الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حذاءٌ وطنيٌّ آخر من تركيا

نصير عواد

2009 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


حذاء آخر انطلق قبل أيام باتجاه دومينيك شتراوس مدير صندوق النقد الدولي ولكن هذه المرة من طالب جامعي تركي متذمر من سياسات الدول الكبرى، اعتبرته الحكومة التركية وعلى لسان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان أنه بعيد عن الديمقراطية وأصول الضيافة، وأضاف إردوغان قائلا "لا تصفوا ذلك احتجاجا إنه هجوم". حقا الشعوب تتأثر بغيرها، منها من يأخذ الجميل ومنها من يأخذ القبيح ومنها من يختار ما ينسجم مع حاجاته وظروفه. ونحن هنا لا نريد المقارنة بين الحادثة الأصل والأخرى التقليد فبالنهاية الموقف السلبي والمؤذي هو الذي يعلق في ذاكرة الأمم التعبانة ويخدم صراخها ومفخخاتها، ولكننا نريد الإشارة إلى حقيقة أنه لو رمينا كل سافل بحذاء فسوف تبلى الأحذية وتبقى السفالة، الأمر الذي يدفعنا للتأمل والتفكير والبحث عن أشياء أخرى نرميها بوجه الآخر، ولا ترتد إلى وجوهنا.
في تركيا وبسبب الاستقرار السياسي والاجتماعي فإن الحادثة الحذائية لم تأخذ أبعادا أكبر من حجمها الحقيقي، وتم على عجل استنكارها ولفلفتها والتحوّل إلى مواضيع أخرى أكثر أهمية. على العكس من أبناء جلدتنا الذين لم يصدقوا أنهم وجدوا مناسبة يلطمون فيها. ففي ربوعنا الجرداء ما أن انطلقت فردة الحذاء الأولى لمنتظر الزيدي حتى تنادى السياسيون الجدد للبحث عن طريقة لاستثمارها، ومع انطلاق فردته الثانية انطفأ الضوء وأسدل الستار وانزوى المناضلون والثوريون الحقيقيون الذين واجهوا الديكتاتورية والاحتلال على حد سوى كما انزوى قبلهم المفكرون والباحثون وأمسى الموقف من ضربة الحذاء هو الذي يحدد مَنْ مع الاحتلال الأمريكي للعراق ومَنْ ضده، يحدد الوطني من غيره، إلى درجة كدت، تحت ضغط وكثافة الإعلام، أصدق أن ضربة الحذاء هذه اختصرت أعواما من الدماء والنضال والأفكار وأنها فهلا ممارسة شعبية ونضالية للتعبير عن الأفكار. ثم ذهب بعض من لم يستطع تحقيق ذاته في الساحة العراقية إلى أن ضربة الحذاء اختصرت الطريق إلى وعي المجتمع واختصرت على الأحزاب أعواما من الدعاية والتحشيد والتثقيف ضد الاحتلال وأنها فرّقت بين المسلم والمؤمن حتى ظن بعضهم أننا بعد بضعة أحذية ترمى بوجوه المسؤولين والرؤساء سوف نخسف فيهم الأرض ويتحرر العراق ويحقق التنمية وستمتلئ أنهاره بالماء وبيوته بالأمان. لقد وضعوا يومها كل من أزعجته رمية الحذاء في خانة المطبلين للاحتلال وكأن حذاء الزيدي أصبح الخط الفاصل بين الوطني وبين الخائن ولا يوجد حل وسط ولا يوجد أناس لهم قيم نضالية ومفاهيم وأخلاق خارج تحديدات الحذاء، أناس يدركون أن الشارع الذي توقظه من نومته ضربة حذاء ولا توقظه الثورات والحروب والتواريخ والقصائد والمذابح والحصار والهجرات لهو شارع لا يمكن التعويل عليه طويلا.
بفضل ثقافة الشعوب نجد القندرة الزيدية على العكس من صاحبتها التركية، كانت أشبه بعظمة فطيسة ألقيت في البرية ثم ركضت خلفها الأحزاب ووسائل الإعلام ونهازو الفرص كل واحد منهم يدعي معرفة وانضمام صاحب الحذاء إليه كمقدمة للظهور بالمظهر الوطني والثوري والغيور على بلده، ثم سرعان ما أنكر الزيدي ذلك جملة وتفصيلا في المقابلة التلفزيونية الغبية مع قناة البغدادية. ولا أدري ماذا يغير من طبيعة الحادثة الحذائية انتماء الزيدي إلى الحزب الشيوعي العراقي "في اليوم الأول" وإلى التيار الصدري "في اليوم الثاني" وإلى حزب البعث "في اليوم الثالث". لقد تحوّل الحذاء إلى ساحة صراع ومزايدات دفع يومها بعض الأحزاب إلى إشهار نعال أبو تحسين لمواجهة حذاء الزيدي دافعة إلى الخلف بتاريخها وبمفاهيمها عن الصراع والاختلاف والنضال صانعة بذلك لوحة بائسة لا ينقصها سوى رائحة الجوارب. نستعيد هذه الأفكار لأننا لم نجد مثيلها في الشارع التركي ولم نرَ رؤساء تحرير صحفهم أقل رفعة من نساء حينا المجاور للسوق كما وجدناه عند صحفيينا وهم يمسكون العصا من منتصفها وتركزت افتتاحياتهم على أن حذاء الزيدي أوجز رأي الغالبية وأن الضرب بالحذاء شكل من أشكال التعبير.
لقد ضرب الزيدي عشرات العصافير بحذاء واحد من بينها عصفور الصحافة العراقية الذي بدأت للتو بتنفس هواء الحرية المحاصرة وقد بانت نتائجها في زيارة رئيس وزراء البريطاني للعراق في نفس الأسبوع حيث مرت الزيارة هادئة من دون لقاءات ومؤتمرات صحفية صاحبها دعوات للتقليل من عدد المدعوين والصحفيين في زيارة الرؤساء، واقترح آخرون السماح للعرب والمسلمين بتغطية المؤتمرات شرط أن يحضروا حفاة تفاديا للإساءة. وهذا كله لم يحدث في تركيا.
لقد صعقني الصحفي الأفغاني ذو الثوب الأبيض القصير والسروال المائل للصفرة من طول الاستعمال عندما قال لبوش في اليوم التالي لتلقيه ضربة الحذاء " جئتم محررين لكنكم في الواقع هدمتم أفغانستان" ووقف جورج بوش طويلا ليختلف مع الصحفي ذو البشرة السمراء والثوب القصير ويوضح له رأيه في الإرهاب وفي مستقبل أفغانستان. وبعد أن تلعثم الرئيس الأمريكي كَبُرَ بعيني الصحفي الأفغاني ووجدته قد أجاب عنّا جميعا. لقد وضعت نفسي يومها محل الزيدي كي أكون منصفا له وفكرت بضرب المالكي أولا حتى أصيب بوش الابن ثم فكرت أني قد أفعلها في بداية المؤتمر لكي يكون وقعها أكبر عليهما معا وسينعكس ذلك بالتأكيد على مجريات المؤتمر لكني تنبهت إلى أني لا أفعلها لأنه ببساطة لا أقبل أن اُضْربَ بحذاء، ومن كانت لديه القابلية لذلك فلا احسده عليها. وإذا كان لابد من كلمة أخيرة في حق الزيدي والتركي فأنا لا أنكر شجاعتهما لكني أنكر فعلتهما. فبين الشجاعة والوقاحة خيط لا يريد أن يراه كثيرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوضوح لاالانكار ماينفع
مصطفى ياسين ( 2009 / 10 / 4 - 11:36 )
الاخ نصير

منذان قرأت مقالك المنشور فى موقع (( البديل العراقى))وانا اتابع كل المقالات الموقعة باسمك، والذى اطلقت فى ذلك المقال اللافت، صرخة ضد سلوك قمت به يندرج تحت توصيف(( خيانة وطن)) وهو تعبير يعود اليك . فى هذا المقال حاولت التبرؤ من ذلك الاجتماع ومن مقاصده ضم جماعات متباينة فى مواقفها الظاهرية والمعلنة ولكنها تلتقى فى العمق حول موضوعة الحرب والاحتلال، ولكنى وجدت ان المقال تنقصه الصراحة والوضوح والرغبة المؤكدة فى الخروج من اجواء ذلك الاجتماع ومن نواياه المعلنه فى تأييد خيار الحرب والاحتلال، كان المقال ينهض على ا استرنجية الانكار والحجب واعتماد انصاف الحقائق الضارة والمشينة، كان المقال تعبيرا عن فكرة محتالة وماكرة، وليس تعبيراعن استعادة وعىاواستفاقة ضمير، انت تريد فى هذا المقال واخرى بدرجة اقل وضوحاالانتماء الى معسكر المناهظين للاحتلال وسلطته المحلية، ولكن النواة الصلبة لقناعاتك القديمة والتى دعتك لحضور ذلك الاجتماع المناصر للحرب والاحتلال لاتريد كسرها والتحرر من اسارها وتظل تراوح بين استرتجية الانكار والرغبة المؤؤدة سلفا فى الخروج من تلك النواة، والمقال المنشور اليوم على موقح الحوار المتمدن يكشف عن هذا النزوع فى الانكار ويؤكده وهذه المره تحت يافطة التهذيب والوقاحة فى

اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا