الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفراشَة التي هَاجرتْ معَ سِرب الأُمنيَات

هشام الطيب الفكي

2009 / 10 / 8
الادب والفن


كـانت زاهية ، ألوانها متناسقة ، مخلصةً في فَتنةِ السِحر ، بارعـة في نشر الجمال بين الأمكـنة ، تتدلى من اجنحتها معانٍ لا نهاية لشطآنها ، لوَّنت حركاتها عينايَّ وهي تتنزه بين الاغصان الصغيرة وتسبحُ في أعماق الورود النضرة فرحةً بنفسها لأنها تُسعد ناظريها حتماً ، حازت على إعجاب الورود بأكملها ، كـانت ورود البستان المجاور لمنزلنا تحتَضِنها بِدفء وتعبِقها أريجاً ثم تملأ المكـان والشوارع براوائحها التي سكرت بها الروح ومضت على رونقها عينايّ لتتلصص أمكنة الجمال ، شدني بهـائها حين دنت تهمس لوردة فارتج بستـان الورود مندهشاً ، وتدلت بعد أن تخلـَّقـَتْ مراءٍ ما رأيتها من قبل ، ثم أبهرتني بفتنتها التي بثتها بين الورود عبيراً لا مثيل له.
(2)
إقتربتُ مِنها ذات صباح عَذب ، إقتربتُ منها بعد أنْ حَطّت بين ثنايا وردة شاحبه أظنها قصدت الولوج اليها عن قصد كيمـا تعيد لهـا بهائها وحسن منظرها بين جاراتها من الورود في البستان . حدقتُ فيها عن كثب وهي تعيد ترتيب تلك الوردة قبل أن تبدأ في محادثتها واللهو معها ببعض رحيق ، كان صقيع الدهشة قد ملأني ساعتها ؛ حينما رأيتُ ألوانها المتناسقة التي إرتدتها ثياباً أنيقة تتحد مع فكـرة سـر إختيارها للوردة الشاحبة ، كـان كل لون فيها قد أخذ رمزيته في حيـاتي ، كل لـون يدلني على تفاصيل احداث وذكريـات كـادت أن تتلاشى من أعماق ذاكرتي الخربة ، كل لون فيهـا كان له تفاصيله الجميلة حتى أنني فارقت جسدي لبضع دقائق أتأمل في نسق الوانها مبتسماً ، أبحثُ عن رمزيات مفقـودة وأخرى موجودة غير أنهـا تائهة.
أخذتُ شهقة عميقة ، تنفستُ كمَـا الذي إختَنق بالفَرحة .
كانت الورود بأكمالها مضغوطة في حيز ملأ العين فقط وقَفت الفَراشة في منتصفه رافعة جناحيها للهواء ووقفتُ أنـا مشدوها على أطرافه.
غطت الدهشة مساحات النظر تراءت للاعين من بين السـواد حبيبات أسى عَميق تُغمض الجفن غصباً لمتَنع إكتمال النشوة المكتسبة من مشهد ذا عذوبة غير مألوفة . أغمضت جفني وأعدتُ بصري سريعاً صوب الوردة مرفأ الفراشة مرةً أخرى لكني فوجئت ولم أجدها ..
(3)
نقّبتُ عنها اليـوم بعد أن أعياني وأكتساني التعب ، بحثاً وتنقيباً في البستان علَّني أُعيد بعضاً من تفاصيل دهشتي الأولى بها لكن دون جدوى ..
سألتُ أغصان الشجر الصغير ، الجدول على حافة البستان ، جمع الورود الذي بدى متعباً على غير عـادته ..
قالت وردة وقد تبوأت مكانها في وسط البستان : لاتتعب نفسك ، لقد غادرت تلك الفراشة ولن تأتي بعد اليـوم ..
قلتُ : كيف عرفت ذلك؟
قالت : لقد تزودت بمؤونة رحيقها من قلبي ؛ ثم هاجرت مع سرب امنيات الجميع .!
ثم سكبت الوردة الندية دمعها ، و بَكت لرحِيل فَراشة البُستَان تِلاها جَمع الورود النَواضِر ،البُستَان بأكمله باكياً وعلا أنين القلب السقيم يتسربُ من أتونِ الروح ليُعلن للملأ رحيل فراشـة جَميلة أسرت القلب بروعتها ودهشتها وجمال فكرتها ، لكنها رحلت وضاعت مع سرب الامنيات في طريق الفـرار من الهروب الى الهروب..!
قلت في نفسي متحسراً على الفراشة التي أفلتت مني :
لي وللورد أن نبكي ونُعلن مراسم الحداد في البُستـان ثُم سنصرخ بأعلى صوتنا على رحيل تلك الفراشة التي إدخَر لهـا الله من زاد الجمَال ما لاعين رأت ولا أُذن سمَعت ولاخَطر على جوقة وردة .!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خالص التحايا
عثمان محمد حسن ( 2009 / 10 / 8 - 06:44 )
لنا جميعاً أن نبكي ونُعلن مراسم الحداد في البُستـان ثُم سنصرخ بأعلى صوتنا على رحيل تلك الفراشة التي إدخَر لهـا الله من زاد الجمَال ما لاعين رأت ولا أُذن سمَعت ولاخَطر على جوقة وردة .!
..
شكراً أيهـا الشاب الجميل هشام

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!