الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموظف وانهيار الراتب الشهرى

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 10 / 5
كتابات ساخرة


لا شك أن الموظف الحكومى فى بلادنا النامية مهما كان منصبه فهو من محدودى (عفوا مهدودى) الدخل إذ لا يقوى راتبه على السير سوى بضع خطوات فى طريق الشهر الطويل يتلقى خلالها عدة ضربات يسقط بعدها مغشيا عليه لينقل إلى غرفة الإنعاش حيث لا يملك المسعفون سبيلا سوى إجراء عملية جراحية عاجلة تتمثل فى الاقتراض من البنوك الحكومية أو الاستثمارية وعندما يتحرى المرء عن الفرق بينهما يكتشف أن البنوك بكافة أنواعها لا ترحم ضعف المرتبات التى تقع فى شباكها ولا تتردد فى استنزاف آخر قطرة من دم الراتب الشهرى.

فرغم أن موظفى الحكومة قد يشعرون بالسعادة المؤقتة عند نهاية الشهر الميلادى حيث يتلقى كل منهم راتبه إلا أن الراتب ربما يكره الأيام الأخيرة من الشهر حيث ينتقل من مسكنه الآمن فى البنوك إلى أيدى الموظفين المرتعشة. والسبب فى هذه الكراهية معروف وله ما يبرره، إذ لا يكاد يستقر الراتب فى يد أو جيب الموظف حتى يتلقى ضربات متتالية وموجعة. وتزداد حدة الضربات حين يلتقى شهر سبتمبر مع شهر رمضان أو أحد الأعياد الدينية. من المعروف أن أولى الضربات تتمثل فى نفقات الأسرة التى تتضاعف فى شهر رمضان. الغريب أن الشهر الذى نصوم فيه عن الطعام والشراب هو الشهر الذى يشهد أكبر الولائم والمآدب، فشهوة الإنسان للطعام تزداد نتيجة الصوم ومن ثم فإن الاستهلاك الغذائى يلتهم الجزء الأكبر من دخل الأسرة. ثم يتلقى الراتب ضربة شديدة فى أواخر رمضان حيث تستعد الأسرة لإعداد كعك العيد ويتلقى ضربة أخرى حين يلتف الأولاد حول رب الأسرة مطالبين بملابس جديدة ثم تأتيه ضربة قوية قاضية حين تستعد الأسرة لتوفير مستلزمات المدارس والدروس الخصوصية. ومن المسلم به أن الراتب المسكين لا يتحمل هذه الضربات المتتالية فيسقط على الأرض فاقدا الوعى وتفشل كل الإجراءات الأولية لإسعافه فينقل إلى غرفة العناية المركزة حيث يتطلب الأمر إجراء عملية القرض المفتوح.

ولتغطية مصاريف هذه الرحلة العلاجية للراتب المريض فإن الموظف لا يجد حلا سوى الوقوع فى شباك القروض التى تنصبها البنوك التى اعتادت فى الماضى على التشدد فى إجراءات الإقراض. أذكر أن أحد الأصدقاء توجه لأحد فروع بنك حكومى ساعيا لاقتراض مبلغ زهيد لا يتعدى سبعة آلاف جنيه ففوجئ برئيس الفرع يطالبه بإحضار زوجته فى المرة القادمة، فسأله لماذا؟ فقال رئيس الفرع لكى توقع بالتنازل عن الأجهزة الكهربية فى منزلكم فى حال تعثركم عن سداد القرض. اللافت للنظر أن البنوك فى الآونة الأخيرة قد قامت بتقديم تسهيلات لطالبى القروض واكتفت بتحويل الراتب الشهرى ضمانا للقرض. ففى أثناء مرورى فى الشارع لاحظت أن الطوابير التى كانت تشهدها الخزينة فى المصالح الحكومية انتقلت إلى ماكينة الصرف الآلى لأحد البنوك حيث التقيت مصادفة بأحد معارفى الذى قطع 10 كيلومترات ليصل إلى مقر البنك فسألته: ماذا تفعل هنا؟ فقال جئت لأصرف راتبى الذى قمت بتحويله إلى هذا البنك ضمانا لقرض زهيد لا يتعدى عدد الكيلومترات التى قطعتها للوصول إلى البنك أى حوالى 15 ألف جنيه. واستطرد قائلا: إن البنك يستقطع ربع الراتب أى 350 جنيه لمدة سبع سنوات. وبحسبة بسيطة يتبين لنا أن هذا الموظف الغلبان يسدد حوالى 30 ألف جنيه أى تقريبا 100% من قيمة القرض.

وفى الواقع فإننا لا ندرى لماذا تتشدد البنوك عند التعامل مع الموظف ذى الدخل المحدود وتفرض عليه فوائد باهظة تصل إلى 100% من قيمة القرض. لعل القارئ يتساءل: إذا كانت الإجراءات والضمانات التى تفرضها البنوك على المقترضين بهذه الصرامة فلماذا تنهب أموال البنوك؟ ولماذا يتلاشى التشدد عند منح القروض لأصحاب النفوذ؟كلنا يتذكر قضية نواب القروض الذين نهبوا أموالا طائلة من البنوك والتى تصل فى مجملها إلى مليار و256 مليون جنيه.

والسؤال الذى يسنح فى الذهن هو: لماذا لا تنظر مؤسساتنا لمحدودى الدخل بعين الرحمة، الرحمة التى تبديها المؤسسات تجاه الفقراء فى العالم الرأسمالى. أتذكر عندما كنت طالبا فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الثمانينات فقد كنت أتلقى حوالى 800 دولار شهريا وحيث إن الدولار كان يساوى جنيها ونصف الجنيه فمعنى هذا أن راتبى كان حوالى 1200 جنيه مصرى، انفق منه 250 دولار إيجار شقة صغيرة وحوالى 150 دولار لسداد فاتورة الكهرباء والغاز والتليفون ليتبقى 400 دولار لزوم المأكل والملبس وكان هناك ما يعرف بخط الفقر والمعيار الرئيسى لموقعك فوق أو تحت الخط يتوقف على راتبك الشهرى، لقد كان المبلغ الذى نتقاضاه كافيا لحجز مقعد تحت خط الفقر وفقا للمعايير الأمريكية. وهذا الوضع يعفى الأسرة من دفع بعض الفواتير الباهظة كمصاريف الولادة التى قد تصل إلى حوالى 3000 دولار بالتمام والكمال أى حوالى 4500 جنيه وفقا لسعر الصرف فى الثمانينيات.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال


.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه




.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو