الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن الدكتور نظيف

رمضان متولي

2009 / 10 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عبر رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف عن موقف جماعة رجال الأعمال ومن يطلق عليهم اسم المستثمرين في مصر من قضية الديمقراطية أبلغ تعبير عندما أجاب عن سؤال يتعلق بقانون الطوارئ خلال مؤتمر اليورومني قائلا: إن أهم شىء هو أمن واستقرار هذا الوطن ولا يجب أن ننسى أن جذب الاستثمارات والمستثمرين يعتمد أساسا على مدى الثقة فى الأمن والاستقرار. «وكلما كان هناك أمن واستقرار كانت البيئة مشجعة لجذب الاستثمارات والمستثمرين». وقد نشرت جريدة الشروق هذا الكلام على لسان رئيس الوزراء في صدر صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي.

ربما أعجب رئيس الوزراء بإجابته التي تتجنب أي حديث مباشر عن ضرورة رفع حالة الطورائ وما تمثله من إهانة وتجاوز على حقوق وكرامة المواطنين، خاصة الفقراء والمعارضين لسياسات الحكومة، بحديث مراوغ عن أهمية أمن واستقرار "الوطن" وتشجيع الاستثمار والمستثمرين. لكن السؤال الذي ينشأ عن ذلك مباشرة هو لماذا يرتبط الأمن والاستقرار بتطبيق مجموعة من القوانين العرفية تستطيع أجهزة الأمن استخدامها للتجاوز على جميع الحقوق الدستورية والقوانين العادية وحقوق الإنسان وكرامته؟ وهل كل الدول التي تتمتع بأمن واستقرار وبيئة جاذبة للاستثمار تفرض حالة الطوارئ الدائمة بحيث تكون هي الحالة الطبيعية وليست الحالة الطارئة في حياة المجتمع والمواطنين؟ ولماذا لا يرضى المستثمرون عن بيئة الاستثمار في مصر إلا إذا فرضت على أبنائها حالة الطوارئ والقوانين العرفية بما تمثل من اعتداء على الحريات وإهانة لكرامة الناس؟

إجابة هذه الأسئلة تتضح من بيان المعنى الملتبس لكلمة "الوطن" التي وردت في إجابة رئيس الوزراء، لأن حالة الطوارئ لا توفر الأمن والاستقرار في وطننا نحن، حيث لا نجد في وطننا هذا – وطن الفقراء من الفلاحين والعمال والمهمشين في المدن – أي درجة يعتد بها من الأمن والاستقرار، وتنتشر فيه جميع أنواع الجرائم من قتل وسرقات وبلطجة وتداول المخدرات وتعاطيها ولا نجد أي دور لأجهزة الأمن إلا عندما نحتج ونعترض على جرائم السلطة ضدنا، كما لا يوجد عندنا أي نوع من الاستقرار، فلا يستطيع العمال أن يضمنوا عدم تسريحهم من مصانعهم غدا، ولا يستطيع صغار الموظفين تلبية احتياجاتهم الأساسية اليوم ولا ضمان الحفاظ على مستوى معيشتهم الحالي غدا، كذلك لا يستطيع صغار الفلاحين أن يضمنوا عدم مصادرة أراضيهم لصالح مشروع تقدم به مجموعة من رجال الأعمال أو انهيار زراعتهم بسبب احتكار واحد من الكبار توزيع البذور أو الأسمدة. كما أن فقراء المدن ممن يقطنون الأحياء المهملة "العشوائية"، لا يضمنون ألا تتعرض بيوتهم للهدم وأسرهم للتشريد بين ليلة وضحاها. وعلاوة على كل ذلك، لا يضمن أحد من أبناء الفقراء عدم اعتداء الشرطة عليهم لسبب لا يعرفونه وتلفيق القضايا لهم وحبسهم وربما تعذيبهم باستغلال قانون الطوارئ الذي يحمي أمن واستقرار وطن الدكتور نظيف.

وطن رئيس الوزراء إذن لا يخصنا في شئ، بل إن وجوده هو السبب الرئيسي في غياب الأمن والاستقرار في وطننا نحن – وطن الفقراء. وطن الدكتور نظيف لا يمكن أن يعيش في أمن واستقرار على أرضنا إلا إذا فرضت الحكومة على وطننا نحن حالة الطوارئ الدائمة التي تلغي حقوقنا وكرامتنا وتحرمنا من أي شعور بالأمن أو بالاستقرار. وطن الدكتور نظيف هو مجتمع كبار الساسة ورجال الحكم والأعمال والمستثمرين الذين يعيشون في تجمعات سكنية تحيطها الأسوار وتحرسها شركات الأمن الخاصة، ويمتلكون أغلب ثروة البلاد وينعمون بامتزاج السلطة والمال عبر شبكات الفساد ويعيشون في بذخ ورخاء من عرق العمال والفلاحين ومن استغلال الفقراء.

وطن الدكتور نظيف ومواطنوه من رجال الأعمال والسلطة والمستثمرين لا يمكن أن يشعر بالاستقرار والأمن إلا إذا فرض أحكام الطوارئ التي لا تفرض في دول أخرى إلا في حالات الحرب والكوارث الكبرى، لأنهم عصبة في حالة حرب دائمة مع الفقراء في بلادنا. بعض رجال الأعمال السذج لا يدركون ذلك تماما، لكن رموز السلطة هنا حتى يثبتوا أنهم يعرفون مصلحة رجال الأعمال أكثر منهم، كما أن أغلب رجال الأعمال والمستثمرين يدركون ويعترفون بأهمية أحكام الطوارئ عندما يقومون بالاعتداء على حقوق العمال في المصانع فيلجأ هؤلاء إلى الإضراب أو التظاهر أو الاعتصام للمطالبة بحقوقهم. هنا يدرك المستثمر روعة أحكام الطوارئ التي تجعل كل هذه الأشكال الاحتجاجية المشروعة في كل أنحاء الدنيا جرائم في مصر لا تحتاج منه أن يستدعي أجهزة الأمن لضرب العمال والتنكيل بهم واعتقال قياداتهم لمساعدته في نهب حقوقهم والاستبداد بهم واستغلالهم. كما أنهم يدركون أهمية الطوارئ في مواجهة أي آراء أو تغيير سياسي قد لا يسمح لهم بما ينعمون به حاليا من سهولة ويسر في نهب واستغلال ثروة البلاد على حساب أصحابها ومنتجيها.

هذا الارتباط بين تشجيع المستثمرين والاستثمار وفرض أحكام الطوارئ ينبع من إدراك الدولة أنها لا تقدم للاستثمار إلا عمالة رخيصة ومكبلة بلا حقوق، وفقراء يعاملون معاملة الأسرى، وموارد طبيعية لا صاحب لها ولا أمين عليها، باختصار تقدم له شعبا وأرضا وسوقا بلا ثمن إلا شراء السلطة ودعمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع