الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوائق تشكيل الرأي العام في الوطن العربي- نموذج المغرب- (الجزء الثاني)

بن بيه رشيد

2009 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في تجاوز عوائق تشكيل الرأي العام

لن تتم مساهمة الصحافة، والأحزاب والمجتمع المدني... في صناعة الرأي العام إلا بالتصدي لمختلف العوائق التي تحد من تكوين هذا الرأي. ليس العوائق الموضوعية، وحدها، التي، يمكن القول أن هناك مطالب ونضالات غير كافية لتجاوزها، وإنما العوائق الذاتية، التي تتمثل في ضعف انخراط المثقفين في تشكيل الرأي العام، وجمود أنشطة الأحزاب السياسية، وانعدام استراتيجيات التنسيق بين الهيئات المدنية والحقوقية في مجال المطالبة بحق من الحقوق، وعدم استيعاب تلك المنظمات لرهانات مختلف الفاعلين في الحقل السياسي المغربي.
إن العوائق الذاتية التي تحول دون تشكيل الرأي العام، التي تحدثنا عنها بعد قليل، تسائل الفعاليات القادرة على تشكيل هذا الرأي عن دورها في المطالبة بالحريات والحقوق، وعن مدى ارتباطها بقضايا المجتمع المغربي. فالتنوير الأوروبي البرجوازي مثلا، كان نتيجة انخراط المفكرين والفلاسفة والسياسيين في تلك الفترة التاريخية في تشكيل الرأي العام وتوجيهه نحو مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي، وهو الشيء الغائب في محاولات إثارة الرأي العام بالمغرب مادامت تلك المحاولات تطرح الشعارات والمطالب فقط، ولا تتعداها إلى بلورة تصورات واستراتجيات مستقبلية قادرة على استقطاب الحركة الجماهيرية حولها.
ذلك أن الإطلاع على المواضيع التي يتناولها المفكرون والكتاب المغاربة في بعض صفحات الرأي ببعض الجرائد، والأشكال التي يتم بها تناول بعض القضايا الحساسة، يجعلنا نؤكد استحالة تكوين رأي عام بهذا الشكل، لكونها لا تناقش القضايا الحقيقية للمجتمع المغربي من جهة، ولم تنجح في تشكيل حركة فكرية تنتقد الأساس الطبقي و الإيديولوجي لما هو قائم من البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لهذا، فالمهام المطروحة على الفاعلين الذين يفترض فيهم تشكيل الرأي العام متعددة؛ ويتمثل أهمها في انخراط المفكرين والكتاب والصحفيين في القضايا المصيرية للشعب المغربي بشكل دائم وليس بشكل موسمي، فلا مبرر إطلاقا للتوقف عن طرح المسألة الدستورية، والعدالة الاجتماعية، وإقرار النزاهة وتوفير حرية التعبير والرأي...، كما أنه ليس من المقبول أن تتم مناقشة تلك القضايا من طرف نخبة محدودة. بل لابد من إشراك عموم المواطنين والمواطنات في تلك النقاشات، ويمكن تحقيق هذا الهدف فيما لو قام الفاعلون في تشكيل الرأي العام بتنسيق جهودهم في هذا المجال.
إن إثارة الانتهاكات التي تطال، يوميا، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم المواطنين والمواطنات، والاستمرار في لفت انتباه الرأي العام إلى قضايا الإقصاء والحرمان الاجتماعي وتدهور خدمات المرافق الصحية و سيادة الفساد والرشوة... من شأنه المساهمة في رفع الوعي الاجتماعي والسياسي للمغاربة، وبالتالي الضغط على الأحزاب والحكومات من جهة والدولة من جهة ثانية للاستجابة للمطالب المطروحة. لكن، مثل هذا العمل يبقي ثانويا ما لم يتم إدماج تلك المطالب في مشروع مجتمعي متكامل، لأن الأهم ليس طرح مثل هذه القضايا بشكل إخباري و تقريري فقط ، وإنما ربط ما يحصل من انتهاكات على مختلف الصعد، وما لم يتحقق في كل المجالات بالسيطرة الطبقية لفئات اجتماعية مهيمنة على مختلف المجالات وتوجبه هذه الأخيرة السياسات العمومية لتخدم مصالحها وأهدافها الطبقية.

لذا من الضروري أن يتم الاهتمام، ليس بالخبر وحده، وإنما بالتحليل الملموس لما يحصل، ودور الطبقات المهيمنة في ذلك. والطريقة التي يجب، في نظرنا، أن نثير بها الرأي العام، يجب أن تتميز بالاستمرارية، والتنسيق، والشمولية، والاستقطاب النظري.
فيما يتعلق بالاستمرارية، لا يجب التوقف عن المطالبة بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمساواة الاجتماعية لأن مسيرة إقرار هذه الحقوق لايمكن أن تتوقف عند لحظة معينة، لأنها تخضع للتراجع مثلما تعرف التقدم. لذلك من المستغرب جدا، بعد تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة وصدور توصياتها، أن نسمع من البعض أن ملف الحقوق المدنية والسياسية في المغرب قد أنجز وما علينا سوى الاتجاه للمطالبة بإقرار أجيال جديدة لحقوق الإنسان!؛
أما التنسيق، فيعتبر جوهر أي عمل يهدف إلى التأثير في الرأي العام وتوجيهه، ففي أوروبا، خلال عصر الأنوار، انتظم المفكرون والفلاسفة في تيارات متماسكة، استطاعت أن تصوغ نموذجا للمجتمع الذي تحلم به؛ ذلك أن أهمية التنسيق النضالي، تتمثل في كونها الشكل الوحيد لاكتساب المشروعية الضرورية لكل حركة مطلبية واجتماعية، كما أنها ترتبط بعنصر الشمولية الذي يجب أن يميز جهود ونشاط الفاعلين في إثارة الرأي العام بالمغرب؛
إن اقتراحا اختزاليا لقضية ما أو مرافعة لا تستوعب رهانات مختلف الفاعلين في الحقل المدني والسياسي بالمغرب( حركة نسائية، أمازيغية، طلابية..)لايمكن أن تكون( المرافعة) قاعدة صلبة ومتينة لتشكيل الرأي العام. بالعكس، ستساهم في تشظي هذا الرأي وتقوية التناقضات الثانوية بين الفاعلين الأساسين في المجتمع المغربي.
كما أن من شأن توفر تلك الشروط أن يساعد على الاستقطاب النظري لأكبر عدد من الفاعلين للمجتمع بالقدر الذي سيسمح بتحقيق هيمنة إيديولوجية يتم استغلالها لنزع الحقوق وإقرارها.
إن غياب إستراتيجية هادفة ومحددة لتشكيل الرأي العام حول قضية معينة سواء لدى الأحزاب أو الصحافة والمجتمع المدني..، وضعف ممارسة الحريات العامة بالمغرب، إضافة إلى انسحاب المفكرين والمثقفين من دائرة السجال العمومي، واكتفائهم بمعالجة قضايا نظرية تراثية، تنتمي للمجال العربي الواسع، هو الذي فسح المجال لبروز فاعلين جدد يحاولون تشكيل الرأي العام المغربي. ويتمثل أبرز هؤلاء في بعض الفقهاء المسيسين وبعض رموز الإسلام السياسي؛ الذين أصبحوا يؤثرون في البنيات الذهنية و السلوكية للمواطنين المغاربة من خلال تصريحاتهم ومواقفهم. ومثل هذه المتغيرات، تفرض على المثقفين والأحزاب التقدمية ومختلف تنظيمات المجتمع المدني وضع استراتيجة عملية للمساهمة، على الأقل في مرحلة أولى على تحريك الأوضاع السياسية الراكدة، وفي مرحلة ثانية لبناء رأي عام يحمل تصورا بعيد المدى حول الأشكال السليمة لممارسة السلطة، وبناء الديمقراطية وتحقيق العدالة.






















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب