الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوائق تشكيل الرأي العام في الوطن العربي: - نموذج المغرب - الجزء الأول

بن بيه رشيد

2009 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يساهم تشكيل الرأي العام حول بعض القضايا الهامة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة وإقرار النزاهة وتحقيق العدالة، وغيرها من الإشكاليات المصيرية بالنسبة للدول والشعوب، في الضغط على الفاعلين الأساسيين في المجتمع والدفع بهم إلى إحداث تغيرات جوهرية في الأوضاع القائمة والاستجابة لانتظارات عموم المواطنات والمواطنين.
ويتم تكوين الرأي العام عن طريق انخراط العديد من الفعاليات الحزبية والنقابية والحقوقية والفكرية والصحفية...في إثارة قضايا: غياب الديمقراطية، تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تزوير الانتخابات، الاختطافات، استعمال الدولة للعنف ضد المواطنين.. والإجهاز على حقوق الإنسان بشكل عام.
ووعيا منها بخطورة الرأي العام وأهميته في تحريك وتأطير الفكر السياسي الجمعي لمختلف أفراد المجتمع في اتجاه النضال من أجل أو ضد قضية معينة، قامت العديد من الأنظمة الديكتاتورية بالتحكم في منابع ومصادر تشكيل الرأي العام كالإعلام، والصحافة، والمؤسسات الثقافية والجامعية.. كما عملت على قمع وملاحقة المنتجين الأساسيين لهذا الرأي من كتاب وصحفيين وسياسيين.. و منعهم من الإفصاح والدفاع عن مطالب مختلف الفئات الاجتماعية.
وكباقي الدول التي لم تحقق بعد تحولا ديمقراطيا حقيقيا، يعاني المغرب من أزمة غياب الرأي العام، بسبب عوامل موضوعية مثل تحكم الدولة في الإعلام والتضييق على حرية الصحافة وضعف مساحة الحريات العامة. وأخرى ذاتية، تتمثل في ضعف العمل المدني والحزبي وانسحاب المثقفين من الساحة السياسية والاجتماعية، مما يضعنا أمام التساؤلات التالية:
ماهي عوائق تشكيل الرأي العام بالمغرب؟ كيف يمكن تجاوزها؟ وما هي المهام الملقاة على عاتق الفاعلين الأساسيين في هذا المجال؟

أولا: عوائق تشكيل الرأي العام

عموما، يقصد بالرأي العام ذلك الحراك "في الثقافة والسياسة معا، يقوم به و يمثله جمهور واع" (وجيه كوثراني) بما يشمله هذا الجمهور من معارضين و كتاب وصحافيين وحقوقيين سواء في إطار تنظيماتهم أو عن طريق مختلف الأشكال الاحتجاجية التي تتم ممارستها في الشارع السياسي للضغط على الحكومات والأنظمة للاستجابة للمطالب المطروحة.
إن محاولة تشكيل الرأي العام في المغرب، وفق تلك الخطاطة، تقف أمامها عوائق موضوعية وأخرى ذاتية؛ ذلك أن مختلف عوائق تشكيل هذا الرأي ، خلافا لما يعتقد، لا تنتمي إلى ماهو موضوعي فقط، مثل سيادة التسلط والديكتاتورية. بل هناك عوائق ذاتية، في غاية الأهمية، تعاني منها الأطراف التي يفترض أنها من العناصر الفاعلة في تشكيل الرأي العام مثل: الصحافيين، والمثقفين ورجال السياسة..
بالنسبة للعوائق الموضوعية، لا خلاف بين الباحثين في أن المغرب لم يعمل لحد الآن على توفير كل ضمانات حرية التعبير والنشر والتظاهر والاحتجاج، تشهد على ذلك مختلف أشكال منع التظاهرات السلمية، والمتابعات القضائية في حق الصحفيين والتحقيقات المستمرة معهم، والتحكم في الإعلام السمعي البصري.
بالإضافة إلى غياب ضمانات حرية الرأي والتعبير كما تضمنها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتحكم في الإعلام واستغلاله وفق المنظور الإيديولوجي للدولة، تعتبر الأمية التي يعاني منها ما يقارب نصف عدد سكان المغرب، من بين العوائق التي تحول دون تشكيل رأي عام موحد لدى جل المغاربة.
فحتى إن وجدت أقلام أو جرائد، تحاول أن تساهم في تشكيل الرأي العام حول قضية مصيرية من القضايا التي تعوق تقدم المغرب، فإن النسبة الهامة من المغاربة الذين يعانون من الأمية لن يتمكنوا من الإطلاع على ما يكتب، وينشر؛ وبالتالي المساهمة في تمثيل الرأي العام والتعبير عنه في سلوك اجتماعي محدد.
لهذا تكتسي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، في المجتمعات التي تعاني من ظاهرة الأمية، دورا هاما في تكوين الرأي العام. إلا إن سيطرة الحكومة والدولة على تلك الأجهزة، يعتبر من أكبر العوائق الموضوعية لتشكيل هذا الرأي؛ فيما لو علمنا أن تلك الوسائل لا تتوقف عن تجميل الواقع وإلهاء المجتمع بدل توعيته بحقوقه والتعبير عن مشاكله، وفتح المجال للمعارضة الحزبية ومختلف المنظمات الحقوقية والمدنية للإعلان عن مواقفها وإبداء مطالبها حول القضايا المصيرية للشعب المغربي.
أما العوائق الذاتية، فتتمثل في القصور الذي يعاني منه عدد كبير من الفاعلين الذين تفترض فيهم القدرة على تشكيل الرأي العام، مثل المثقفين و رجالات السياسة، والصحفيين وتنظيمات المجتمع المدني..
فجزء كبير من المثقفين المغاربة مثلا، الذين تفترض فيهم القدرة على توجيه الرأي العام والانخراط في السجال العمومي دفاعا عن قول "الحقيقة أو مصلحة الأمة"( علي حرب)، انسحبوا منذ فترة من دائرة القضايا الجماهيرية، كما اتجه البعض منهم، في السنوات الأخيرة، إلى التموقع في مؤسسات الدولة الدينية و العلمية والثقافية.
أما الجزء المتبقي من هؤلاء المثقفين، فقد عكف على دراسة قضايا عامة، وإشكالات نظرية كبرى، مثل الحداثة والتراث..، ولم يلتفت لقضايا تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم أفراد المجتمع المغربي؛ مما فسح المجال لبعض رموز الإسلام السياسي لتروج تصوراتها حول مختلف القضايا الهامة بالمغرب، ويتجسد ذلك في احتلالها في، كل حين ومرة، حيزا هاما من الجرائد المغربية وخاصة المستقلة.
فأمام كل مستجد حكومي أو واقعة اجتماعية، يتم استحضار رأي تلك الشخصيات الإسلامية المسيسة ( نموذج الزمزمي) بعدما كانت تلك الصحف، لردح من الزمن، تطلب رأي المعارضة السياسية والمثقفين والمنظمات الحقوقية حول ما يروج في المغرب من قضايا. وقد لفت انتباه العديد من المفكرين والباحثين حجم تراجع دور المثقفين في المجتمع لصالح الفقهاء والفنانين والرياضيين.
نفس الملاحظة السابقة تنطبق على رجل السياسة، الذي أصبح يبرر ماهو قائم بدل نقده والعمل على وضع تصورات وإبداع أشكال جديدة لممارسة السلطة، وتوزيع الثروة والدفاع عن الكادحين. يدل على ذلك، تشابه خطاب رؤساء وأمناء معظم الأحزاب ومواقفها من العديد من القضايا مثل إصلاح القضاء وتغيير الدستور...، وإحجامهم (أغلب رؤساء الأحزاب) عن اتخاذ مبادرات سياسية تكون قاعدة لنقاش سياسي ومرافعة من أجل قضية ما.
بالنسبة للمجتمع المدني، يتجلى قصوره في ضعف استمرار مبادراته التنسيقية من أجل الدفاع عن قضية مصيرية. مثلا، قام بعض الفاعلين في المجال الحقوقي، من إثارة الرأي العام( الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) حول ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وأدى ذلك بالفعل إلى تكوين "تنسيقيات ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات العمومية" التي ساهمت في تكوين رأي عام حول المسألة الاجتماعية، وخلق دينامية احتجاجية استطاعت أن تضغط عن طريقها على الحكومة. إلا أن العوائق الذاتية لبعض أطراف المجتمع السياسي والمدني ، وبدلا من أن تساهم بشكل مستمر في تطوير التنسيقيات وتقويتها وبالتالي سيرورة تشكيل الرأي العام، عملت على التأثير السلبي على هذه التنسيقيات وعلى حضورها في الشارع السياسي الذي تتجسد فيه عمليا كل استراتيجيات تشكيل الرأي العام حول المسألة الاجتماعية.

حاليا، بعض منابر الصحافة المستقلة، وبعض المنظمات الحقوقية، خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، هي التي مازالت تحاول إثارة الرأي العام حول بعض القضايا الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية... إلا أن حجم المشاكل المطروحة من جهة، واستمرار العوامل الموضوعية التي تعوق تشكيل الرأي العام بالمغرب من جهة أخرى، التي تحدثنا عنها سابقا، هما العاملان اللذان يفسران أزمة تشكيل الرأي العام بالمغرب مما يستدعي، فعلا، البحث عن أشكال تجاوز تلك العوائق والمساهمة في تكوين رأي عام قوي مؤثر على قرارات الحكومة والدولة في وقت عجز فيه البرلمان المغربي عن فعل أي شيء في مجال مراقبة "العمل الحكومي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب