الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغداد

يحيى علوان

2009 / 10 / 6
الادب والفن




لسمير ابن ِ شط لكريمات سَهَته المفخخات!!



مُتجاوزاً عارضةَ منتصفَ الليل ، حيثُ ذئابُ الأرقِ تَنهَشُ لحمَ نُعاسي ، يتزحلق الزمنّ إاـى بئرٍ من طنين ، يروحُ يُرتِّبُ أوضاعه ويلملِمُ حاجيّاته قبلَ طلـوع الصبح ... نامَ العجاجُ على السطوح ، في الأزقة والدرابين ... وأنا لا أزالُ أُقَلِّبُ السكونَ المُخاتِلَ .... أُفُتِّشُ عـن عبـارةٍ نسيتُ أنْ أُدوِّنها ، أُبحلقُ فـي شاشـةِ الحاسوب علَّها تُومـض برسالة ....
أترنّحُ في زورَق وسطَ عماء الليلِ فـي برلين ، أُجالسُ نفسي وأُحـاورُ وحشتي أُدجِّنُها بكأس باخوس ... أسرَحُ وأتسكَّعُ فـي ميدان " أَنا"ي ، أبحثُ عن لغةٍ تَفضُّ حياءَها ، وتظلُّ شفيفَةً لا تَخِـزُّ لَمعَةَ العين ... لغةٌ لم يطأها قلمٌ ، لغـةٌ أتناءى بظلال مُفْرَداتها عما ألِفَته القواميس ... لغةٌ أُقيمُ فيها وتُقيمُ فِـيَّ ... أَبحثُ فيها عـن مأوىً جديد لقَلَقي ، تُريحني مـن العَدْوِ فـي صحاري ظَمَأي ..... أُلاحـق فيـها خطيئةَ النسيان بما تَبقّى من ذاكرةٍ ، فأُحشِّدُ جيوشاً مبعثرةً مـن الصـورِ والأسماء ...
فثباتي على الأرض لا علاقةَ له بأنني لا أمتلكُ أجنحـةً أو أنَّ وزني ، لا سامحَ الله مُفرِطٌ ! ، بلْ بسببِ فكرةٍ ضَيَّعَها آخرونَ ، فتَمسكتُ بها ، " قَـدَراً " كـي لا أكون مثل سنديانة عَرّاها الخريفٌ فغادَرَها الطير ، أو أنْ أموتَ مـن بَهتَـةِ النسيان ! ... أُعَلِّلُ نفسي بأننـي مازلتُ أهـوى الغناءَ فـي الحمّام والغابة ، أُمرِّنُ فيهما حِنجرَتي على الصُراخِ ، عندما يَتَلَفَّعُ ما حـولـي بعباءةِ الصمت ... فمـا دُمتُ أَضجَـرُ من الضوضـاءِ والإطناب واللا معنى والإبتذال ، يكفيني هذا على أنني لمّا أزل أحيا ولستُ وحيداً ... !

* * *

" ماذا فَعَلنا " ، يسألني سمير ، أبن الشط ، " لنكون ، كلَّ يومٍ ، حِملانُ أضاحٍ لعمى الجهالـة وكلِّ فنون الخَبَلِ المعادي للعقل ... هذا الغولُ ، الذي حوَّلَ الناسَ إلـى كائناتٍ تلوذُ بظلامِ زوايا البيوتِ ، تَتَفَنَّنُ فـي إجتراحِ الحِيَلِ - المُعجزاتِ ، للإفلاتِ مـن الموتِ بأَيِّ ثَمَن ؟!
نموتُ عَطَشاً ! هل يُصدِّقُ العالمُ أن بلادَ الرافدين وبغداد ، التي كانت أُمَّ الدنيـا
طُـرَّاً ، تموتُ عَطَشَاً ؟؟!!"
............
............
ــ " دوغلاتو* خيطُ مـاءٍ من سُرَّةِ السماء " أقولُ له .
يرُدُّ عليَّ : " خيطُ مـاء ، أضحت دجلةُ حقاً .. ولكن ليس من سُرَّةِ السماء ، إنما من زبالةٍ ونفاياتٍ ، عافها السمك ... تصوّرْ بغداد تموت كلَّ يوم عـدة مرّات ، ليس بفعل المُفخخات والقصف والجنـون فقط ، إنما تموتُ عَطَشَاً أيضاً ..! نُلجِمُ الصِغـارَ كي يلزموا الصمت ، حتى لا يفوتَنا مهرجانُ الغِبطَةِ ! عندما تبدأ غرغرة المواسير إيذاناً بقرب وصول شريان حياتنا ، فُضلَةً مما بقيَ من وضوء سلاطين الإستانة !! .. دجلة ، يا صاحبي ، ما عادت تلكَ ، التي كنَا نحرثُ ماءَها بقاربٍ ، من جسر الشهداء حتى جزيرة أُم الخنازير .. نعود بعدها للكريمات بحصيلةٍ من السمك ، نبيع بعضها لضمان الزحلاوي ! وندفع بالبقية مع عَلوّش ، ليأتينا بعد ساعة ، عند شِرِيعَةِ الشيخ عبد الله ، بصينيةٍ من الكريمجاب !! هـي العشاء والمازة ...
.....................
.... ولكنها تظلُّ بغداد ، الصَبَوات والصِبى والتحدّي ، بغداد العلم والثقافة والـ..

يُقاطعني :" دعـكَ من الأحلام ، يا صديقي ، بغداد تنتحرُ اليومَ ، وتنحَرُ أهلها بسيوفٍ صَدِأةٍ ومُفخخات جبانة .. المدينةُ تشهق كـلَّ يومٍ بنافورة دم ، وتختنق بأسوارِ ، تُفقِّس جدراناً للقطيعة والكراهية بين الناس ، بعد أن سقطَ جدارُ برلين ! بغداد أضحت متواطئةً مع الموتِ والقَتَلَةِ ، وباتَتْ تتربَّصُ حتى بأحلام الناس ... "

ــ بغدادُ عُرس مرايا السمَر والسهَر ، قَمَرٌ من ماس وفِظَّة .." هي في الليل من الجو ، أجملُ سجادة فارسية ملضومةٍ من ضياء " **

" هذا كلامٌ لا علاقةَ له ببغداد ، كما نراها ونعيشها ، نأمةً ، نأمة .. بغداد جُنَّتْ ،
ومن فَرطِ جنونها ، راحت الناس تجترُّ وتتجشأُ عقوداً خَلَتْ .. تحنُّ لشوارعَ وفضاءاتٍ
غيرَ مُقفَلَةٍ على أهلها .. ولا تُقَطَّعُ أوصالها الآلافٌ مـن كتل الخرسـانةِ الهائلـة الصـمـاء ...
الناسُ ترتاب وتتوجَّسُ من بعضٍ ، فتنكفءُ على مخاوفها ، وقد غادرها أيُّ تصـوُّرٍ
للمستقبل ... وهو توطئةٌ خطيرةٌ لموَاتِ المُدُن ، فـي زمَن القحطِ والخراب ...
ويصرخ ، فتجيءُ صرخته متكَسَّرةً .. حَشرَجاتٌ تَتَخَبَّطُ باحثةً عن نتفةِ أمـلٍ للبقاء في هذه الحياة : " متى يموتُ الموتُ كـي نحيا ؟! هل هناكَ أملٌ فـي الخلاص من
هذا الحضيض وطينِ الخراب ؟! "
أقولُ له : " لا تنتظروا قطراً من سماءٍ عقيمة ، أنتم مَـنْ ...!"
فيردُّ عليَّ فـي هزءٍ يترنَّـحُ علـى خيطٍ بين دمعةٍ تحَجَّرَتْ فـي مقلته ، وقهقهةٍ
تناثرت فـي خطوط الهاتف :
" أَتدري ، يا صاحبي ، أننا غَدَونا مَسخرةً ؟ أحدُ جنود المارينز ، مُدَرَّعٌ بالكامل ، قال لـي في ساحة الأندلس ، وانا أَهِمُّ بالعودة للبيت بعد أن إشتريتُ خبزاً ، قال ساخراً لا أُصدِّقُ أن يكون هذا الشعب سليلَ سومرَ وبابلَ وأَكَد... هذا بَلَدٌ يندثـرُ فـي قيامـةِ الخَبَل .. فقلتُ له : صه يا هذا ! تلكَ صنيعتكم ، إستبدلتم ديكتاتورية فرد بديكتاتورية الغيبِ والخرافة ... فها نحن نحصد اليوم ما زرعتموه ... أدرتُ لـه ظهري ومضيتُ .... أَتحسَّسُ قَفـاي ، لأعرفَ إن كان أطلقَ علـيَّ رصـاصةً .. ومن أينَ واتَتني الشجاعة لأقول لآلة الموتِ الصماء هذا الكلام !! لكنَّ لافتـةً لَمَحتني وقرأتْ دواخلـي ... شكرتها ، فغَمَزَتني !! "
ثمَّ يروحُ سمير يُوغِلُ فـي وصف الأنين ، كنايةً عن حبِّ الحياة ... وكيف يتحوّلُ
الإنسان بفعلِ آلةِ الموتِ والرعبِ ، إلـى كائن عُتمةٍ ، صنوَ الخُلْد ، يعتاشُ علـى
فُتاتِ ذكـرى ، فـي إمتحانِ إمتهانِ الكرامةِ والجسدِ .... إمتحان مقاومة النفي
والعزلِ والمَـوات .. فـي أقصى حالاتِ جنونِ القتلِ والإنتحار ، التي تَمَلَّكَتِ الناس
، وسط غيابِ العقل وحضورٍ "مُجسَّدٍ!" كثيفٍ للخرافة ...
ويسألُ مُتهكماً : " مـاذا يمكننا أَن نصنعَ مـن عجينةِ الخرابِ هذا ؟! "
ــ سمير ، صُنْ فَرادتَكَ ، سلاحُك ، تُدافِعُ بـها عن نفسِكَ ، ضدّ العمومية والمجانية والإبتذال ، ضد "القطيع" ، فهذا خـرابٌ نرفُضُـه ، لأننا نُحبُّ الحياة والجمال ، وإترك لهـم جَنَّتَهُم ...

شحيحاً ، يأتيني صوته من بعيد ، كما من خاصرة بئرٍ مهجور :" إنقطعَتْ
الكهرباء وليس لدينا بنزين لتشغيلِ مولدة الكهرباء ! بإنتظاري
حُلُمٌ مؤَجَّـلٌ ، سأتحاورُ معه فـي ما قُلتَ ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دوغلاتو هي باللغة الأكدية ، دجلة وتعني العظيم ، الجبار ، الهادر ...ي . ع .
** توصيفٌ لبغداد ، على لسان أول كابتن في الخطوط الجوية العراقية ، نقلته لي إبنته
في لقاءٍ عابر أثناءَ الإجتياح الإسرائيلي للبنان ، عام 1982 ، إعتمادا على مشاهداته لعواصم
ومدن كثيرة في العالم مرَّ بها بحكم مهنته . ي . ع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ