الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من إذاعة الحزب الشيوعي العراقي ( أبو صويحب )

ضياء حميو

2009 / 10 / 2
سيرة ذاتية


كنتُ احد العاملين في إذاعة الحزب الشيوعي العراقي " صوت الشعب العراقي " في العام 1995 ،وكان معنا رفيق اسمه " أبو صويحب " ويقدّم برنامجا باسمه وباللغة المحكية ، برنامجه سياسي ساخر...كان " أبو صويحب " ابن ريف ..بل وبلهجته الكثير من مفردات البادية...لم أكن اعرف أكثر من انه كان من ضمن رفاق حزبنا في الكويت قبل غزو صدام لها ،شارك في المقاومة الكويتية المسلحة ضد الغزو هو وآخرون عراقيون مقيمون في الكويت (هذه النقطة التي وللأسف تناساها الإعلاميون والسياسيون الكويتيون والى الآن ) ..وبعد ذلك واثر انكشاف أمره التجأ إلى مقرات الحزب في كردستان العراق ..التي كانت خارج سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.
كان مدير الإذاعة ورئيس تحريرها آنذاك الصحفي والسياسي والمناضل المخضرم ،العضو القيادي في الحزب، الرفيق" عبد الرزاق الصافي " أبو مخلص ، الدقيق في كل شيء ابتداءً من صحته وانتهاءً بمهامه السياسية ، دقته هذه في الإذاعة كانت تزعج البعض من رفاقه لأنه يريد أن يفحص كل كلمة وكل حرف قبل إجازته للبث..وربما له العذر في ذلك لان مقرات الحزب آنذاك كانت محصورة في ماسمي "منطقة الحظر الجوي" والكلام هنا عن "اربيل" تحديدا ..ففي تلك الفترة الممتدة من عام 1992 – 1996 عانى سكان المحافظات الكردستانية معانات لم يمر بها احد مثلهم ..الحصار الأمريكي المجرم على العراق عموما ..ومن ثم داخل هذا الحصار ،حصارٌ آخر فرضه " صدام " على ماكان يسميه مواطني شعبه الكردي ..بالإضافة إلى حصار آخر..فرضه كل من تركيا وإيران...ضمن تحسسها من بادرة أي تحرر كردي بالإضافة إلى الاقتتال الداخلي بين حزب الرئيس جلال طالباني و الحركة الإسلامية..ولاحقا حرب " الحزبين " الفيلين " كما كان يُسميهما الشارع الكردي آنذاك...الاتحاد الوطني، والديمقراطي الكردستاني...ضيق أفق وإجرام وأنانية كان من يدفع ثمنها هو المواطن الكردي...الرواتب شحيحة وتقتصر تقريبا على أعضاء ومقاتلي الحزبين الفيلين التي كانوا يجبونها من ضرائب تهريب المعدات والبضائع على الحدود الإيرانية والتركية...هذه الضرائب جعلت أسعار السلع الغذائية وغيرها تتضاعف عشرات المرات حين تصل إلى المواطن..الأمر الذي جعلنا نسمع بين الفينة والأخرى عن انتحار رب أسرة وقتله لاطفالة وزوجته لعدم تمكنه من إطعامهم لأيام عديدة ، لم يقتصر الانتحار على الفقراء بل تجاوزه إلى " بعض المقاتلين السابقين من " بيشمركة " الحزبين ...الذين صدمهم واقع ماآل إليه نضالهم القومي المسلح بين صفوف الحزبين..!.
راج سوق " البالة " الملابس المستعملة..وهذه كانت تأتي كمساعدات من القلة القليلة من المنظمات الإنسانية التي بقت تعمل في "كردستان" ..بل حتى هذه الملابس المستعملة " الهبات المجانية كان يستولي عليها " الحزبان " الفيلان " ويبيعوها بمزاد في الأسواق...لم يكن يهمهم أي شيء عدا جمع الأموال بأي وسيلة لاستمرار "حربهم الأخوية"..!!
بالنسبة لمدينة اربيل" والتي كانت تحت سيطرة مقاتلي حزب طالباني " الاتحاد الوطني الكردستاني" فرض عليها حزب مسعود البارزاني " الديمقراطي الكردستاني " حصار آخر..تمثل بالضرائب على السلع المهربة من تركيا أو من منطقة سيطرة السلطة المركزية...لتزداد معانات المدينة...وصل سعر برميل النفط الأبيض "150 $ في حين كان سعره في بغداد اقل من نصف دولار واحد فقط..!.
قصف بالهاونات..والقاذفات..وعمليات اغتيال..لاتدري مخابرات أي جهة تقف ورائها...!
في ظل هذه الأجواء كان العمل يتم في " إذاعة الحزب الشيوعي ".
...التحرير الإذاعي والتسجيل يتم في مركز مدينة اربيل ،أما البث الإذاعي فيتم من مدينة " شقلاوة " لأنه يحتاج إلى منطقة جبلية تقلل من التشويش الذي تبثه السلطة على إذاعة الحزب...!
في تلك الآونة كان" حسين كامل" وأخيه، صهري الرئيس وأبناء عمه ذوي الصلاحيات اللامحدوده قد لجاءا إلى الأردن منشقين عن النظام برفقة زوجتيهما ابنتي صدام....!.
وهكذا كانت مادة "أبو صويحب" التي يحررها ويسجلها بصوته عن " حسين كامل.!
وقبل التسجيل لابد من إجازتها من الرفيق " أبو مخلص"وان لم تكن هنالك خطوط حمراء أسفل الكلمات أو الجمل فهذا يعني إنها صالحة للبث..!
ولكن ماان اطلع " أبو مخلص"عليها حتى نادى " أبو صويحب " على إنفراد ..!
عاد الأخير مقطب الوجه...إلينا حيث غرفة التحرير والمصححين اللغويين واضعا المادة على الطاولة...قائلا:" شوفوا رفاق خطوط أبو مخلص"...!!
كانت الخطوط أسفل جملة " المجرم حسين كامل " لاغير...أردف " أبو صويحب " قائلا ": يقول الرفيق..: (لانستطع أن نصفه بالمجرم الآن...لان الحزب لم يتخذ موقفه السياسي من عملية هروبه وانشقاقه بعد)..!!
ابتسمنا صامتين وبدون أي تعليق...!!
فيما انهمك " أبو صويحب " بإعادة كتابة المادة " يدردم" يردد مع نفسه :" لم يتخذ موقفه بعد حسنا"...وبعد انتهاءه طوى أوراقها..ودخل مسرعا إلى غرفة " أبو مخلص"..وضعها على طاولته..قائلا " انه حرر المادة من جديد"..وغادر بأسرع مما دخل، قبل أن يطلع عليها الأخير...!
ثم وبنصف التفاته اخبرنا انه سيذهب يتمشى في المدينة فيما إذا سأل عنه أحدهم..!
بعد دقائق تعالى نداء الأخير على " أبو صويحب "...وماان أخبرناه انه غادر يتمشى في المدينة ..اطل " أبو مخلص" هادئا ومبتسما قائلا: عرفتم بموضوع مادته ؟ّ! اشرنا برؤوسنا نعم.
انصرف ولم يعلق بشيء..!
عرفنا بعدها ..إن "أبو صويحب " لم يحرر المادة من جديد ..ولكنه استبدل جملة " المجرم حسين كامل " حيثما وردت، بجملة " الرفيق المناضل حسين كامل ".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحق مع أبي مخلص
وعد محمد ( 2009 / 10 / 2 - 22:33 )
أعتقد أن الحق مع أبي مخلص في تلك الحقبة لأن حسين كامل إنشق عن النظام وأراد أن ينسق مع المعارضة بعيد وصوله الى عمان فكيف تصفه إذاعة الحزب الشيوعي بالمجرم وهو كان قد ظهر في لقاء صحفي مطول أمام أنظار العالم وقام بفضح سياسة النظام من جميع الجوانب وكان يدعوا الى إسقاطها وكانت تنهال عليه أسئلة الصحفيين حول النظام وهو يرد دون خوف مشيراً الى جوانب ضعف النظام والى سلبياته !! ولكن من المضحك إعتباره رفيقاً مناضلاً !! مثلما كتب زميلك أبو صويحب ساخراً, لكنه بلع الطعم وعاد نادماً الى أحضان عمه الذي قتله بدم بارد هو وعدد من أفراد عائلته , يجب أن تدرس كل حالة على حدة وبوقتها ويبدو لي أن زميلك أبو صويحب من ذوات الدم الساخن , ( بشكل عام لا يختلف حسين كامل عن صدام حسين أو أي قيادي بعثي في تحمله الجرائم التي وقعت تحت وفي ظل حكم حزب البعث العراقي في تلك الحقبة , لكن الوصف لحسين كامل يخص فقط الفترة القلقة من حياته والممتدة لبضعة شهور أمضاها بحضرة الملك الراحل حسين وكان معارضاً لسياسة عمه الرئيس صدام والتي إنتهت بكارثة حلت على حسين وعائلته كان بطلها علي حسن مجيد وعدي صدام حسين وآخرين ).


2 - ذاكره المواقف
حيدرعلي ( 2009 / 10 / 4 - 00:06 )
تحية الئ الكاتب
جميله هذه الالتفاته منك في تسليط الضوء علئ مواقف لشخصيات نضاليه وهي دعوه لكل الاقلام لكي لاتنسئ هذه البطولات لاصحابها ومدئ التضحيات التي قدمت في سبيل الوطن وانا اقرا هذه الكلمات تصورت الرفاق وصعوبه الحياة التي كانوا يوجهنها وهم في تلك الاماكن ليتركوا للتاريخ مواقف رائعة
تحيه لكل الرفاق
تحيه لكل الاقلام التي تذكرهم
ولتبقئ سيرتهم ناقوس في ذاكرتنا

اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر