الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموضوعي الذاتي في شعر بارقة ابو الشون

وجدان عبدالعزيز

2009 / 10 / 8
الادب والفن


النفس الطيبة التي تنطوي على الخير والحب والفضيلة ، أكيد أنها ترفض القبح وتعتمد على الخبرة الحياتية في التجدد والإبداع وهذا هو منطلق الإبداع الشعري ..
يقول الدكتور عبد الواحد لؤلؤة : (احسب أن الشعر عموما ، والشعر العربي بخاصة ، كان دائما في حالة تجدد بوصفه كائنا حيا ، تجدد ينبع من داخله بالدرجة الأولى غير بعيد عن مؤثرات خارجية في ذلك التجدد او تعيق توجهه هذه الوجهة او نلك). 1
اذن الشعر كائن حي ، تزداد حيويته أثناء اتصاله بإرهاصات الإنسان الشاعر الذي يبحث دائما عن ترع النقاء ، كي يستحم بها ويتخلص من أدران الحياة ، أي الإنسان الشاعر هو شخص يتألم ويتعنى ، فيكون تائقا لمساحات الجمال الشعرية ، يتمتم كلماته قرب أوراد هذه المساحات ، واني أرى الشاعرة بارقة ابوالشون تتبتل بتمتماتها ، وكأني بها منفعلة ، وفي داخلها أغنية الحياة وهي تهمس بانفعال (أوسدك غدار شرفاتي) ثم تنكب ساجدة أن يلامس العطاء السماوي أهداب الدنو ، الدنو من ترع النقاء ، لتمنح الحب علامات السير في هذا الطريق وهي واثقة من نفسها التائقة نحو الخلاص تقول :

(زحف الفجر نحو قبلتي
ألف درب للحلم
وبوابة واحدة للحقيقة
ألف خندق للموت
ودرب واحد للخلاص)
هذه غصات بارقة ابوالشون وألمها في دروب البحث عن الحقيقة ، حتى تجلت بفلسفة خاصة إن الأحلام تتوالد بدروب ألاماني ، ولكن الحقيقة لا نلمسها وصعب الوصول إلى بوابتها الوحيدة ، حتى تتجلى بخطاب موضوعي هو في حقيقته ذاتي يحرك دواخل الشاعرة بحنين الغرق في أجواء الحب والجمال ، وتكون رؤيتها الفلسفية هي الإنسان له فطرة الخير ومجبول على حب الخير ، ليكون الاضطراب والانفعال حينما يحضر القبح .. وهي اراء قديمة جديدة ، متجددة في السعي تقول الشاعرة :

(وطني
ماذا تمطر سمواتك
ما الذي جنيته منك
مواعظ / انكسارا / حصاد سنين)
فهو خطاب موضوعي فيه روح الانفعال اليائسة بعض الشيء ، لكنها تستدرك قائلة : (زحف الفجر نحو قبلتي) ، من حالة يأس وألم إلى حالة ضياء ابيض صادق هو الفجر ، وأين زحف هذا الضياء ؟ لمكمن الرهافة الحسية وتواصل قائلة : (عبثا نلم خفايا جروحنا ونرتحل) ، فأعطت زخم حركي لبحثها بكلمتي(نلم ، ونرتحل) ، لماذا ؟ لان (لم يعد حزنك مملكتي) ، فالأفاق مفتوحة أمامها ، كي تنهض من جديد ، عنقاء عراقية ملوثة بجمال الحب .. وهنا يبرز تساؤل هل غيبت الشاعرة العقل وغلبت الوجدان وعبر لحظة الشعر الومضة وحضور الوعي التالي؟ ، نكون قد وجدنا الشاعرة عاشت حالة التوتر وظلت تغرق في الحنين ، حتى أعدت كأس من الحلم ، كي ترتمي في سير مسافات الغد القادمة ، أي انها عملت معادلة متوازنة بين إرهاصات العقل وإرهاصات الوجدان في أنساق لغوية ، بدت تحمل الكثير من المعاني في سياق نص (حدثيني) وهو رد على نص في جريدة الصباح ، وكان انفعالها متوالية بحث يطهر قلبها من أوجاع الحياة وتكرر (كم ، وكم) لتثير أسئلة متوالدة بين حرب وأخرى ، لتصل بها الحالة وهي تقول : (أناجي أكفاني) ، حتى عمقت فلسفة الوجع والمعاناة ، بافتراض الحديث والبث إلى الحبيب الذي ما انفكت تستبدله بالوطن ، لتجعل من الوطن هو الحبيب كما هو ترديدها قائلة :

(أجيء إليك وأنا لا اعرف كنهك
أصغي إليك وأنت تكلمني بلغة غير أبجديتي
ما بالك تبعثرني ولا أجدني إلا عالقة في ضباب سطوتك)

فرغم هذا التبعثر والغربة في لغة التفاهم إلا أنها مثلت حالة تمسك بكلا الحبيبين الوطن والحبيب تقول :
(ما بالك
تهد محراب عرشي
وانثال على أعتاب دارك بالندى والاقاح)

إذن بين حالة التمسك أعلاه والأوجاع التي تعيشها ، بقي الجمال هو الذي يجللها في مسيرة الحياة ، مما تكشف لنا عن تمسكها بفلسفتها الخاصة بالجمال وان الشعر هو الخاطر الوحيد الذي يعبر عن مكنوناتها وتصل من خلاله الى صور اليقين وهي تقول :

(أنا الملأى
من فيض يقيني
الساكنة قرب الفجر)

هذه هي رؤيتها بيقين تجاه التزامها الأكيد بالحب .. وأنها (.. تغزل خطى الزمن ديوان شعر) ، ليكون الشعر عندها هو ليس بالترف الفكري او العاطفي فقط إنما التزام ولا يخرج عن دائرة المتعة والجمال .. تقول :

(وتعتلي المنبر
مهاجرا لمدن الشرائع والحكايا)

وهذه إشكالية تاريخية في تقنين سلوك الإنسان سواء كان في سن القوانين الوضعية أو وفقا لشرائع السماء ، وكيف الإنسان ترافقه الهزائم سواء من داخله كأختلال نفسي او من خارجه كاختلال في الوضع الاجتماعي نتيجة للحروب او تعسف الحكام ، هذا العمق في الفكر بات تعكسه قصائد الشعر الآن كونها مثقلة بهموم الإنسان وثقافته العلمية المتصاعدة ، واتساقا مع هذا نستطيع ان نقول في النقد الثقافي لهذه النصوص لما تحمله من انساق مضمرة وأخرى ظاهرة .
يقول عبد الله الغذامي : (يتجدد النسق عبر وظيفته وليس عبر وجوده المجرد ، والوظيفة النسقية لا تحدث الا في وضع محدد ومقيد ، وهذا حينما يتعارض نسقان او نظامان من أنظمة الخطاب احديهما ظاهر والآخر مضمر) 2 ، فالظاهر عند الشاعرة بارقة ابوالشون تمسكها بالوطن وهذا التمسك يكشف المضمر وهو دالة الحب الموزعة بين الحبيب والوطن .


1/ كتاب (الشعر ومتغيرات المرحلة) الدكتور عبد الواحد لؤلؤة / دار الشؤون الثقافية العامة ص 105
2/ كتاب (النقد الثقافي ) عبد الله الغذامي / المركز الثقافي العربي / المملكة المغربية لسنة 2001 ص 77
3/ قصائد (غبار الأحجية ، وحدثيني) للشاعرة بارقة ابو الشون











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
رحيم الغالبي - رئيس تحرير مجلة انكيدو ( 2009 / 10 / 8 - 11:52 )
رائع وحسن اختارك عن مواهب مبدعه ومتجذره في حياتنا الانسانيه...
عودتنا على الدوام بالتقاط الماس والدر...شكرا صديق العمر وزميلي الحبيب

اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي