الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقامة اليهودية

محمود شاكر شبلي

2009 / 10 / 4
الادب والفن


الأحداث الغريبة والحزينة التي جرت بين اليهودي والشقاوة (الفتوة ) وما أسفرت عنه من مفاجأت

حدّثنا محمد العطوان قال..
في ضحى أحد أيام العراق الملتهبة , وفي خضم أحواله المضطربة ..
أشتعلت السماء بالأطلاقات النارية , كعادة أهل العراق الأزلية ..
احتفالا بمقتل رأس الفتنة والرعب , ألزرقاوي الأردني أبو مصعب ..
وتبادل الناس التهاني , وتمنوا من الله الأماني ..
واستبشروا خيرا بهذا الحدث , عسى أن تقبر الفتنة التي أحدث , ويعم السلام و الوئام بدل التناحر والانتقام ..
و ذبحت الذبائح و أقيمت الولائم فرحا في بيوت المنكوبين ..
ولأننا نكبنا باثنين من أخواننا , فقد أولمنا وليمة عظيمة , حضرها الأقرباء والغرباء من الأغنياء والفقراء , وزيّنها ضيفنا الدائم , فارس الولائم ( ناطق بن أمونه ) ..
وبعد أن أكل الجميع وعادت القدور كما كانت نظيفة , اجتمعنا لتبادل الأحاديث والنوادر الظريفة ..
وكعادتنا التي درجنا عليها أيام الخميس , فأن ( ناطق أبن أمونه ) كان هو الجليس ..
وقص علينا (ناطق ) بعض نوادره الملعونة , التي أدخلت الفرح في قلوبنا , والسرور في نفوسنا ..
ثم التفت إلى والدنا مهنئا إياه بالحدث , وسأله عن رأيه بما حدث ..
فأجاب أبي .. وقال .. ماهلك زعيم القتل هذا وما تجندل , إلاّ بدعوات المغمومين والمظلومين من أرامل ضحاياه وأيتامهم وأمهاتهم وآبائهم وباقي أحبائهم ..
لأن دعوة المظلوم تجاب , و ليس بينها وبين الله حجاب ..
فسأله ابن أمّونه ..حتى لو كان الداعي من غير ملّة الإسلام ؟ ..
أجاب أبي .. بلى .. فالإسلام ليس شرطا لإغاثة المغموم , ولا مطلبا لإجابة المظلوم , فالخلق كلهم صنع الله وعياله ..
وسأروي لكم قصة عاش أحداثها والدنا , حينما كان اليهود يعيشون بيننا , وكأنهم أخوان لنا ..
قال ..
قال والدي .. كنت جالسا في ظل الشجر , بمقهى يطل على النهر , في شوّاكة الكرخ ببغداد ..
وكان المقهى يحتل قسما من طريق السابلة المارقة , من لهيب شمس بغداد الحارقة ..
وإذا بصديق من اليهود بجسم هزيل , يعبر حاملا على كتفه كيس ثقيل ..
حيّاني , فناديت ( أستريح ) , أجاب (عدوك بالريح ) , ومضى في سبيله , ينوء بحمله ..
فقام من مجلسه, أحد الشقاوات ( فتوات ) , ممن يأخذون من الناس ( الخاوات ) ..
وقد كان الجميع يخافون منه , ويبتعدون عنه , لشدة شرّه وحدّة خنجره..
وصاح باليهودي وهو يفتل بشاربه .. تعال ( لك ).. !
فتوقف اليهودي ثم استدار , وأجاب.. ما.. لك ؟
قال الشقاوة .. تعال هاهنا .. !
تقدم اليهودي قائلا ..ها أنا .. ثم أضاف .. ماذا تريد ياعم وما تبغي ؟
أجابه الشقاوة .. أشعل لي لفافة تبغي ..
فأنزل اليهودي حمله أرضا , وأخرج علبة ثقاب , وأشعل لفافة الشقي عسا يرضى ..
وهمّ بالذهاب فانحنى ليحمل كيسه , فإذا بالشقاوة يضع في رقبته اللفافة التي أشعلها , ويضغطها بقوة حتى أطفئها ..
فكز اليهودي على أسنانه , ولم ينطق كلمة بلسانه, وإنما على كتفه حمل كيسه , والى السماء رفع رأسه . وتمتم بكلمات لم أميزها ومضى في سبيله ..
اتجه الشقاوة بضجر , نحو النهر , ولكنه تلفت فنظر , شابا يبيع الرقي , أسمه ( حقّي ) , مجهول السكن والعائلة , يفترش الأرض القاحلة , في الجهة المقابلة .. فتوجه أليه متبخترا, وكلّمه متبطرا ..
قال .. أعطني رقية , وأريدها حمراء كالدم , وإلا... سوف تند م ..
فقطع له ( حقّي ) أحداها بسكينه ذات النصل الحاد , وقدم له قطعة كالمعتاد , وقال .. تفضل ياسيدي.. هاهي رقية حمراء كالدم , تليق بهذا الفم ..
فأخذها الشقاوة وقال .. إنها ليست حمراء ,
فردّ حقي قائلا .. انظر إليها ياسيدي جيدا , إنها حمراء جدا ..
قال الشقاوة بحدّة وجفاء .. أنها ليست حمراء .. فقال ( حقّي ) ولكن..( وقبل أن يتم جملته )..
وضع الشقاوة القطعة في وجهه , وفركها بقوة وهو يقول .. تأكد منها اذن جيدا ..
فأخذ الغضب مأخذه من البائع الشاب , وتملكته حميّة الشباب ..
فطعن الشقاوة في بطنه بنصل سكينه ..
فبهت الشقاوة لأنه لم يكن يتوقع هذا الرد , فمد يده الى خنجره الأمرد ..
ولكن ( حقّي ) لم يمهله , فعجل له , بطعنة أخرى ثم أخرى , فسقط أرضا يتلوى وينوح , و مالبث أن فارقته الروح ..
فركض حقي الى الشط , وفي ماءه الرقراق قد , نط , ثم عام فيه برشاقة كالبط , وعبر الى جانب الرصافة وحط , ولم يره بعد ذلك أحد قط .. فقد اختفى ( حقي ) وكأنه سحابة تلاشت بعدما أرعدت وأبرقت وأمطرت , ثم أورثت طقسا مشمسا بهيا , وهواءا رطبا نديا ..
فهتفت بعالي الصوت .. الله اكبر .. لقد ظهر الحق و أبلج , وزهق الباطل و لجلجل ..
وعمّ الهرج وكثر المرج , وساد الفرح وطغى المرح , بين العباد , لخلاصهم من وحش كثر شّره و زاد , وعلى إيذاءهم قد أعتاد ..
وشهد الجميع لصالح القاتل , ضد المقتول .. وسجلت الجريمة ضد (حقي) المجهول ..!
وفي اليوم التالي .. مرّ اليهودي كعادته..
فلحقته وأوقفته .. وحييته ثم سألته عن ما قال أمس .. فتلفت و قال بهمس ..
وما تقصد ؟ . قلت , رأيتك ترفع رأسك إلى السماء , وتتوجه إلى الله بالدعاء ..
فما الذي قلته..
سأل .. وهو يتلفت , و هل اللعين هاهنا ؟ قلت .. لا فقد غادرنا ..
قال ..حسنا , لقد خاطبت الله وقلت ..
ربّي .. أنا ضعيف وليس لي قوة ساعديه , فهل أنت أيضا لاتقدر عليه ؟ ..
ثم سكت.. فنظرت إليه و استغفرت الله , وأنشدت ..
وأحذر من المظلوم سهما صائبا........ فأن دعاءه لايحجب ......
ثم قلت له..
لقد استجاب القوي لك , وانتقم ممن ظلمك ..
فقال .. كيف وما الذي حدث ؟
قلت.. بعد أن غادرت بقليل , فأنه تجندل و خرّ كقتيل ..
فقال .. ومن الذي قتله ؟..
قلت .. لقد محقه الله بيد عبده ( حقي ) بائع ( البطيخ والرقي ) ..
فأغرورقت عيناه بالدموع وقال بصوت واضح مسموع , الحمد لله ناصر المظلومين ..
فأكملت .. قاصم الجبارين .. ومبيد الظلمة ..
ثم افترقنا و مضى كل منّا لشأنه ...
فسكت أبي .. ثم قال ..
هذا جزاء من ظلم فردا , فكيف بمن ظلم شعبا ؟..
فأنشدت من مجلسي ..
أما والله ان الظلم شؤوم ....... ومازال المسيء هو الظلوم.....
ستعلم ياظلوم إذا انتقلنا ...... غدا عند المليك من الملوم......
إلى ديّان يوم الدين نمضي.......وعند الله تجتمع الخصوم .....

وانفض مجلسنا على موعد بلقاء جديد , في أول أيام العيد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع مع اعتراض
حمادي بلخشين ( 2009 / 10 / 6 - 12:13 )

مقالة رائعة لقد هزتني كثيرا جملتك المعبرة و اقشعر لها جسدي

ربّي .. أنا ضعيف وليس لي قوة ساعديه , فهل أنت أيضا لاتقدر عليه ؟-

و لكنني ما زلت اصر على ضرورة تناولك جرائم الإحتلال ،و فظائع فرق الموت التابعة للطائفة الحاكمة .وفي النهاية اقول الشعب العراقي هو من حقق معجزة الوقوف بأكثر من ندية امام الاحتلال و ليس الزرقاوي ولا قاعدته و الدليل أن غياب الزرقاوي لم يرجح كفة الاحتلال... يا سيدي الكريم ان من صالح امريكا تضخيم دور القاعدة حتى توحي للناس ان بقاءها في العراق هو لدحر القاعدة فلو غابت القاعدة اعلاميا لتورطت امريكا امام الراي العالمي في مقاومة شعب سمح له القانون الدولي بحق تقرير المصير.. ايها السيد. يجب ان تاخذ بعين الاعتبار ان معظم التفجيرات التي تتعرض لها مساجد الشيعة و تجماعاتهم امريكية الانجاز
مع تحياتي


اخر الافلام

.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل