الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسطورة شعيط ومعيط وجرار الخيط

زيد ميشو

2009 / 10 / 8
كتابات ساخرة


غريبة هي أحياناّ بعض الأمثال العراقية ، نقولها عند اللزوم ، ونفهم مضمونها وندرك مغزاها ، إلا إننا لانعرف معناها الحرفي ، بل حتى إننا لانعرف أصولها .
ومثل شعيط ومعيط وجرار الخيط هو واحد من أكثر الأمثال شعبيةً ، إن كان في البيت أوالمدرسة وفي البيئة ( وبين الدرابين ) وفي المقاهي ، إلا أن في المقاهي عادةً ماتنتهي بـ ( عفيط ) أربع درجات على مقياس رختر ! .
سألت عن أصل المثل وسبب شهرته ، وكل من أسأله يجيبني بالإجابة نفسها التي يعرفها الجميع ، وكأني قد أتيت سائحاً من مسقط رأسي في شارع الشانزليزيه ولا أعرف المقصود منه . نعم أخوتي ، إن هذا المثل يطلق على التافهين خصوصاً من تفرعن منهم ، أو حصل على مكانة لايستحقها ، وهو إبن عم المثل ( ما باقي علينا إلا وسخ .... ) ومن فصيلة ( من فوق هشي هشي ومن جوة خرق محشي ) . إنما سؤالي هو عن أصل المثل ومعاني مثلثه . وبما إني أتصف أحياناً بالعناد ، وكل يوم يزداد شغفي لمعرفة كنه هذا المثل وواقعه في الحياة ، وبما إننا قد إبتلينا بشعيط ومعيط وجرار الخيط في كل مكان وكل زمان ، ونسمع عن أخبارهم ونشاهدهم في وسائل الإعلام ، ونقسم الولاء لهم ونقبل أيادهم . فأقسمت بحياة ( كم دوني عرفتهم وطالعة روحي منهم ) ، بأنني لن أنام وتهدأ لي سريرة حتى أستعلم سرهم وجذورهم علِّ أكتشف داء لهذا الوباء .
فأبتدأت البحث بين الكتب وفشلت ، وسألت المختصين وأخفقت ، وولجت في الشبكة العنكبوتية حتى إزرورقت عيني دون جدوى ، وأخيراً لم يبقى لي سوى الماورائيات ، فمارست التأمل والصلاة لآلهة لم تذكرها المصادر ، حتى كان يوم البِشر حين ظهر لي جحافل منهم ، وشكلهم يقلب النفس . فعرفتني إحدى الآلهة بهم وإذا من بينهم إله الكذب وإله الرياء وآلهة المتعة والسطوة والدناءة والإستغلال والطمع وغيرهم ، وأخيراً عرفتني بنفسها بأنها شيختهم . ثم سألتني وكأنها لسان حالهم وبلهجة عراقية " هاي شبيك حايص محركص ؟ وخابصنة تريد تعرف منو شعيط ومعيط وجرار الخيط ، شنو الجديد إللي راح تسمع عنهم ؟ " . فأجبتها صارخاً وكأني أعاني من لدغة عقرب " إي ولج مو ذولة حاركينة حرك ، متكليلي منين إِجوّي ؟ وشلون نعالج أمراضهم اللي هلكت العالم ؟ إشو بيهم سياسيين ، وبيهم ضباط ، وبيهم شهادات ، وبعيد عنِّج بيهم حثلّكية وهتلية ، والمصيبة إنو بيهم رجال دين ورجال تدعّي الإنسانية . بس الكارثة أكو من يصدّك ويدافع وأكو من يعرف حقيقتهم ويسكت . فقالت لي " لايمكن لأي كان معالجة آفاتهم مادام الإنسان قد عرض ذمته للمزاد العلني الرخيص ، ولايمكن ذلك طالما الشعب الواحد والعائلة الواحدة منقسمة . إنما من أين أتوا فجواب ذلك ليس فيه صعوبة ، لقد أتوا من الناس وتعالوا على الناس . نحن من أسسناهم وفتحنا لهم مدارس تمنح لطلابها شهادات عالية ، كلّ حسب كفاءته وطموحه والمنصب الذي يطمح له ، على أن ينهي دروسه بتفوق . فيكمل دورته التدريبية ليكون أولاً شعيط ، وهو من يشعط البشر ويفرقهم ، وبعد ذلك يمعطهم معط ( يمص رحيقهم ويسلب عافيتهم ) ويمزقهم أربا ، والشهادة الكبرى تمنح لمن يجر الخيط بعد أن يربط به مايمكنه من الخراف البشرية الذين يعتقدون بأن طاعتهم واجب وفرض ، أو يكونوا منقادين لأجل غاية أو خوف .
فتيقنت بعد ذلك ومن خلال هذا الشرح المقتضب ، بأن شعيط ومعيط وجرار الخيط هم ليسوا سوى تجسد صفاة في شخص واحد ، وبالغالب يكون هذا الشخص هو أكثر من تنحني لهم الرؤوس أحتراماً . فهم أسياد يسير من ورائهم السواد الأعظم من الناس ، يقودوهم في كل مناحي الحياة .
فعلمت شيختهم بما يدور في ذهني وكيف السبيل لردعهم ، وإذا بها تنظر لي بإستخفاف وتبتسم بإستهزاء ، فقالت " إستحالة ماتفكر به ياأحمق ، فكيف لكم ذلك وأنتم منقسمين ،
شعوب وعشائر وقبائل وطوائف ، منقسمة فيما بينها وعلى بعضها البعض ؟ فهل ترى من تترجى منهم خيرا ؟
فأحنيت رأسي خائباً ، وعدت أدراجي ولعنت أبو تلك الآلهة ومن يتبعهم وبصوت مسموع . فقالت لي " قل ماتريد ونحن وأتباعنا نفعل مانريد " .
فتذكرت بألم أحد الشعيطين الكبار جداً حينما قال لي ولبعض الإخوة " هذا هو الحال ومن لايعجبه ذلك فليبحث عن مكان آخر " وكأن المكان المقصود قد أورثه له جده معيط !
إنما ومع كل ذلك ، ومهما طغى البعض ، إلا إن ليس كل البشر قد رضوا على طغيانهم ، فهناك من يقطع الخيوط التي تحاول أن تلفلفهم وتضرب الكف التي تمسك بها .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلنا في الهمّ شرق
جميل السلحوت ( 2009 / 10 / 8 - 07:12 )
كلنا في الهمّ شرق كما قال شوقي
وعندنا في فلسطين امثال مشابهة منها:(البلاد اللي أبو العظرط بيحل فيها وبيربط ما بتنسكن)و(ما ظل الا ممعوط الذنب)
ومنها الخريّ خريّ مكسي وللا عريّ))


2 - بعد وين والحبل عالجرار ...!؟
س. السندي ( 2009 / 10 / 8 - 16:00 )
بعد وين ياصاحبي فالحبل عالجرار كما يقول المثل ، فشعيط ومعيط ما فرخو ، بعد ما يفرخون أتشوف العجب العجيب ..!؟

اخر الافلام

.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني


.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار




.. تعمير - المعماري محمد كامل: يجب انتشار ثقافة البيوت المستدام


.. الجنازات في بيرو كأنها عرس... رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفر




.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا