الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلفزيون الواقع في صيغته العربية

علي سفر

2004 / 5 / 29
الادب والفن


قد لا تشكل تسمية الأخ الكبير و من خلال إحالاتها المرجعية أي معنىً أو حرج لكل المشاهدين العرب الذين يتسمرون ساعاتٍ طوال أمام أجهزة التلفزيون و هم يراقبون مجموعةً من الشباب و الشابات الذين يعيشون في مكان ما و قد سلطت عليهم عدسات العشرات من كاميرات المراقبة التي يتحكم فيها طواقم كاملة من العاملين التلفزيونيين .. فهذه التسمية التي ورثها الإعلام من عالم و أدب جورج أورويل في روايته المؤثرة 1984 و التي تحولت إلى عنوان لأكثر البرامج التلفزيونية متابعةً في الغرب أمست أيقونة سحرية في عالم الربح المادي الذي ينتج عن أكثر الممارسات تطوراً في هذا العالم المغري و واحدة من أشد المتع التلفزيونية إثارة ً و تشويقاً .. فالمشاهد هنا ومن خلال موقعه في أي مكان من العالم و عبر جلوسه أمام التلفزيون يستطيع أن " يتلصص على هؤلاء الذين قبلوا – و عبر دوافع متعددة تنوس بين الرغبة في المال أو الشهرة - أن يكونوا عرضةً للمراقبة من قبل الملايين الذين يرصدون أي حركة يقومون فيها ويسمعون أي همسةٍ تصدر عنهم في هذا المكان الذي يغلب عليه طابع السكن ..!! و يراقبون حتى الأسرار التي تأخذ شكل الهاجس الذي يوحد الجمهور في متابعته الحثيثة للتفاصيل فضلاً عن الرغبة الملحة في متابعة انكشاف الكثير من رغبات و حاجات هؤلاء.. و بما يشكل فضحاً موازياً لأخر ابتكارات الميديا في تحطيمها لعنصر الخجل الذاتي لدى المشاهد و تحويل التلصص إلى عنصر إمتاعي بعد أن كان طوال عهود الوعي الأخلاقي عنصراً مرفوضاً على الأخلاق الذاتية للإنسان ..!!
إن العلاقة التي تقوم هنا و التي يعمدها المال في كل تفاصيلها لا تبنى على المجرد من الرغبات بل على الحاجات المصرح بها مادياً و روحياً مما يقود طرفي العلاقة ( المشاهدين في بيوتهم من جهة , و الأشخاص المراقبين في البرنامج من جهة ثانية ) إلى حالة من التواطؤ العلني على استجرار المتعة ..!! فالجمهور يستمتع في التلصص الذي يقوده نحو الدخول في حالة إيهامية تجاه المتلصص عليهم ليتبنى عبرهم مواقف أخلاقية أو إنسانية يومية ترضي النزعات المفقودة لديه ..1 و في المقابل يستمتع المتلصص عليهم بحالة المراقبة التي تتماس مع الاستعراض كميزة إنسانية بامتياز تدفع بهم لأن يرغبوا في رؤية أنفسهم و بكل فضائها الحركي في عيون الملايين من المشاهدين و بما يحولهم إلى مصاف النجوم الذين تهف إليهم الأفئدة بعد أن أمسوا المادة الأثيرة لكاميرات الميديا و عيون المشاهدين ..!!
هذه العلاقة المدفوعة الأجر تمثل و بلا أي شك أرقى أشكال استغلال الميديا ( بالمعنيين السلبي و الإيجابي ) للعلاقات الإنسانية عبر الأدوات الإعلامية فهي توضح و بجلاء كيف يمكن لتحالف الميديا مع شركات الاتصالات أن يتحكم بالأحاسيس الإنسانية و العلاقات التي تبنى على الاتصال بالآخر ..فالمشاهدون الذين يراقبون كل شيء و يتبنون المواقف تجاه الأفراد المراقبين يساهمون و عبر التصويت لهؤلاء في دفع التكاليف وصولاً إلى دفعهم لمبالغ تتراكم كأرباح تدخل في خزائن الشركات التي تبحث دائماً عما يكفل لها عنصر الاستمرارية و الديمومة حتى و إن أستدعى الأمر اللعب بتوقيت المشهد الإنساني الواقعي و اللعب عليه و تطويله تحت قناع البحث عن الشريك المفترض أو العمل على مشروع النجم القادم ..الخ
و في المقابل و في الزمن الذي كرست فيه منظمات حقوق الإنسان جل جهودها من أجل حث الحكومات و الأنظمة على احترام حق الإنسان في الخصوصية , جاءت الضربة لهذه الجهود من زاوية غير محسوبة وهي هذا التواطؤ المعلن لدى الأطراف المستفيدة من هذه التجربة و بدلاً من دفع القطاعات الاجتماعية باتجاه الاحتفاظ بحق الإنسان في ممارسة خصوصياته دون مراقبة أو تحكم من قبل الأجهزة الإعلامية أو السلطوية ..! تقبل هذه القطاعات ذاتها أن تكون شريكةً في لعبة محي الخصوصية و إعطاء معنىً جديداً للخصوصية هو خصوصية التفضيل ..! فالمشاهد الذي يمارس " حريته " في تفضيل شخص على آخر و يزدهي بتحقيق الانتصار الوهمي ( و الذي تطوره أجهزة الميديا ليقارب الانتصار القومي ) يخسر في المقابل حريته الأصلية في رفض المعادلة برمتها ..و لعل هذا ما دفع بمنظمات حقوق الإنسان في الغرب لأن تعلن حربها على المفاهيم الأخلاقية الجديدة التي تكرسها شبكات الميديا عبر هذا النوع الجديد من البرامج و لكم تبدو هذه المعركة شبه خاسرة أمام قوة الميديا و أمام الحالة القطيعية المكرسة في هذه البرامج ..!!
تلفزيون الواقع في المنطقة العربية
و في الوقت الذي تجابه فيه تجربة " الأخ الكبير " و مثيلاتها بكل هذه المحاولات المقاومة في الغرب , تسربت هذه التجربة إلى المنطقة العربية و لتقوم بعمل اختراقي لا يعرف أي من متابعيه إلى أين يمكن له أن يصل على كافة الصعد و لا سيما منها المساهمة في تطوير آليات المشاهدة و آليات ممارسة الحرية .. فالتجربة المحمولة عبر تحالف تجاري بين الميديا و شركات الاتصالات لا يوجد أي رادع دستوري و حقوقي يمنعه من القيام بالكثير من الاختراقات التي تخدم مصالحه ..!! تدفع المشاهد صوب أسئلة قد تختلف من حيث المسارات عن تلك الأسئلة المتولدة لدى المشاهد الغربي و لعل المقارنة بين آليات التلقي و بنيتها لدى أي من المشاهِدَين توضح حقيقة الأسئلة و كذلك الأجوبة التي يفرضها نقل التجربة من فضاء طبيعي يعيش حالة متقدمة من التطور الذاتي إلى فضاء هجين يعيش التجارب بالنقل و التقليد دون وجود الاستحقاقات الذاتية و الموضوعية التي تؤهله إلى معايشتها ..!! فالمشاهد الغربي يختلف عن المشاهد العربي من جهة الجانب الذاتي في كونه غير معتقل الإرادة و غير مسكونٍ بهاجس المراقبة أصلاً و هو حر في تعاطيه مع الإعلام ..لا بل إنه مساهم في حياة و ممات الأجهزة الإعلامية ..! بينما يقف المشاهد العربي على النقيض تماماً من سابقه فهو فاقد للإرادة .. ومراقب من قبل الأجهزة السلطوية في أوطانه .. وهو متلقٍ سلبي غير فاعل تمارس عليه أجهزة الأعلام كافة التجارب دون أن يرى نفسه في مرآتها سوى كفأر مخبر ..و لعل أقصى مشاركاته في هذه الأجهزة لن تكون سوى التنفيس عن الاحتقانات الهائلة التي تسببها سياسات الأنظمة على المستوى القومي أو المستوى الاقتصادي ..!! و بينما يمكن للمشاهد الغربي إطفاء زر التشغيل في جهاز التلفزيون و التوجه إلى فنونٍ بصريةٍ أخرى ممتعة ومتعددة يبقى المشاهد العربي أسيراً في بيته لسيطرة التلفزيون الذي قضى على الفنون الأخرى بشكل شبه كامل ...! هذه الفرو قات بين كل من المتلقي العربي و المتلقي الغربي لا تعكس شكلاً مجرداً للتلقي بل إنها تقدم طرحاً محرجاً لمجمل الفرو قات الحضارية و الإنسانية التي انتهى إليها المشاهد بين العالمين .. و تبعاً لكون هذه التجربة اقتحامية و لا تحترم الذات الملتفة على كوامنها فإن أثر هذه التجربة على المشاهد العربي الذي حولته السنوات الطويلة من غياب الديموقراطية في كافة المجالات إلى متلقٍ سلبي , لابد سيخلخل جزءاً غير قليل من منظومة التلقي لديه و بما يجعله عرضةً لتقبل الأمر على أنه متعة أخرى و حسب دون النظر في الحيثيات السابقة أو اللاحقة له فهو و لأول مرة يتبادل الموقع مع آليات المراقبة المنظمة و بما يحوله من مرَاقَب إلى مراقِب ..متلصصاً غير متلصصاً عليه .. مقرراً في خيارات اللعبة عبر لعبة التصويت مدفوعة الأجر .. لا مقرراً له ..!!
كل هذه الحيثيات تتجمع في أثرها على المشاهد لتشكل صدمة يعيشها وهو يندمج مع الشخصيات الموضوعة تحت عشرات الكاميرات التي تخترق كل الحجب و السواتر التقليدية و لا تتوقف سوى عند حدود الحمامات ..!! فإذا كانت القواعد الأخلاقية و الدينية الغربية قد تعاملت مع الظاهرة كخرق حقوقي و ديني فإن هذه الحيثيات لم تتوفر و إلى تاريخ كتابة هذه السطور لتشكل حالة رفض لها في المنطقة العربية و لعلها من مفارقات الواقع أن يحشد كل هذا الحشد وراء قضية الحجاب في أوروبا دون أن نسمع أي رأي للمنظمات الحقوقية العربية في التجربتين العربيتين لهذه النوعية من البرامج ..!!
هذه المؤشرات تفيد بأن السباق الحقيقي في حلبات تلفزيون الواقع لم يبدأ بعد رغم توسع عدد المشاهدين المتابعين للبرنامجين العربيين الوحيدين " ستار أكاديمي " على محطة lbc الفضائية اللبنانية و برنامج " ع الهوا سوا " الذي يبث عبر قناة تحمل اسم البرنامج ذاته , بعد أن تم ايقاف " الأخ الكبير " على محطة mbc نتيجة احتجاجات إسلاميين في البحرين على نوعية البرنامج و مقاصده .

نماذج عالمية لتلفزيون الواقع
الأخ الكبير* : أغلب المحطات الأوروبية الخاصة
يختار عدداً متساوياً من الشباب والبنات بناءً على امتحان معيّن أو بواسطة اختيار عشوائي لأسماء متصلين للمشاركة بالبرنامج ، ليعيشوا بضعة أشهر تحت مراقبة سبعين أو ثمانين كاميرا تلاحقهم طيلة أربع و عشرين ساعة وحتىنهاية السباق الذي يحسمه الجمهور عبر التصويت الهاتفي .
"لوفت ستوري" (حكاية شقة) : محطة ام 6 الفرنسية
و تعرفه المحطة ذاتها على انه "برنامج خيالي حقيقي تفاعلي" . فهو نوع من لعبة جماعية تقوم على الإبعاد التدريجي للمشاركين بواسطة تصويت المشاهدين. احد عشر عازباً ـ ستة شبان وخمس فتيات ـ تقل أعمارهم عن 35 عاماً (اختيروا من بين 38 ألف مرشح…) يحتجزون طوال عشرة أسابيع، 72 يوما، في شقة واسعة تبلغ مساحتها 225 م2 وحولها حديقة وحوض للسباحة، مقطوعين عن العالم، دون تلفزيون ولا هاتف ولا صحف ولا راديو ولا انترنت، ويتم تصويرهم على مدار الساعة في جميع الغرف (باستثناء الحمامات). أما المطلوب منهم فالاندماج في حياة المجموعة والكشف المتبادل عن شخصياتهم توصلاً إلى اختيار الثنائي المثالي الذي يفوز بمنزل تبلغ قيمته 3 ملايين فرنك … حيث تكون عليهما الإقامة معا لمدة ستة اشهر إضافية تحت عين كاميرات التصوير قبل أن يحصلا على الملكية الكاملة.
"الحياة الحقيقية" (Real life ) : شبكة MTV الاميركية
في كل موسم يتم اختيار سبعة شبان "خارجين من الحياة العادية" من بين الآف المتطوعين ثم يدعون إلى الإقامة معاً في منزل أو شقة حيث يصار إلى تصويرهم من دون توقف. لكنهم غير مضطرين للبقاء في البيت إذ يمكن القول أنهم يعيشون حياة طبيعية، يقصدون الجامعة أو العمل الخ… وفي كل سنة ينتقل البرنامج إلى مدينة جديدة، نيويورك، ميامي، سياتل، بوسطن، مع أن النموذج المختار من الراشدين الشباب (رجالاً ونساء) لا يتغير تقريباً: الشاب الهادئ المزاج، الفتاة المثيرة جنسياً، المثلي الجنسي، ابنة الريف، المهووس الجنسي الخ…
نموذجان عربيان
ع الهوا سوا : محطة خاصة
يقوم على فكرة اختيار عروس من بين عدة فتيات تم اختيارهن بعد أن طرحت الفكرة عبر بث إعلاني دام أشهر ..حيث تعيش الفتيات طيلة اليوم كاملاً تحت أنظار الكاميرات التي تقدم طبائعهن للجمهور الذي يساهم في انتخاب العروس من بينهن و التي سيتقدم إليها الخطابين و على طريقة ألف ليلة وليلة يطمح منظمو البرنامج لأن يكون العرس أسطورياً ..!
ستار أكاديمي : محطة lbc الفضائية اللبنانية + محطة خاصة
يجمع البرنامج بين عدد من الشباب و الشابات في إطار أكاديمية فنية تتولى تطوير الحالة الإبداعية لدى هؤلاء على صعيد الصوت و التمثيل و الفنون السمعي بصرية و يقوم البرنامج ببث كامل لوقائع هذه العميلة 24على 24 و يقوم الجمهور بالتصويت لإنقاذ واحد من ثلاثة تحددهم لجنة أساتذة الأكاديمية على أن يقرر الطلاب البقية مصير الاثنين الباقيين .. و تقوم الكاميرات برصد كل ما ينجم عن التصويت و تداعياته على الهواء مباشرةً ...
الأخ الكبير : محطة mbc
تم ايقافه بعد بث حلقتين منه


* لقراءة تفاصيل كافية عن برنامج " الأخ الكبير " في أوروبا و في فرنسا يراجع مقال " الأخ الكبير " , إيناسيو رامونيه , لوموند ديبلوماتيك , حزيران / 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي