الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل مشهد ثقافي هادف

رشيد برقان

2009 / 10 / 4
الادب والفن


يبدو من نافل القول التأكيد على الدور الريادي الذي تقوم به الثقافة في تعزيز الإحساس بالذات، و الدفع بها للبروز، ومضاهاة الآخرين. وكذلك في التطلع نحو المستقبل بروح ممتلئة خصوصا في اللحظات التي تشهد فيه الذات شروخا، و تبدو الرؤية ضبابية مفعمة بالإحباط.
كما يبدو من القول المكرور الحديث عن الحضور الثقافي لمدينة مراكش، وكأنها في صراع دائم من أجل مراوغة إلزامات التاريخ؛ فالأصل في المدينة أنها كانت قلعة و خلفية عسكرية للمرابطين، ثم بعد ذلك سوف تراوغ المدينة أصلها بحضورها الثقافي و توهجها المعرفي.
وحينما ننظر إلى الحصيلة الثقافية لهذه السنة نجد أنها كانت ثقيلة؛ حيث شهد هذا المجال دينامية مهمة كانت خاصيتها الأساسية هي التنوع؛ فقد طال هذا التنوع جميع الأصعدة:
فعلى صعيد المصادر الفاعلة نجد مؤسسات الدولة خصوصا المديرية الجهوية للثقافة، ونيابة التربية الوطنية، و الجمعيات الثقافية، و القطاع الخاص ونشير هنا إلى منشورات الآفاق المغربية، ومؤسسات التعليم الحر التي أصبحت تعي أهمية الحضور و الإشعاع الثقافي في إنجاح مشروعها والترويج له. كما كان للمراكز الثقافية الغربية يدا طويلة في تحريك المشهد الثقافي و توجيهه، حيث فاقت فاعلية المعهد الثقافي الفرنسي في بعض الأحيان حتى فاعلية الدولة محليا.
وعلى صعيد الإنتاج نلمس خاصية التنوع في حضور أشكال إبداعية متنوعة كان الغالب عليها المسرح؛ حيث شهد حضورا متميزا من خلال ثلاث محطات أساسية هي على التوالي مهرجان المسرح الجامعي، و اليوم العالمي للمسرح و الذي امتد على مدى أربعة عشر يوما، و أخيرا هناك مهرجان مراكش الدولي للمسرح. و إلى جانبه كان هناك حضور للقصة والشعر والترجمة والأبحاث الأكاديمية. وإذا كان هناك من جديد فهو الانفتاح على النقاش السياسي و التداول بصدد معضلات المشهد السياسي ثقافيا. كما نلحظ عودة الانفتاح على الشباب عبر مسابقات للإبداع و الإنشاء الفلسفي. فيما تغيبت الرواية هذه السنة، وهذا سؤال آخر يجب طرحه و التداول بصدده.
إن هذه الدينامية وهذا الحضور الكمي يطرح أكثر من سؤال على الصعيد النوعي، وكذلك على صعيد الصدى الذي تتركه هذه الأنشطة في ذاكرة المدينة وأهلها. ولعل في هذا ما يفتح الباب على المعضلات الحقيقية التي يعرفها مشهدنا الثقافي؛ فهذا الحضور الكمي هو فعلا فاعلية مخادعة تستطيع إخفاء الحقيقة في الوقت الذي توفر فيه أجوبة سطحية لعقول بليدة.
فأول ما يسترعي الانتباه هو مجافاة الجمهور للعروض الثقافية بشكل مهول، وحتى بالنسبة للعروض المسرحية التي عرفت كثافة الجمهور كانت مجانية. لهذا نستطيع أن نقرر أن هذه العروض مرت دون صدى حقيقي وفعلي.
كما أن الملاحظ أن أغلب الأنشطة لم تعد تتحرك وفقا لإيقاعها الخاص، ولكنها تسير نحو التناغم مع متطلبات التمويل. هذا الأخير الذي نجد مصادره هي المراكز الثقافية الغربية و المراكز السياحية. وهذا ما يساهم في هذه الضبابية و الشتات، فيصبح الغائب الأكبر هو الإنصات للذات ،والنقل الجمالي للواعجها و همومها.
ينضاف إلى ما ذكر ظاهرة أصبحت تطفو على السطح ويتعلق بتضخم الذات ، وسيادة علاقات غير صحية لاتخدم الإبداع، حيث إنها تقوم على تمجيد الفساد، والنفخ في الذوات لغرض في نفس يعقوب، وهذا ما يجعل المشهد الثقافي مشحونا بأحكام غير نزيهة، ومحكوما بشبكة من العلاقات محورها السمر والإخوانيات. و إذا كان هذا هو الغالب فأن الحقيقة تفرض الإقرار بوجود بقية باقية من المثقفين الهادئين الذين لم يتوانوا على نحت الصخر في صمت و سمو عظيمين، حريصين على الاعتصام بلغة الإبداع الحر.
كل هذه المعطيات بدأت تتنامى وتبرز في ظل شرط عام أهم مياسمه :
 انفجار المدينة وزحف الاسمنت عليها من كل الواجهات لدرجة أصبحت معه غير قادرة على التعرف على نفسها، وعلى استيعاب كل مستجداتها ومن تتعثر كل عمليات نظمها في سلك يفضي بها للخروج من العتمة إلى دائرة الضوء.
 موجة تسييح المدينة و الإصرار على خنق كل متنفساتها إن لم تصبح موردا سياحيا أو مجالا قابلا لأن تغزوه السياحة.
 غياب مشروع ثقافي واضح المعالم يعي منطلقاته و إكراهاته، و يسهم بالدفع بالمدينة نحو المستقبل الذي تتصالح فيه المدينة مع ذاتها و مع حاجياتها و تطلعاتها.
 إن التحولات العالمية التي عرفها العالم خلال نهاية القرن الماضي قد انعكست عند ثلة من المثقفين في شكل عداء مطلق لكل التزام ، وفي الهروب من أي مشروع جاد كيفما كان بذريعة أن الانخراط في أي مشروع هو ضرب من الحصار ، وجر الثقافة لمجال هي بعيدة عنه. في حين أن التجارب الناجحة تفرض نفسها دائما بوصفها منخرطة في مشروع مجتمعي يستمع إلى نبض الناس ويلتقط اللحظة التاريخية ليصوغها جماليا وضمن أفق تفاؤلي يعلي من قيمة الحرية و الإبداع.
هكذا يبدو أن المشهد الثقافي أصبح مأزوما و بحاجة لتدخل قوي من طرف المثقفين والفاعلين في المجال، وفي هذا الصدد نرى أن مجموعة من النقط تحتل الأولوية ومنها:
 ضرورة اعتماد مشاريع ثقافية كمنطلقات للفعل وأهداف للتحقق، وليس المبتغى هنا من المشروع الملفات التقنية التي تقدم للتمويل، ولكن مرمانا ينصب على أجوبة ثقافية للمعضلات التي يعيشها المشهد الثقافي، واقتراح الحلول القادرة على خلق المصالحة الضرورية بين الثقافة و المنتجين الفعليين لها.
 ويدخل ضمن هذه المشاريع أخذ المسافة اللازمة من الضغوط سواء السياحية أو الغربية ، وهذا لن يتأتى إلا بالحفر في الذات .
 الانفتاح على الفاعلين المحليين، وإعادة الاعتبار للدور التاريخي للمثقف باعتباره الباني لوجدان الأمة، الذي يفتح لها آفاقا حقيقية وجميلة للمستقبل، الذي يبيع الحلم حين تسود العتمة، والذي يصفع ذاكرتنا حينما نستكين للنوم.
 العمل على إبراز الوجه الثقافي للمدينة وتسويقه لأنها هي المعبر الحقيقي عن هويتها.
وهذا يتطلب مجهودا أكبر على صعيد التغطية الثقافية للمدينة خصوصا توفير البنيات التحتية الكفيلة بالاقتراب الجمهور فأكبر التجمعات السكانية ( سيدي يوسف بن علي و المحاميد) لا تعرف نقطا ثقافية.
 كانت للجامعة دائما دورا رياديا لأنها هي بؤرة الإبداع و البحث وتلاقح الأفكار وتعميق التجارب لهذا لا يمكن للحركة لأي حركة ثقافية أن تتطور وتمتد في الزمن ما لم تستحضر الجامعة ، بل تدفع بها نحو المشاركة .أليست الجامعة مجال تسييد العقل ضد الجهل، وإبراز الذات أمام عواصف الاكتساح العولمي.
 تكتيف التغطية الإعلامية للأنشطة الثقافية للفت الانتباه إلى وجود حركية ثقافية تستحق المتابعة، وإفساح مجال أكبر للنقاش الثقافي.
هذه ليست كل الحلول الممكنة ولا حتى الحلول الناجعة، ولكن حسبها أن تكون نبشا في جدار الصمت .ويبقى دائما الحل هو ما يمكن أن نراه لا ما سنقوله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض