شباط1989 والذي لم يستطع أحد ضبطه من "المجاهدين"ثم"طالبان"وماقاد إليه هذا من تداعيات كان أهمها اعلان تأسيس"تنظيم القاعدة"من بلاد الأفغان في شباط1998والذي كانت فاتحة عملياته ضرب السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام قبل أن يصل لنيويورك وواشنطن بعد ثلاث سنوات.هذا الفراغ الاستراتيجي ماكان ممكناً معالجته عن بعد،ولاعبر وكلاء،بل عبر آليات كان واضحاً أن الحضور العسكري المباشر سيكون أساسها منذ أن أعلنت قمة (الناتو) في نيسان1990،وهي الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة مع انهيار الكتلة الشرقية في خريف1989،أن مهمات(الناتو) ستكون أوسع من الإطار الجغرافي الأوروبي-الأميركي الذي تحدَد لماتم انشاء ذلك الحلف بشهر نيسان1949في ذروة الصراع مع موسكو.كان غزو واشنطن لكابول عام2001بداية لهذا الحضور،ولوحصلت ارهاصات لذلك بعد حرب الخليج الثانية سنة1991،ثم كان غزو العراق تعزيزاً لهذا،ليحصل عبر ذلك كله وضع طهران بين كماشتي الحضور الأميركي في كابول وبغداد،وليحصل أيضاً وضعُ أصبحت فيه واشنطن قادرة على تحريك وإدارة ملفات تلك المنطقة الممتدة بين الحدود الأفغانية- الصينية إلى شرق المتوسط ،وملفات منطقة آسية الوسطى والقوقاز(أنابيب النفط والغاز-الصراعات والنزاعات-امتداد النفوذ الروسي من جديد)التي هي مثل منطقة الشرق الأوسط تتركز بهما مصادر الطاقة العالمية التي ترى واشنطن(وهذا سبب تركيزها الشديد في مرحلة مابعد السوفيات على هاتين المنطقتين أكثر من أي منطقة أخرى بالعالم بمافيه أميركا الجنوبية التي تحوي الكثير من مظاهر التمرد على العاصمة الأميركية)أن السيطرة على هاتين المنطقتين وطاقتهما هو الذي سيمنع انتقال الزعامة الاقتصادية العالمية إلى شرق ووسط القارة الآسيوية أوإلى احباطها.

هنا،كان التوتر الأميركي- الايراني طبيعياً بعد غزو كل من كابول وبغداد،رغم تحالف واشنطن وطهران فيهما،مادامت الأخيرة أدركت بأن الحضور الأميركي فيهما سيؤي إلى استهدافها لاحقاً،لذلك حاولت عبر اللعب على المكونات الحليفة لطهران في بغداد وكابول ابعاد ذلك الكأس عنها،و تعزيز وضعها الاقليمي عبر تحويل ذلك الوضع الناتج عن الاحتلالين لمكاسب (وليس خسائر)لها،وكذلك حاولت عبر انشاء أوضاع مضطربة في العراق وأفغانستان اجبار الأميركي على الاعتراف بإيران كقوة اقليمية كبرى مقابل تسهيل الوجود الأميركي فيهما،وخاصة أن القوى المتولية للأمورتحت الإشراف الأميركي في بغداد وكابول موزعة أومشتركة الولاء بين واشنطن وطهران.
إذا أردنا معالجة الصورة عبر منظار أوسع،فيمكن القول بأنه بعيداً عن الاحتكاك الأميركي بطهران فإن الولايات المتحدة قد أصبحت عند الحدود الغربية للصين عبر البوابة الأفغانية،وقد أدى غزو2001الأميركي لأفغانستان إلى جعل جمهوريات آسية الوسطى السوفياتية السابقة(كازاكستان-أوزبكستان-قرغيزيا-طاجكستان-تركمانستان)موزعة الولاء بين واشنطن وموسكو أوهي في موضع تجاذب النفوذ بينهما،فيماكان الوضع محسوماً مسبقاً في القوقاز منذ عهد يلتسين لصالح الأميركان في أذربيجان وجيورجيا، مع الإستثناء الأرمني.أيضاً،فإن الوجود الأميركي في أفغانستان يتيح المجال لواشنطن للتعامل المباشر مع اضطرابات حيوية في الجوار مفترضة الحصول(الاضطراب الباكستاني- حوادث صيف2009عند الإيغور المسلمين في غرب الصين- اضطراب مابعد انتخابات12حزيران2009والذي رغم ميل ميزان القوى فيه لصالح المحافظين فإن تداعياته المستقبلية يمكن أن تتيح للعاصمة الأميركية اللعب على المكونات القومية والمذهبية والحزبية الايرانية من أجل احتواء أميركي لطهران يتيح إعادتها لوضعية1953-1979).كذلك،فإن السيطرة على منصة كابول تتيح مستقبلاً للأميركان،وخاصة إذا استبقت بإحتواء وسيطرة أميركيتين على المنطقة الممتدة بين أفغانستان وشرق المتوسط،إدارة تحالفهم الاستراتيجي الراهن مع الهند بشكل يؤدي إلى تطويق الصين،ويمنع أوضاع تؤدي لتلاقي العملاقين الصيني والهندي،وخاصة أن هناك بالترافق مع ذلك اتجاهات أميركية واضحة لجعل كوريا الشمالية في وضعية ألمانية الشرقية واليمن الجنوبي من أجل تذويبها في الجنوب بعيداً عن بكين.
السؤال الآن:هل تنجح واشنطن في السيطرة على أفغانستان،رغم أن حركة طالبان في عام2009تسيطر على80%من الأراضي الأفغانية،ونجحت في انشاء مقاومة فعَالة فشل العراقيون في انشاء مثيل لها ضد الأميركان؟....بعبارة أخرى:هل سيقود الرئيس الأميركي الأوضاع الأفغانية نحو مسارات ستكون مغايرة لماحصل لبريجنيف وخلفائه بعد غزو 1979السوفياتي لأفغانستان،أم أنه سيفشل في تجنب مصير شبيه بماجرى للسوفييت في بلاد الأفغان؟.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر