الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكرامة

عصام عبدالله

2009 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إذا وضعت كلمتين فقط‮ ‬،‮ ‬هما‮ : ‬نصر أكتوبر‮ ‬،‮ ‬علي أي محرك بحث علي شبكة الانترنت‮ ‬،‮ ‬دون أن تذكر‮ ‬السادس من أكتوبر‮ ‬أو‮ ‬أكتوبر عام‮ ‬1973‮ ‬،‮ ‬ستنهمر أمامك عشرات الصفحات والصور الالكترونية عن الحرب التي‮ ‬غيرت معني الحروب في العالم‮ ‬،‮ ‬وأثبتت أن المقاتل المصري هو‮ ‬خير جنود الأرض‮ ‬قولا وفعلا‮ ‬،‮ ‬وأن قدراته وأدواره تفوق بكثير أحدث الآليات العسكرية والتكنولوجية‮ ‬ وسط هذا السيل الرقمي الجارف‮ ‬،‮ ‬وتلك الغابة من الألياف الضوئية‮ ‬،‮ ‬لابد وأن تقع عيناك قبل أن تجهد طبعا‮ ‬،‮ ‬علي كلمة واحدة ستتكرر بثبات علي شاشة الكمبيوتر‮ ‬،‮ ‬مع كل موضوع أو صورة‮ .. ‬هذه الكلمة هي‮ : ‬الكرامة‮.‬


وإليك نتائج البحث في صفحة واحدة فقط‮ : ‬يوم الكرامة‮ ‬،‮ ‬ذكري الكرامة‮ ‬،‮ ‬رد الكرامة‮ ‬،‮ ‬رمز الكرامة‮ ‬،‮ ‬معركة الكرامة‮ ‬،‮ ‬حرب الكرامة‮ ‬،‮ ‬انتصار الكرامة‮ ‬،‮ ‬النصر والكرامة‮ ‬،‮ ‬الكرامة والعزة‮ ‬،‮ ‬الكرامة والشرف‮ ‬،‮ ‬الكرامة الوطنية‮ ..... ‬


بين الكرامة والفلسفة وشائج قربي‮ ‬،‮ ‬تجلت بوضوح منذ عصر النهضة الأوروبية‮ ‬،‮ ‬فقد عنون الفيلسوف الإيطالي‮ ‬بيكو دي لا ميراندولا‮ ‬1463‮ - ‬1494‮ ‬كتابه العمدة،‮ ‬بهذا العنوان المثير‮ : ‬خطبة في كرامة الإنسان‮ ‬?‮ ‬Oration on The Dignity of Man ،‮ ‬يقول فيه‮ : ‬أن الخالق الأعظم قد أعطي الإنسان مكانة مرموقة‮ ‬،‮ ‬كما أعطاه حرية الاختيار‮ ‬،‮ ‬ووضعه في وسط العالم ليري كل ما يحيط به من كائنات‮ ‬،‮ ‬ولما كان الإنسان لم يخلق كائنا ملائكيا ولا كائنا أبديا‮ ‬،‮ ‬فإن السبيل ميسر أمامه ليهبط بنفسه إلي درك الحيوانية أو يسمو بنفسه إلي الذروة السماوية‮ ‬،‮ ‬فمصيره ومستقبله رهن اختياره الحر‮. ‬


هذه الأفكار هي التي ساهمت في إذكاء روح المغامرة والبحث والإستكشاف داخل إنسان العصر الحديث‮ ‬،‮ ‬وأيقظت احساسه بذاته وقيمته وكرامته‮ . ‬وما الثورة الفرنسية عام‮ ‬1789‮ ‬إلا تجسيد عميق لمفهوم الكرامة الذي يرتبط بمفهوم الحرية والتحرر والاستقلال‮ ‬،‮ ‬وبسبب ذلك‮ ‬،‮ ‬أصبحت الكرامة هي حجر الزاوية لحقوق الإنسان في العالم أجمع‮ ‬،‮ ‬لا فرق بين شرق أو‮ ‬غرب‮ .. ‬شمال أو جنوب‮ ‬،‮ ‬أو حتي‮ ‬وسط‮ .‬


فقد جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة‮ ‬1948‮ ‬،‮ ‬أن‮ ‬الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية،‮ ‬وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة‮ ‬،‮ ‬هو ما يمثل أساس الحرية،‮ ‬والعدالة،‮ ‬والسلم في العالم‮ . ‬وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعني الحديث‮ ‬،‮ ‬لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ‮ ‬أيضا‮ ‬،‮ ‬فهو‮ : ‬المبدأ الأساسي الذي يشمل المساواة بين الأفراد جميعا‮ ‬،‮ ‬ويمنع في الوقت نفسه‮ - ‬جميع أشكال التمييز بينهم‮ ‬،‮ ‬أو المعاملة اللا إنسانية أو المهينة التي تمس كرامتهم‮ .‬


هكذا اختفي المفهوم التقليدي للكرامة الذي يستند علي فكرة العرق والسلالة أو المكانة الاجتماعية‮ ‬الطبقية‮ ‬أو العقيدة والإيديولوجيا‮ ‬،‮ ‬وأصبح جميع البشر متساوين في الكرامة‮ ‬،‮ ‬وأصبح الشرط الأساسي لكل إنسان كي يمتلك كرامته‮ ‬،‮ ‬هو‮ : ‬اعترافه بكرامة الآخر أيضا‮ ‬،‮ ‬أيا كان هذا الآخر‮ .‬


في كتاب الفيلسوف الكندي‮ ‬توماس دو كونيك‮ ‬،‮ ‬المعنون ب‮ ‬الكرامة الإنسانية‮ ‬،‮ ‬والحائز علي جائزة الأكاديمية الفرنسية عام‮ ‬1996‮ ‬،‮ ‬تعريف مبتكر وبسيط‮ ‬للكرامة‮ ‬،‮ ‬يقول فيه‮ : ‬الكرامة تعني أن الإنسان فوق كل ثمن‮ . ‬فكل ما له ثمن،‮ ‬كما قال الفيلسوف الألماني‮ ‬إمانويل كانت‮ ‬،‮ ‬يمكن تغييره بشيء آخر،‮ ‬معادل له في القيمة،‮ ‬في حين أن ما يفوق أي ثمن‮ .. ‬له قيمة مطلقة‮ . ‬


ولأن الكرامة هي قيمة مطلقة وليست‮ ‬نسبية‮ ‬،‮ ‬فهي‮ ‬كل‮ ‬و‮ ‬واحد‮ ‬صحيح‮ ‬،‮ ‬لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتناقض بين‮ ‬باطن‮ ‬و‮ ‬ظاهر‮ .. ‬داخل‮ ‬و‮ ‬خارج‮ ‬،‮ ‬فكرامة الإنسان المصري داخل وطنه تنعكس بالضرورة علي صورته في الخارج‮ ‬،‮ ‬فضلا عن تعامل هذا الخارج أيضا معه‮ . ‬كما أن الاستهانة بكرامته في الداخل لا تدفع الآخرين فقط إلي الاستهانة به‮ ‬،‮ ‬وإنما تجعله هو أيضا يستعذب هذه الإهانة والمهانة‮ . ‬


بعد‮ ‬36‮ ‬سنة علي نصر السادس من أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬،‮ ‬أصبحت‮ ‬كرامة‮ ‬الإنسان المصري مثار جدل كبير،‮ ‬والمقارنة اليوم قطعا ليست في صالح الحاضر‮ ‬،‮ ‬فهل نراهن علي‮ ‬المستقبل‮ ‬ونحن نحتفل بذكري‮ ‬الكرامة؟‮.‬











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف